تعج اسواق دمشق القديمة منها والحديثة بالباعة المتجوّلين و"البسطاطية" يفترشون كل شبر من الارصفة مشكلين اسواقاً مخالفة تحاذي الدكاكين والمحال وتنافسها علناً. بائعون من كلّ الفئات يفترشون الارصفة تتعالى اصواتهم لجذب المارة. احدهم يصرخ خمس قطع بليرة وآخر عشر قطع بليرة. انهم يستخدمون تسميات الليرة واجزاءها للتعبير عن فئة المئة ليرة، ربما لتخفيف وقع المبلغ على الزبون. اما الناس الذين يمرّون امام هذه البضائع فيتناول بعضهم هذه المبيعات فضولياً فيما يتجاوز الآخرون كل هذا الصراخ غير عابئين بهذه السلع وبعضهم يسأل حشرية عن السعر، فيقول له البائع "كرمالك بعشر ليرات" ليرد الزبون "ليش دهب كتير عليه الخمس ليرات...". ويذهب. الا ان البائع لا يستسلم بسهولة بل ينادي الزبون ويسير معه مفاصلاً "خذها بسبع مع انها تساوي اكثر" وهكذا حتى يقتنع الزبون. يقول احد الباعة "عملنا مثل الشحادة ولكن لا يوجد بديل" ويقول آخر "كل يوم انزل بالبضاعة الى السوق اصارع الزبائن على الاسعار والباعة لاحتجاز مكان على الرصيف واراوغ عناصر الشرطة كي لا يكسروا لي البسطة ويصادروا البضائع". ويبيع "البسطاطية" كل شيء: ادوات منزلية، ادوات معدنية، مستحضرات أو ادوات تجميل، جوارب، البسة مختلفة، اجهزة كهربائية، اغذية معلبة... يعرضونها في طرق مختلفة على المارة. يقول حسن بائع جوارب رجالية "احمل معي دزينة واحدة واعرضها على احد المارة وافاصله بالسعر حتى اقنعه بشرائها مدعياً انها آخر دزينة لدي. وبعد ان ابيعها احضر دزينة اخرى". ويضيف: "هذه الطريقة اسهل في البيع وهي تجنبني الوقوع في ايدي شرطة المحافظة. واذا وقعت لا اخسر كل بضاعتي، فالشرطة تصادر كل ما احمل معي". واصحاب البسطات على موعد دائم مع شرطة المحافظة إذ تلاحقهم باستمرار سائرة بامان الله في الاسواق. فجأة تعلو اصوات هؤلاء الباعة وصفيرهم للتنبيه أن شرطة المحافظة جاءت. وهنا تبدأ لعبة الكر والفر، ويعمل احد الاولاد على تنبيه الباعة. فهو يقف في اول السوق ويقوم بالصفير عندما يلمح احد رجال الشرطة، فيقوم "البسطاطية" بضب بضائعهم والهروب. بعض هؤلاء يحظون بطاقية الاخفاء وينجون من "كبسات الشرطة"، والبعض الآخر تصادر بضائعهم وهم يناشدون الشرطي بعبارات الرحمة والرأفة وبأن هذه البضائع حتى الآن لم يستطع تسديد ثمنها وانه يبيعها بالامانة. اما المتسوقون من هذه البضائع فاكثرهم غير راضٍ عن جودة المنتجات، لكنهم راضون عن اسعارها. يقول حسان: "البعض يبدي استياءه من تدني مواصفات هذه السلع وخصوصاً الالبسة والجوارب والاحذية، الا ان اسعارها تغري بالشراء وخصوصاً بعد المفاصلة". ويقول احد التجار "يجب منع هذه المنتجات المخالفة لكل مواصفات الجودة مشيراً الى انها تنتج في اقبية ومنشآت غير مرخص لها يجرى فيها وضع اي واحدة من الماركات "المسجلة المشهورة" في شكل مخالف على هذه السلع من دون رقابة من اية جهة". ويضيف: "ان الجهات المعنية لا تقوم بوضع حد لهذه الممارسات"، ويقول آخر "ان حدود المسموح والممنوع تضيع بين المخالفات الصحية والجمركية والمواصفاتية والبلدية ايضاً وفي احيان كثيرة تسجل الشرطة او الضابطة الجمركية مخالفة تهريب على بضائع منتجة محلياً وفي الوقت الذي تسجل البلدية مخالفة اشغال ارصفة او تقوم احياناً بمصادرة السلع المعروضة للبيع.