يستغرب الاسرائيليون، من اليمين واليسار، كيف ان ياسر عرفات رفض عرض ايهود باراك. ويرون ان رئيس وزرائهم ذهب بعيداً فقابله الزعيم الفلسطيني برفض غير مبرر. لا يفهمون ان عرفات مهتم بالقدس وعودة اللاجئين الى هذا الحد، ويستعيدون، بسرعة، تهمة قديمة تقول "انه لا يفوّت فرصة تفويت فرصة". ان الوعي الاسرائيلي العام مشبع بالتقدير الدوني للفلسطينيين. وأفضل ممثلي هذا الوعي لا يطيقون حلاً يفترض المساواة بين الشعبين على قاعدة الظلم التاريخي الأصلي الذي ألحقه قيام دولة لواحد منهما بالآخر. ان هذا الواقع هو، ببساطة، المسؤول عن "فشل" اجتماعات كامب ديفيد. وهو المسؤول، طبعاً، عن صرخات الاستنكار التي التقى الاسرائيليون على اطلاقها سواء ضد باراك الذي أمعن في التفريط أو ضد عرفات الذي أبدى تصلباً في غير محله. ويطيب للبعض التذكير بأن احداً لن يذهب مذهب باراك في الأريحية. ويراد لذلك، وحده، ان يكون حجة ضد المفاوض الفلسطيني الذي قد لا تتاح له فرصة اخرى لممارسة بعض السيادة فوق بعض أرضه. وتقضي الأمانة بالقول إن رئيس الوزراء الاسرائيلي تقدم خطوات فوق ارض ملغومة بالمحرمات الاسرائيلية، غير ان هذه الخطوات ابقته اسيراً لنوع من الاجماعات يصعب على الجانب الفلسطيني القبول به. ويمكن القول ان باراك كان يخاطب عرفات وعينه على بيل كلينتون. ولذا فإنه تقدم بحزمة اقتراحات تجعله رابحاً بالضرورة. يربح التسوية والرضى الأميركي والرأي العام الاسرائيلي اذا وافق عرفات ويكتفي بالبندين الثاني والثالث اذا رفض عرفات. وهذا ما حصل. ويعني ذلك انه جازف بطرح افكار مقنعة للاميركيين وقادرة على زحزحة الاسرائيليين قليلاً وظفر لقاء ذلك بمدائح كلينتون وكرر، مع حفظ الفارق والنسبة، واقعة قمة جنيف الشهيرة. يمكن القول إن اجتماعات كامب ديفيد شهدت توصل المفاوضين الى تفاهمات حول عدد من العناوين. ويمكن القول، أىضاً، ان مساعي "التجسير" الأميركية كانت نافعة في حل خلافات معينة. غير ان القدس استعصت على ذلك. وربما تكشف الايام لاحقاً ان مواضيع اخرى لم تلق حلاً شافياً، بينها موضوع اللاجئين. فالتدخل الأميركي، في هذين المجالين، انضبط بالخطوط الاسرائيلية الحمر لجهتي حق السيادة ورفض حق العودة. ولذا فضّل عرفات عدم التوقيع ولو أدى ذلك الى حَرَد أميركي منه. لقد كان طبيعياً ان يرافق الحديث عن الفشل حديث عن انجازات ضمنية وعن احتمال استئناف التفاوض لاحقاً. فالقصد من ذلك هو تطويق احتمال اندلاع العنف والتحذير من الإقدام على اجراءات من طرف واحد من النوع الذي يحق لاسرائيل وحدها الاقدام عليه. واذا كان هناك من يزيّن لنفسه ان المقصود بذلك هو، ايضاً، عنف المستوطنين والاستمرار في تهويد القدس فإنه يخدع نفسه. ان المقصود هو احتمال تجدد الانتفاضة واعلان الدولة الفلسطينية. اي ان المقصود تكبيل ايدي الفلسطينيين. ان استئناف مفاوضات الوضع النهائي في ظل الشروط الراهنة سيقود الى النتائج نفسها. ولذا فإن المدخل الى اي حل هو تعديل موازين القوى القائمة. ويشترط ذلك مبادرة فلسطينية وعربية لا يمكنها الا ان تكون من طرف واحد