كتبت امس ان الشؤون الخارجية لا تكاد تكون جزءاً من التنافس بين آل غور وجورج بوش على الرئاسة الاميركية. وازيد اليوم انها جزء اساسي من التنافس بين هيلاري كلينتون وريك لازيو على مقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك. في الولاياتالمتحدة وحدها يمكن ان يقوم مثل هذا الوضع، فرجلان يريد كل منهما ان يحكم اميركا وبالتالي يحكم العالم ويتحكم به، لا يجعلان الشؤون الخارجية حجر الزاوية في حملتيهما. ثم يأتي مرشحان عن ولاية واحدة، ومع ذلك تشكل الشؤون الخارجية نصف حملتيهما تقريباً. هيلاري كلينتون تريد ان تترشح عن الديموقراطيين، ويفترض الا تكون لها مشكلة في شغل المقعد الذي شغر بتقاعد السناتور الجمهوري دانيال باتريك موينهان، خصوصاً ان الديموقراطيين في الولاية يزيدون على الجمهوريين بمليوني ناخب. وربما يذكر القراء انها كانت في الاصل تواجه رودلف جولياني، رئىس البلدية القوي، الا ان هذا انسحب بعد ان تبين انه مصاب بسرطان البروستات، وتزامن ذلك مع انفصاله عن زوجته، واقامته علناً مع عشيقة هاجمتها زوجته التي قررت في الوقت نفسه المشاركة في تمثيل مسرحية اباحية. مع ذلك تظهر استطلاعات الرأي العام في نيويورك ان هيلاري كلينتون تكاد تتساوى مع لازيو بين الناخبين، فلكل منهما حوالى 42 في المئة، والبقية لم تقرر رأيها بعد. السبب الاهم لتعادل المرشحين في حين كان يفترض أن تسبق مرشحة ديموقراطية في نيويورك مرشحاً جمهورياً بأشواط، هو اسرائىل. كلا المرشحين يؤيد اسرائيل بقوة، بل انهما يتنافسان على تأييدها، كما فعلا في العرض السنوي لتأييد اسرائىل في نيويورك قبل شهر، عندما اجتمعا في مكان واحد للمرة الاولى. واعلنت هيلاري كلينتون خلال العرض "ان الولاياتالمتحدة وقفت دائماً الى جانب اسرائىل وستظل تفعل". وهي أيدت نقل السفارة الاميركية الى القدس. لازيو يؤيد ايضاً نقل السفارة الى القدس، وهو قبل العرض بيومين اجتمع مع زعماء اليهود في نيويورك ورد على اسئلتهم التي كان بينها سؤال عن القدس. وتقضي الموضوعية القول ان لازيو كان حذراً، فهو في موضوع الجاسوس جوناثان بولارد، رفض دعم حملة الافراج عنه، وقال انه لا يملك معلومات كافية لابداء رأي. وعندما سئل عن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، قال انه سينتظر ليرى ما ستقرر اسرائيل. مع ذلك هناك فروق بين المرشحين، فهيلاري كلينتون تؤيد نقل السفارة، ولكن تريد ان يبقى للرئىس حق ارجاء القرار اذا كان ذلك في مصلحة السياسة الاميركية. وهذا ما قرر بيل كلينتون فعلاً، فالكونغرس كان في قراره الاصلي يريد ان تنتقل السفارة الى القدس في 1999. اهم من كل هذا ان الناخبين اليهود في نيويورك لم يغفروا لها انها ايدت يوماً قيام دولة فلسطينية. وهم لم ينسوا بعد وجودها الى جانب السيدة سهى عرفات في رام الله عندما اتهمت الفلسطينية الاولى اسرائيل بتسميم ماء النساء والاطفال الفلسطينيين وهي تهمة تسببت في ثورة يهودية، لأنها ذكرتهم بالتهم النازية ضدهم. هيلاري كلينتون عانقت السيدة سهى عرفات في نهاية الحفلة، ولم تحتج على ما قالته الا في وقت لاحق، بعد ان نبهها مساعدوها الى مضاعفات التهمة. وهكذا فقد تنافست هيلاري مع ريك لازيو في العرض لاظهار تأييدها لاسرائيل، غير ان الصحف كتبت ان بعض المتفرجين اطلق صفير الاستهجان في وجهها، او شتمها بصوت عالٍ، لا بد ان تكون سمعته. هيلاري كلينتون ذكية جداً وتعرف اسباب مشكلاتها، الا انها لا تستطيع ان تؤيد اسرائىل اكثر من دون ان تتهم بالانتهازية، او الوصولية السياسية، ثم ان مثل هذا الموقف قد لا يكون مضمون النتائج، فالناخبون اليهود قد يقررون انها تزايد لتكسب اصواتهم، وانها لا تزال في الواقع عند موقفها القديم من الفلسطينيين ودولتهم. وهم لو فعلوا فلن يكونوا مخطئين كثيراً، وهيلاري كلينتون فضلت في الوقت الحاضر ان تكتفي بمواقفها المعلنة من اسرائىل، من دون زيادة او نقصان. وهي استعانت بابنتها تشيلسي للظهور معها في الحملة، ويبدو انها تفضل الاستعانة ببنتها بدل زوجها الذي اغضب نساء كثيرات في الولاية بسبب خيانته الزوجية. وكان يفترض ان تؤيد النساء مرشحة امرأة، الا ان كثيرات منهن قلن ان هيلاري، وعمرها 52 سنة، غير مناسبة، في حين ان لازيو عمره 42 سنة، ما يجعله اقرب اليهن من جولياني الذي انسحب وعمره 55 سنة. مع ذلك ربما خدم الحظ هيلاري مرة اخرى، كما حدث بخروج جولياني من ميدان المنافسة، فزعماء اليهود سألوا لازيو عن علاقته بحزب الاستقلال، فقال انه سيقبل تأييد هذا الحزب لحملته الانتخابية. حزب الاستقلال يرأسه بات بوكانان الذي ادلى بتصريحات اعتبرها اليهود لا سامية، وهو قد يدلي بمثلها في المستقبل، ويحرج لازيو، فيعود يهود نيويورك الى المفاضلة بينه وبين هيلاري كلينتون على اساس علاقته ببوكانان. وثمة اشهر قبل الانتخابات سيبقى فيها المرشحان على تأييد اسرائيل مهما طرأ على الحملة من متغيرات.