لم يعد جديداً وصف الانتخابات اللبنانية التي ستجري بعد ايام بانعدام المضمون السياسي. مع هذا فضجيجها وعنفها اللفظي ملحوظان، وكذلك انشغال الناس بها في عدد غير قليل من المناطق التي ستقترع. ويمكن القول ان اربعاً من مواجهات هذه الانتخابات تستقطب معظم الضجيج والانشغال اللفظي. الا ان اية معاينة لها ول"قضاياها" تدل الى ان "السياسة"، هنا ايضاً، ليست من النوع السياسي اذا جاز القول. أولاً، معركة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في بيروت، ولكنْ أيضاً في دوائر عدة اخرى ينمّ عددها عن مدى انتشار نفوذه. ولئن اراد رئيس الحكومة السابق لهذه المعركة على نطاق وطني ان تمهّد لعودته الى الحكم، الا ان تحالفاته ما بين الشوف وعاليه من جهة، وطرابلس من جهة اخرى، هي ما يستحيل ادراجه في اية وجهة، وما يستحيل اشتقاق اية دلالة سياسية منه. وهذا عطفاً على ظاهرات مبعثرة كوجود السيد ناصر قنديل على لائحته في بيروت نفسها، اي في عقر داره الانتخابي! ثانياً، معركة طرابلس - زغرتا بين رئيس الحكومة السابق عمر كرامي المتحالف مع النائبة نايله معوّض وبين الزعيم الزغرتاوي سليمان توني فرنجية المتحالف مع الوزير نجيب ميقاتي "المرشّح" لتولي رئاسة الحكومة. وهذه مواجهة تبقى الى اثارة النعرات العصبية، الدينية والمذهبية والمناطقية، اقرب منها الى اي شيء آخر. ثالثاً، معركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع خصومه في الشوف ولكنْ خصوصاً في عاليه والمتن الجنوبي. وهنا لم يفت جنبلاط نفسه ولا فات المراقبين التذكير باستعادة لوحة الاصطفاف كما كانت في 1958: سنة النزاع الاهلي والدموي الاول بعد الاستقلال. رابعاً، معركة المتن الشمالي ويتصدّرها الجهد المحموم لاسقاط النائب والمهندس نسيب لحود. وفي المواجهة هذه يصعب بين أمور أخرى بالطبع الاغفال عن البُعد العائلي لما يجري. فكيف وان الاحزاب "العقائدية" في ذاك القضاء الكتائب، القومي السوري اكثر ما تكون اصطباغاً بالتراكيب العائلية المتناحرة الجميّل، الاشقر. يبقى "حزب الله" الذي كان منعه من المواجهات كما ارادها، ومن التحالفات كما ارادها، خير تعبير عن ان المقاومة نفسها لا تفضي الى سياسة في لبنان. والسبب، في الاصل، انها لم تنبثق من سياسة. فلماذا يتفاجأ الذين يتفاجأون؟!