رحيل محمد بن فهد.. إنسان ورجل دولة باقٍ بذاكرة الزمن    محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية    المملكة المتحدة: سعي ترمب لفرض رسوم جمركية يهدد ب "تأثير ضار للغاية" على الاقتصاد العالمي    رئيس اتحاد التايكوندو: تطوير التحكيم أولوية لتعزيز مكانة اللعبة محليًا ودوليًا"    رونالدو يشعل ليلة القتال في "موسم الرياض"    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية الدنمارك    اختتام بطولة الشطرنج بالظهران وسط حضور ومشاركة من مختلف الدول    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة    أمير جازان رعى حفل انطلاق الفعاليات المصاحبة للمعرض الدولي للبن السعودي 2025م    البدء في تنفيذ مشاريع المجموعة الثانية من برنامج تطوير محاور الطرق الدائرية والرئيسة في الرياض    زيلينسكي يفتح طريق التفاوض مع روسيا    البريطاني "بيدكوك" يتوّج بلقب طواف العلا 2025    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    تجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة ويحقق جائزة وزير الصحة في الرعاية الصحية الحديثة    الرئيس السوري يصل إلى الرياض في أول وجهة خارجية له    13.9 مليار ريال ضمان تمويلٍ من برنامج "كفالة" لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    ضبط 3 أشخاص لقطعهم مُسيجات ودخولهم محمية دون ترخيص    "يلو 20".. ثالث جولات الدور الثاني تنطلق الاثنين    بعد إنجازه في دكار... يزيد الراجحي يكتب التاريخ بفوزه الثامن في حائل    الانحراف المفاجئ يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في الرياض    مدير تعليم الطائف يتابع تطبيق الزي الوطني السعودي في المدارس الثانوية    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    المياه الوطنية تضخ المياه المحلاة إلى حي المروج في محافظة القريات    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    "السعودية للكهرباء" تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة بقيمة 5.687 مليار ريال وتحوِّلها إلى أداة مضاربة تعزِّز هيكلها الرأسمالي    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    استشهاد 5 فلسطينيين وتدمير أكثر من 100 منزل في جنين    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    موكب الشمس والصمود    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته في العالم.. تكثيف الإغاثة السعودية للأشقاء الفلسطينيين والسوريين    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    أسرتا العلواني والمبارك تتلقيان التعازي في فقيدتهما    نصيحة مجانية للفاسدين    تفسير الأحلام والمبشرات    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    ضوء السينما براق    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    ندوة عن تجربة المستضافين    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نذير اسماعيل في معرض جديد . تناقضات الوجوه البشرية في صمتها ... ومآسيها
نشر في الحياة يوم 01 - 08 - 2000

يعطينا معرض الفنان العربي السوري نذير اسماعيل، والذي احتضنته صالة "بلدنا" في عمان، فرصة للتأمل في تجربة تشكيلية شديدة الغنى والعمق، على مستوى الخط والتلوين، كما على صعيد المضمون والرؤية الفنية الخاصة. ففي المعرض 47 عملاً مختلفة الحجم قدر من التنوع والغنى، على رغم اننا لم نشاهد سوى تشكيلات للوجه البشري، لكنها تشكيلات تأخذ الوجه من صورته المحددة، كما نعرفها، وتذهب بها الى عوالم لا حصر لها. الوجوه التي تملأ المشهد، وجوه بشر بائسين، كما هو ظاهر للعين في النظرة الاولى والاولية، لكنها ليست سوى مفتاح الى العوالم الانسانية، العوالم التي يشكل الوجه علامة عليها، ومدخلاً اليها. فالوجوه تتشابه وتتباعد، تختلف وتأتلف، لكن كل وجه هو عالم في ذاته، عالم يحتشد بخطوط وتفاصيل تجعل منه تجربة قائمة في ذاتها، من دون ان تفقد خيوط العلاقة مع الوجوه - التجارب التي تصنع التجربة الكلية.
