يوماً بعد يوم تكشف تقارير وزارة الهجرة الاسترالية فصولاً جديدة من مأساة المهاجرين العراقيين غير الشرعيين الذين يحاولون عبور البحر من الجزر الأندونيسية إلى شواطئ استراليا في ظروف أقل ما يقال فيها إنها لاإنسانية. وجاء في التقرير الأخير أن مئات من الرجال والنساء والأطفال ماتوا غرقاً في ثلاث سفن تبيّن أنها غادرت الشواطئ الأندونيسية منذ آذار مارس الفائت واختفى أثرها في بحار عاصفة. ويعكف مسؤولون في وزارة الهجرة الاسترالية على استجواب أقارب ومعارف أشخاص يُجرى الاستفسار عنهم من الخارج ولا يجد أحد اثراً لهم منذ وصولهم إلى أندونيسيا عبر ماليزيا الشتاء الماضي. يقول الناجون ممن وصلوا اليابسة الاسترالية إن قراصنة تهريب البشر الأندونيسيين يربطون زبائنهم إلى درابزون المراكب المهترئة لئلا يندفعوا مع حركة البحر نحو جهة دون أخرى، مما يفقد المركب توازنه، وأحياناً يربطونهم في قعر تلك المراكب طوال أسابيع. فيليب ردوك، وزير الهجرة الاسترالية، اعترف ان ما يحصل في المحيط الهادئ أكثر هولاً مما حصل للمهاجرين الصينيين في دوفر. وقال: "لدينا معلومات موثوقة ان مركباً يحمل 220 شخصاً معظمهم عراقيون غادر أندونيسيا باتجاه شواطئنا واختفى اثره". وكانت السلطات الاسترالية اتخذت اجراءات قضائية وأمنية وإعلامية واسعة النطاق لتطويق تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها عبر البحر، بينها شريط فيديو مرعب يصوّر الأخطار المحدقة بالمهاجرين في صورة مبالغة أثارت عاصفة من النقد والسخط، إذ صوّر الشريط استراليا أرضاً مليئة بالتماسيح والأفاعي والعقارب السامة. إضافة إلى سنّ قوانين بالغة القسوة نسبة إلى المهرّبين أقصاها 20 سنة في السجن وعقوبات مالية أقصاها 210 آلاف دولار. وأفادت تقارير أخرى ان مركباً كان يحمل 80 شخصاً غادر ميناء كوبانغ في غرب تيمور، وتبعه مركب من جاوا يحمل 60 شخصاً، تعرضا للمصير نفسه، ولم ينقذ من ركابهما سوى عدد قليل على أيدي صيادين عابرين بالصدفة. ويقول متحدث باسم وزارة الهجرة الاسترالية: "إن معظم أولئك المهاجرين لم يركبوا البحر في حياتهم، ولا فكرة لديهم عن المخاطر المرتقبة. كما أنهم لا يتوقعون تصرفات القراصنة. فأحياناً يتركهم هؤلاء في عرض البحر ويفرون في قوارب صغيرة هرباً من خفر السواحل، فيبقون أسابيع تائهين بلا وجهة ولا طعام، وكثيراً ما يغرقون من دون ان يعلم بهم أحد". رئيس الجمعية العراقية - الاسترالية حيدر الجبوري قال ل"الحياة" إن الاتصالات المستفسرة عن وصول المهاجرين لا تتوقف، لكن "الموجودين في المجمعات الاسترالية لا يستطيعون الاتصال هاتفياً، بذويهم إلا بعد شهور، والسلطات الاسترالية تعرقل الأمور أكثر مما تسهلها حين تمتنع عن تزويدنا بالمعلومات اللازمة". وتوافق منظمة العفو الدولية بلسان ناطقها في استراليا غراهام فوم ان السرية المبالغة التي تنتهجها السلطات الاسترالية مخالفة لأبسط حقوق الإنسان: "كل ما نريد معرفته، ويريده ذوو المهاجرين، هو ان كانوا على قيد الحياة أم لا. هذا كل شيء. أحياناً نحتاج شهوراً طويلة قبل الحصول على جواب". المفارقة المثيرة في مسألة حقوق الإنسان على صعيد اللاجئين غير الشرعيين ان الدكتور بيل جوناس المعيّن من قبل الحكومة الاسترالية لتقديم تقرير إلى لجنة الأممالمتحدة المنعقدة حالياً في كانبيرا لبحث القضية، انتقد القوانين الاسترالية واتهم الحكومة الفيديرالية بمخالفة شرعة حقوق الإنسان لأنها تمتنع عن تزويد اللاجئين بالمعلومات الكافية عما لهم وعليهم. واتخذ جوناس مثلاً في تقريره تناول رجلاً عراقياً أمضى أربع سنوات في الاعتقال قبل أن يمنح حق الإقامة الموقتة في استراليا. في هذه الأثناء، تفاقم الوضع في مجمعات المهاجرين بعد اطلاق ثلاثمئة مهاجر عراقي بينهم عائلات مع أطفالها استوعبتهم الجالية العربية في سيدني وملبورن، لكنهم سيبقون بحاجة إلى كثير من الاهتمام والعناية قبل أن يرسخوا أقدامهم في أرض الكنغار البعيدة.