الكتاب: جبال الانبياء المؤلف: حنفي المحلاوي الناشر: نهضة مصر - القاهرة - 1997 انطلق حنفي المحلاوي في دراسته من سؤال: هل خلق الله الجبال كي تكون مجرد صخور أو حجارة تتحول في بعض الأحيان إلى رمال بفعل عوامل التعرية والرياح، أم أن لها وظائف أخرى؟ يعدد من خلال اجابته أهميتها الجيولوجية والجغرافية قبل أن يحدد بُعدها الروحي الذي يرتكز عليه كتابه. مؤكداً أنه كان للجبال دور واضح في مسيرة الرسالات السماوية وحياة الأنبياء والصالحين. ويورد في المقدمة ان عدد الجبال التي قامت بهذا الدور عشرة جبال يوجد في المنطقة العربية ثمانية منها، ويقع الآخران في تركياوسريلانكا سيلان. على أن المؤلف يضيف جبلاً لم يذكره في المقدمة وهو "حراء" ما يجعلنا نسأل: هل نسي واحداً وهو يكتب المقدمة، أم اكتشف ذلك الجبل بعد الانتهاء من فصول الكتاب؟ يرتب المحلاوي الجبال ترتيباً زمنياً يعتمد على التسلسل التاريخي المعروف لقصة الخلق وتتابع الرسالات السماوية. وبناء على ذلك يبدأ بجبل "سرنديب" الذي هبط آدم فوقه، ذاكراً أنه يقع في جزيرة سريلانكا التي لا يفصلها عن شبه الجزيرة الهندية سوى مضيق "بالك" البالغ عرضه 5،53 كم وتعترض طريقه سبع جزر صغيرة معروفة بپ"جسر آدم" وترتفع قمة الجبل إلى 2453 متراً وهو يتوسط الآن ثلاث مدن كبيرة. وثاني الجبال في كتاب المحلاوي هو "عرفات"، ويصفه بأنه أشهر جبال الأنبياء فوق الأرض. وما يجعل الوصف صحيحاً هو ارتباط الجبل بإحدى فرائض الاسلام وهي الحج. بالإضافة لارتباط "عرفات" بحدثين لهما أهمية خاصة: الأولى هبوط حواء أمّ البشر فوق قمته، وتلقين الملاك جبريل لابراهيم الخليل كيفية أداء الصلاة والحج. ويهتم المؤلف بسبب تسمية الجبل بهذا الإسم، ويجد إحدى الإجابات عند الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه "الحج المبرور" الذي يعيد التسمية الى بداية الخلق عندما هبط آدم في مكان، وحواء في آخر ثم التقيا على هذا الجبل فسُمي "عرفة"، بينما يذكر أحد الصالحين في السلف أن التسمية تعود الى معرفة آدم فوق الجبل بأصول وواجبات الزواج عن طريق جبريل. أما ياقوت الحموي فيقول إن التسمية جاءت في سؤال جبريل ابراهيم الخليل: هل عرفت؟ وذلك بعد أن لقنه تعاليم الصلاة ومناسك الحج. ومن مكة ينتقل المؤلف إلى جبل "قاسيون" في دمشق الذي انتقل آدم وحواء للعيش في سفوحه. وفوق هذا الجبل وقعت الجريمة البشرية الأولى وطرفاها كما هو معروف ابنا آدم عليه السلام اللذان اختلف العلماء على اسميهما، وإن كانا اشتهرا بقابيل وهابيل، كما اختلفوا في سبب وقوع الجريمة. والجبل الرابع هو "الجودي" أو آرارات وهو مرسى سفينة نوح بعد الطوفان الذي ابتلع كل ما على الأرض. وهناك خلاف قائم على اسم الجبل. ذكر القرآن أنه "الجودي" بينما ذكرت الكتب المقدسة أنه "آرارات" ويجمع المؤرخون المسلمون على أن موقعه هو في شرق نهر دجلة في العراق، في حين يذكر المؤلفون من أهل الكتاب أن الموقع المقصود هو تركيا. يعيد المؤلف اختلاف التسمية إلى اختلاف اللغة، ويرى أن الفريقين يعنيان جبلاً واحداً هو ذاك الذي اكتشف الأثريون فوقه آثار سفينة نوح، ويقع في منطقة جبال تركيا المتاخمة للحدود مع ايران واسمه الحالي آرارات. ويلي جبل نوح جبل لوط الذي يتشابه مع الأول في أنه شهد إحدى أكبر كارثتين ذكرهما القرآن نزلتا عقاباً لمن أفسدوا في الأرض. جبل لوط كان الملاذ للنبي لوط وأنه حينما دُمرت مدن وقرى "سدوم وعمورية"، كما هو معروف، فإن تلك الكارثة وقعت بعد أن أغرت حياة الرفاهية من عاشوا في تلك المدينتين على ضفاف نهر الأردن ليرتكبوا الفحشاء ويخالفوا تعاليم السماء. ويقع جبل لوط أو "موآب" في جنوب شرق بحيرة لوط، ومنه تمتد السلسلة الشرقية لجبال لبنان بانخفاض عظيم حتى تبلغ العقبة جنوباً. ويعرف جبل لوط أيضاً باسم "بنو" عند أهل الكتاب. ويقولون إنه إحدى سلاسل جبال "عباريم" في موآب مقابل مدينة أريحا، وعليه وقف النبي موسى قبل وفاته يتأمل فلسطين والأرض المقدسة. ويقولون إن الجبل المقصود هو "النبا" الذي يقع شرق نهر الأردن بثمانية أميال، أو جبل "بيرز" المطل على سهل موآب الذي يكاد