يوظف نذير اسماعيل المولود في دمشق عام 1947، في لوحاته الحديثة هذه، مجموعة عناصر حفلت بها اعمال تجربته الممتدة منذ مطلع الستينات، تجربته التي بدأها متعلماً على نفسه، ومتكئاً على التجارب التي سبقته، وخصوصاً على ما قاله فاتح المدرس من آراء عندما كان يرى اعمال نذير. فهو يفيد من موضوعاته وتقنياته المتراكمة، ليقدم عملاً اشد تكثيفاً واختزالاً واكثر اقتراباً من الجماليات الحديثة، من دون ان يتخلى عن القضية الاساسية في عمله: الانسان. لذا سنجد في ثنايا كل عمل، ان ثمة عناصر غير بارزة، عناصر ينبغي التدقيق في اللوحة لمشاهدتها، وقد تكون من الطبيعة، او من العمارة الدمشقية التي تربى الفنان في محيطها، وسنجد الطائر العجيب على احد الرؤوس. لكن هذه العناصر جميعاً، تأتي من خلال الوجه، او تختبئ في زواياه وخطوطه والوانه. فالوجوه البائسة والمتعبة، والوجوه المشوهة، والوجوه ذات الملامح الغائبة في الخطوط والالوان، كلها محاولات لتجريد الشكل الانساني، ولاظهار امتلائه بما هو حوله من عناصر وظروف، ومدى تأثره بها. في بعض الوجوه تستطيع ان ترى حياة كاملة لزقاق او بناية قديمة مهدمة، وقد ترى ظلال اشخاص او اشجار. لكن هذا كله ليس سوى المشهد الخارجي، اما الاحاسيس التي يولدها اللون، والمشاعر التي تحركها الخطوط اللينة والمملوءة بالقسوة، فهي تتطلب المزيد من التأمل، ويبقى ما يصنعه الايقاع العام لجماع اللوحات من احاسيس بصرية.
ولعل خصوصية اللون في عمل الفنان اسماعيل، تبرز قدراً من خصوصية عمله. فاللون الذي يصنعه الفنان بيده، من مواد الطبيعة من الاعشاب حيناً، ومن التراب حيناً آخر، ومن الشمع وسواه، يبدو اكثر حميمية في علاقته بموضوع الوجه، وبالتشكيل الذي يتكوّن هذا الوجه به. وهذا النزوع الى التجريب، على صعيد تصنيع اللون، يجاريه تجريب آخر على مستوى اللعب الخطوط والحركة. هذا اللعب يخلق ايقاعاً بصرياً خاصاً يمنح اللوحة هويتها، ويجمع بينها وبين بقية الاعمال المعروضة.
ومما يميز عمل نذير اسماعيل ايضاً، واساساً، حضور الحس الغرافيكي الحاد في معظم لوحاته، وهو - من جهة - حضور يقرب اللوحة من الحفر، كما يمنحها - من جهة ثانية - روح التمثال، والى ذلك تبدو اللوحة كما لو انها تتقمص ارواح شخوص مسرحية، فيما البعد التراجيدي واضح في التعابير والاشكال. ولا تغيب عن عمل الفنان تلك اللمسة الآتية من تجاربه الماضية، اعني اللمسة القوية التي التصقت بعمله في الملصق البوستر، في فترة مبكرة من تجربته. ففي بعض الوجوه، لا تزال ثمة ملامح تذكرنا بما كان عليه العمل الفني "المناضل" اذا جاز التعبير. وليس حضور هذه الملامح سوى عنصر واحد، وهو يشبه حضور عناصر اخرى كالزخرفة مثلاً، والبنائية الهندسية، والنباتات وسواها من عناصر تبرز ارتباط الفنان ببيئته المحلية، وتبرز عمق ارتباطه بالانسان، هذا الموضوع الحميم في حياته وعمله، والذي يظل مصدر الهامه في اعماله التعبيرية، وحتى في عمله الذي ينحو نحو نمط من التجريد، يحتفظ بعلاقته مع القدرة التعبيرية، ويواصل البحث عن شكل جديد للوجه البشري، ويسعى الى تطوير تقنياته وادواته، في مشروع بصري مفتوح على افق بلا حدود.
عن اشتغاله على الانسان، وانهماكه في عالمه، يقول الفنان نذير اسماعيل "منذ البداية، كان الانسان هو هاجسي الاول، وعلى رغم ما يقال عن رغبة التجريب لدي، فقد ظل الانسان ومعاناته في صلب اعمالي، وانحصر التجريب في الناحية التقنية. وأعتقد ان عملي يقع، اساساً، في خانة التعبيرية، اما التقنيات وتطويرها، فقد وظفتها في خدمة موضوعي. فأنا اجرب في مناحٍ كثيرة، وقد جربت ونجحت في صناعة الورق الذي ارسم عليه، كما انني اقوم بتركيب اللون، وذلك انطلاقاً من ادراكي ان الالوان التي تصنعها الشركات، تبقى لها خصائص ثابتة تسهم في توحيد الرؤية البصرية، ولا تستطيع الاضافات الشخصية لكل فنان ان تلغي هذا المشترك، اما الالوان التي استخلصها من نباتات البيئة المحيطة بي، فهي اشد حميمية وخصوصية".
تبقى هذه كلها ملامح من تجربة فنية مهمة واساسية في التشكيل العربي، تقوم على البساطة الجميلة، كما يمتاز جمالها بالبساطة، الامر الذي يضعها في صف كبار الفنانين العرب، وخصوصاً من نشأوا نشأة فطرية، ولم يكن للتعلم الاكاديمي اي نصيب في تجربتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.