كان مشهد شاب يرتدي ملابس رياضية ويمارس رياضة الركض في شارع شعبي في القاهرة، كفيلاً بوقوف المارة لينظروا ملياً الى هذا "المتشبه بالأجانب". وكثيراً ما كان يتعرض للقذف بالحجارة من مجموعة من الصبية الساخرين. وتغير الوضع تماماً اليوم. وانتشرت حمى الركض والهرولة والمشي بين المصريين والمصريات من فئات مختلفة. وتزامن ذلك مع حدثين: الأول، بدء اندثار موجة السمنة، خصوصاً بين الجنس الناعم، والتي كانت دليلاً على ثراء العائلة ومن علامات الجمال. والثاني، انتشار الوعي الصحي والغذائي، في وقت ازدادت امراض القلب والضغط ووصلت الى الشباب. ودعا ذلك اعضاء النوادي الرياضية من مختلف الاعمار الى الجري بصفة شبه دائمة، وهي ظاهرة ثرية ومسلية للغاية. ولم يعد غريباً ان تشاهد عجوزان تتكئان الواحدة على الاخرى وتثرثران. كما بات مألوفاً ان تشاهد شابة ترتدي الزي الاسلامي وتُسبِّح بمسبحة اثناء هرولتها ناهيك من رجال اعمال يمارسون المشي البطيء وفتيات في عمر الزهور تحملن اضعاف اعمارهن من الشحوم والدهون التي فشل في اذابتها شورت التخسيس المشهور والريجيم الذي تقاضى عنه الطبيب 500 جنيه. وتتكرر تلك المشاهد يومياً في انحاء القاهرة المختلفة، خصوصاً حول سور الكلية الحربية في ضاحية مصر الجديدة الذي يبلغ طوله نحو ستة كيلومترات. كذلك في شوارع طويلة حيث لا تزال ارصفة شاغرة خالية من تعديات. وعلى رغم اندثار موضة الجسم الممتلئ، الا ان فلولاً من اصحابها لا تزال تندس احياناً بين صفوف الراكضات والمهرولات، ما يعطي فرصة لالقاء نظرة اخيرة على القدود المكتنزة. والفضل في ذلك الوعي الرياضي الذي لا يفرق بين غني وفقير، يعود الى الاذاعة والتلفزيون، ببرامجهما القصيرة التي تتضمن تمارين الايروبيكس الراقصة والتي تجذب اعداداً كبيرة من المشاهدين. ولعل برنامج "الحل هو الحبل" الذي كانت تقدمه المذيعة حينئذ والممثلة حالياً جالا فهمي، أسهم في ترسيخ مفهوم اتاحة الرياضة للجميع، وكان ذهن المذيعة قد تفتق عن اللجوء الى نط الحبل في المنزل كبديل لممارسة الرياضة في الاندية التي يتعذر على الغالبية الاشتراك فيها.