هدأت العاصفة التي اجتاحت الاقتصادات الخليجية عام 1998 الذي شهد تدهوراً ملحوظاً في أسعار النفط، ترتب عليه أن بلغ اجمالي العجز في موازنات هذه الدول 15.9 بليون دولار في مقابل 3.9 بليون دولار عام 1997، كما ارتفعت نسبة العجز في موازنات الدول الخليجية الست لاجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية الى 12 في المئة مقابل ثلاثة في المئة عام 1997. وما لبثت هذه الاقتصادات أن استردت عافيتها بدءاً من آذار مارس 1999، عندما حدثت ارتفاعات تصحيحية لأسعار النفط انعكست في استفادة هذه الدول من العائدات النفطية التي ارتفعت من نحو 42 بليوناً في 1998 الى نحو 71 بليون دولار في 1999، ويتوقع لها أن تصل الى 125 بليون دولار السنة الجارية، وحققت الاقتصادات الخليجية معدل نمو بلغ 2.2 في المئة عام 1999 مقابل 1.3 في المئة في العام الذي سبقه. ولم تكن المصارف الخليجية في مأمن من هذه التطورات بل تأثرت بها، فانخفاض أسعار النفط أدى الى تراجع أرباحها، وبلغ التراجع أقصاه في البحرين بنسبة 39.4 في المئة وأدناه في الكويت بنسبة 6.6 في المئة بينما زادت أرباح المصارف السعودية بنسبة 11 في المئة. وسنركز حديثنا هنا على المصارف السعودية والتحديات التي ستواجهها خلال الألفية الثالثة مع بيان الدور الذي تقوم به في دفع عجلة النمو الاقتصادي السعودي. شهدت المصارف السعودية خلال الاعوام الأخيرة بعض التحولات والتطورات الايجابية خصوصاً على صعيد الاستثمار في الموارد البشرية والتكنولوجيا المتطورة والمنتجات والخدمات وتدعيم الربحية ومواكبة التطور الحاصل في الفكر المالي الحديث، والالتزام بمعايير العمل المصرفي الدولي، وحصول بعض عمليات الدمج، الا أن هذه المصارف لا تزال تتسم حتى الآن بهيمنة الطابع العائلي الشخصي، والسيطرة الكبيرة للصيرفة التقليدية أو التجارية، أما دورها في دفع عجلة النمو الاقتصادي فلا يزال محدوداً. وعلى رغم أن المصارف السعودية تحتل موقعاً متقدماً بين نظيراتها العربية، فهناك ثلاثة مصارف سعودية بين اكبر عشرة مصارف عربية لجهة حجم الموجودات عام 1998، هي: البنك الأهلي التجاري في المرتبة الثانية، وبنك الرياض في المرتبة الخامسة والبنك السعودي - الاميركي في المرتبة الثامنة وسبعة مصارف بين اكبر عشرين مصرفاً عربياً لجهة صافي الربح. كما ان المصارف الاربعة الاولى لجهة الربح هي مصارف سعودية وهي شركة الراجحي المصرفية للاستثمار والبنك السعودي - الأميركي، والبنك الأهلي التجاري وبنك الرياض. وعلى رغم هذه المكانة المتقدمة للمصارف السعودية والتي حدت بوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني الى وضعها السعودية في فئة Baaa3 وهي تعبر عن وضع مالي جيد، فان دورها في توفير التمويلات لمشاريع التنمية خصوصاً للقطاع الخاص لا يزال قاصراً. وللدلالة على محدودية هذا الدور نشير الى مقدار التمويل الذي توفره هذه المصارف لمختلف قطاعات النشاط الاقتصادي. فإضافة الى انخفاض اجمالي الائتمان الممنوح من هذه المصارف لهذه القطاعات من 167.1 بليون ريال في الربع الأول من العام الماضي الى 161.6 بليون ريال في الربع الأول من السنة الجارية بانخفاض قدره 3.2 في المئة، الا ان القطاعات المنتجة خصوصاً قطاعي الزراعة والصناعة لم يستحوذا على نصيب يذكر، فنجد أن قطاع الزراعة وصيد الأسماك لم يحصل الا على 1.44 بليون ريال بنسبة لم تتعد تسعة في المئة من اجمالي الائتمان الممنوح لجميع قطاعات النشاط الاقتصادي، كما حصل قطاع الصناعة على 21.9 بليون ريال بنسبة 13.6 في المئة. وجاء تقليص حجم الائتمان الممنوح لمختلف قطاعات النشاط الاقتصادي خلال الربع الأول من السنة الجارية على رغم انخفاض اجمالي مطلوبات البنوك من القطاع الحكومي بنحو 7.8 بليون ريال، وهو ما يعني إتاحة فرصة أكبر للمصارف لإقراض القطاع الخاص. والمطلوب الآن من مصارفنا الوطنية الى جانب توجيه جانب كبير من ائتمانها للقطاعات الانتاجية خصوصاً قطاعي الزراعة والصناعة عبر آليات تمويل متطورة تتلاءم مع اعطاء المبادرة للقطاع الخاص، هو الاتجاه الى المساهمة في تأسيس الشركات سواء كانت عقارية أو صناعية أو زراعية أو شركات للتأجير التمويلي أو شركات متخصصة في مجال الأوراق المالية والوساطة، أي التوجه لكي تكون مصارف شاملة، فضلاً عن الاتجاه الى الاستثمار في الخدمات المصرفية المرتكزة على التكنولوجيا الحديثة، اذ تشير التوقعات الى أنه بنهاية السنة الجارية سيكون نصيب الفروع من الخدمة المصرفية للعملاء لا يتجاوز 22 في المئة، وسيتراجع نصيب أجهزة الصرف الآلي الى اقل من 30 في المئة بعد أن تحل محلها الخدمة المصرفية عبر الهاتف والتي سترتفع نسبة استخدامها باستمرار لتصل الى نحو 35 في المئة. أما نقاط البيع والتعامل المصرفي من خلال الحاسب الآلي والانترنت فستصبح من القنوات الرئيسية لخدمة العملاء اذ ستصل نسبتها الى 15 في المئة، وسنشاهد ما يسمى مصارف الانترنت. ان التحدي الأساسي الذي يواجه مصارفنا الوطنية يتمثل في ضرورة التحول بفعالية وكفاءة وسرعة الى مؤسسات مصرفية عصرية كبيرة قادرة على المنافسة محلياً وخارجياً. * اقتصادي سعودي