جاء اعترافاً متأخراً ما قاله وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين عن عقم الحظر الدولي في اضعاف نظام الرئيس صدام حسين، وفاعليته في تفكيك المجتمع العراقي وحصد اعداد كبيرة من الاطفال، وتأجيج نقمة جيل لم يعرف سوى سيف العقوبات مسلّطاً على مدى عشر سنين. واليوم، في الذكرى العاشرة للغزو العراقي للكويت الذي فتح الباب لجحيم مأساة العقوبات بعد الكارثة، بين الحقائق القليلة الباقية مع المأزق ان صدام يحصي أسياد البيت الابيض وهم يغادرون حلبة القرار، فيما هو باقٍ في السلطة ولكن... أخطأت حسابات الاميركيين في الترويج لرحيل الرئيس العراقي قبل تقاعد الرئيس بيل كلينتون، لكن بين العراقيين مَنْ لم يعد يستغرب احتمال اطالة عمل الحظر سنوات، مثلما بين الكويتيين مَنْ لا يزال عاجزاً عن التخلص من كابوس تكرار الغزو، وتلك كارثة مزدوجة. اما الكلام على استيعاب دروس ما حصل منذ 2 آب اغسطس 1990 فلم يعد يقدم او يؤخر في شيء، في ظل اقتناع عربي ودولي بأن الخروج من الازمة المزمنة قرار أميركي، وحدها بغداد تملك بعض القدرة على انتزاعه ولو بشروط واشنطن. واذ يقرّ الوزير فيدرين بأن العقوبات لا تشجع نظام صدام على التعاون، فيما فرنسا تشارك في تطبيقها كما ساهمت في فرضها، فما ذلك سوى برهان واضح على ان الادارة الاميركية - اي ادارة - تحتكر ملف الازمة العراقية والتحكّم بتمديد عمرها. وستجد واشنطن باستمرار مبررات للتكفير اللفظي عن معاقبة المدنيين، ولعدم الاعتراف بالفشل في تغيير مواقف النظام. فشل آخر لا يرغب العرب في مواجهته هو عجزهم عن احداث ذلك التغيير، او على الاقل - في غياب الثقة بصدام - البحث عن وسيلة لإخراج الشعب العراقي من أسر الحصار الذي ما زال رهينة له بعد عقد على تحرير الكويت، ليصبح شعباً منسياً اللهم الا في مواقف التعاطف وتعظيم محنته. ويتكامل ذلك الفشل مع عجز روسياوفرنسا والصين عن التمرد على الانحراف الاميركي في تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ومصادرة قرارات مجلس الامن عبر هيمنة كاملة لتوجهات واشنطن ومصالحها التي وجدت في سياسات بغداد منذ الغزو افضل مطية لانتزاع التنازلات العربية في كل مكان. ولكن هل يكفي انصياع الكبار للولايات المتحدة علاجاً لعقدة الذنب لدى غيرهم حيال استمرار مأساة شعب؟ بديهي ان كل تلك المعطيات، اقليمياً ودولياً، ولعب واشنطن على وتر المعارضة لإيهام الجميع بقدرتها على تغيير النظام العراقي، لا يعفي بغداد من مسؤولية التكفير عن خطيئة 2 آب 1990، والطريق واضح ما ان تقتنع بضرورة الكفّ عن تقديم الذرائع للسياسة الاميركية في المنطقة، وبأنها وحدها قادرة على وقف كارثة الحصار وتدمير مجتمع بعدما دمّر الغزو بلدين. البداية ما زالت هي هي منذ تحرير الكويت: وقف سياسة العنتريات مع دول الجوار، لإنقاذ العراق.