يطل جبل قاسيون على مدينة دمشق محتضناً المدينة مسبغاً حمايته وحنانه عليها. ويبادل سكان المدينة الجبل الحب والحنان، فهو عنوان مدينتهم يتغنون بجماله ومنعته وينسجون حوله القصص والاساطير، و يزورونه في المساء مقدمين اليه فروض الطاعة ويقفون على سفوحه يتأملون مدينتهم العزيزة. ويحلو لأهل المدينة السهر على منحدرات قاسيون. وتخرج العائلات الدمشقية في المساء حاملة معها الطعام وعدّة "السيران" من نرجيلة وطاولة الزهر وابريق الشاي ليجلسوا على حافة الجبل في مواجهة المدينة مستمتعين بالهواء العليل والمنظر البديع لانوار المدينة. ويشتد الازدحام على الطرف المواجه للجبل حيث تكثر اكشاك بيع "الفول" و"عرانيس الدرة المشوية" و"الفستق الحلبي" ليتحول الجبل الى منتزه شعبي لا يغادره ضيوفه الا في وقت متأخر من الليل. اما زوار دمشق العرب والاجانب فتبقى زيارتهم ناقصة من دون الصعود الى قمة الجبل واخذ الصور التذكارية والاستمتاع بمنظر دمشق وابنيتها التي تزحف جاهدة لتسلق سفوح قاسيون. وكانت دمشق توسعت في العقود الثلاثة الاخيرة وامتد العمار الى سفوح الجبل لتتصل المدينة مع قرية "الصالحية" و"المهاجرين". واصبحت البيوت تبدو وكأنها معلقة فوق بعضها البعض حتى لتكاد تبلغ قمته. ويذكر المؤرخون الاوائل ان اهل دمشق "سكنوا هذا الجبل قبل ان يسكنوا دمشق" وهاهم اليوم يرجعون اليه بعد مرور قرون طويلة. وتعود تسمية "حي المهاجرين" بهذا الاسم الى ايام العثمانيين عندما انزلت السلطة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر في سفح جبل قاسيون في الطرف الغربي منه النازحين من مسلمي كريت ممن هاجروا من الاراضي التي باتت خاضعة للسيادة اليونانية. ويرتفع جبل قاسيون عن سطح البحر 1200 متر وعن مدينة دمشق 600 متر وسمي قاسيون لأنه قسا على الكفار فلم يقدروا ان يأخذوا منه الاصنام وقيل ايضاً انه قسا فلم تنبت فيه الاشجار. وجبل قاسيون بما فيه الربوة والصالحية كان مصيفا للملوك والامراء بنوا فيه قصورهم وملاعبهم وسكنه خلفاء بني امية وبني العباس بعدهم ومن ملك دمشق من الملوك والامراء". وعلى قمة جبل قاسيون بنى الخليفة المأمون مرصده الفلكي الشهير لرصد الكواكب والنجوم. وفي نهاية حي المهاجرين وفي الطريق القديم الذي كان يصل دمشق ببيروت بنى الامير سيار الشجاعي قبة السيار التي لا تزال قائمة حتى اليوم. ولقاسيون مكانة مقدسة عند اهل دمشق لما فيه من الاماكن المقدسة والاثرية اذ تذكر الاساطير انه في سفح الجبل "بيت ابيات حيث سكن ابو البشر ادم عليه السلام ويعتقد انها قرب التربة البدرية" وفي اعلاه قتل قابيل اخاه هابيل وتقول الاسطورة "ان قابيل قتل هابيل فبكى الجبل لهول هذه الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر وفتح فاه يريد ان يبتلع القاتل" وفي الزاوية الشرقية الشمالية للجبل، بارتفاع نحو متر، فتحة تمثل فماً كبيراً يظهر فيه اللسان والاضراس والاسنان بتفاصيل متقنة وامامها على الارض صخرة عليها خط احمر يمثل لون الدم وفي سقف المغارة شق صغير ينقط منه الماء. وتأخذ الزوار الرهبة حينما ينظرون الى هذا التمثيل الدقيق سيما وان لون الحجر في هذا الطرف من الجبل احمر. كما في شرق قاسيون مقام ابراهيم الخليل عليه السلام في قرية تدعى البزرة وقرب الربوة في النيرب كان مسكن حنة ام مريم جدة المسيح عليهم السلام. ويحوي الجبل الكثير من المغائر منها الطبيعي ومنها ما شقه الانسان مثل مغارة "الجوعية" التي يعود سبب تسميتها الى ان اربعين نبيًا اختبأوا فيها خوفاً من الكفار ولم يكن معهم الا رغيف واحد فلم يزل كل واحد منهم يؤثر رفيقه على نفسه حتى ماتوا جميعهم من الجوع. اما مغارة الاربعين فقد سميت بالاربعين لأن فوقها مسجداً فيه اربعون محراباً وهي تقوم في محل مرتفع حتى يكاد الانسان يبلغ قمة الجبل.