يقابل الطرف الشمالي للبحر الميت. يقول المحلاوي إن النبي موسى يعد من أكثر انبياء الله ارتباطاً بالجبال، على رغم أنه ظل حتى سن الاربعين من عمره يعيش في ظل حضارة متطورة احتضنتها مصر أيام الفراعنة، وبدأت علاقة النبي موسى بالجبال بعد هروبه من مصر عندما قتل خطأ مصرياً كان يتشاجر مع اسرائيلي من أتباعه. رحل موسى في مدين ليقيم بها عشر سنوات قبل أن يقرر العودة مع زوجته وهي ابنة النبي شعيب، مر بأرض سيناء وهناك تلقى الوحي في وادي "طوى" وهناك أيضاً أمده الله بآيتين ليكونا سنداً له إحداهما اليد البيضاء والأخرى العصا. وكان ذلك فوق جبل الطور الذي اختلف المفسرون في تحديد مكانه. نعوم شقير في "تاريخ سيناء القديم والحديث" يؤكد ان جبل الطور الذي نادى الله من جانبه الأيمن موسى يقع على نحو 60 كم الى الشمال الشرقي من مدينة الطور وأن هذا الجبل المعروف في التوراة باسم "حوديب" هو نفسه الذي نزل عنده النبي موسى بعد خروجه بالاسرائيليين من مصر، وهو الجبل الذي جاءه النبي إيليا بعد سفر شاق من بئر سبع دام أربعين نهاراً وأربعين ليلة فبات هناك في مغارة. يقول المؤرخون إن هناك إضافة الى جبل الطور، وجبل المناجاة الذي يقع شمال الطور، جبل الصفصافة الذي يقع الى الشمال الغربي من جبل الطور ويطل على سهل فسيح يدعى وادي الراحة وهو الذي وقف النبي موسى عليه عند القائه الوصايا العشر على بني اسرائيل. وهناك في طرف السهل المحيط بالجبل وعلى بُعد ميل تلّ صغير فوقه كوخ من الحجارة يطلق عليه "مقام النبي هارون" هو التل الذي عَبَد عنده الاسرائيليون العجل الذهبي الذي صنعه لهم السامري. وهناك من يقول إنهم عبدوا العجل تحت سفح جبل "سريال" الذي يعد أشهر جبال سيناء بعد جبل موسى ويقع على بُعد 30 ميلاً منه، مطلاً على مدينة الطور، وله خمس قمم تمثل تاجاً عظيماً في شكل نصف دائرة يبلغ ارتفاع أعلاها نحو 6730 متراً عن سطح البحر. يقال إن بني اسرائيل دفنوا في جبل جزريم عظام يوسف عليه السلام بعدما خرجوا به من مصر، وتقول التوراة إن موسى مات ودفن فوق سطح أحد الجبال المطلة على أرض كنعان. ومن جبل موسى ننتقل إلى جبل الزيتون في فلسطين حيث يروي معظم القصص الدينية أن النبي عيسى ولد في رحابه، ورُفع أيضاً من فوق قمته الى السماء. وكان هذا الجبل في الماضي يمتد ليشمل كل منطقة بيت المقدس وما حولها من قرى ومدن صغيرة. ومن الجبال المقدسة الأخرى التي ارتبطت برسالة المسيح جبل التجلي الذي صعد إليه ومعه من الحواريين بطرس ويعقوب ويوحنا. ومنذ القرن الرابع الميلادي والتقليد يقضي بأن هذا الجبل هو جبل تابود في الجليل، إلا أن كثيراً من العلماء يرى أنه جبل هرمون أو الشيخ وهو الوحيد في فلسطين الذي تغطي قمته الثلوج. وهناك فريق ثالث يرى أن جبل التجلي هو جبل يرموك أعلى جبال فلسطين اذ يرتفع نحو أربعة آلاف قدم فوق سطح البحر ويشرف على الجليل الأعلى. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء الذي يقع على قمة الجبل الذي يحمل الاسم نفسه. وجبل حراء هو أحد جبال مكة المشهورة ويقع في الشمال الشرقي منها، على شكل قبة ملساء تشبه سنام الجمل السمين، ويطلق عليه أهل مكة جبل النور. ويقع الغار يسار قمة الجبل من الناحية الجنوبية، وهو عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال وتسع نحو خمسة أشخاص جلوساً. وفي الناحية الجنوبية للغار فتحة يمكن منها رؤية الحرم الشريف. وكان لجبل "ثور" دور مهم هو الآخر في مسيرة الإسلام إذ لجأ إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ليختفيا في غار عن أعين رجال قريش الساعين إلى قتلهما قبل أن يبلغا يثرب. وآخر جبال الأنبياء هو "أُحد" الذي شهد سفحه اللقاء العسكري الثاني بين المسلمين وبين قريش في العام الثالث الهجري. ولعب جبل أُحد دوراً بارزاً في المعركة وكان سبباً في انقلاب نتيجتها إذ وضع الرسول صلى الله عليه وسلم في شُعب هذا الجبل 50 من الرماة وطلب منهم ألا يغادروا أماكنهم حتى نهاية القتال. لكنهم عصوا الأمر بعد تراجع القريشيين فتركوا الجبل لجمع الغنائم، ليستولي عليه القريشيون بقيادة خالد بن الوليد.