سقوط 17 قتيلاً.. إسرائيل توسع التوغل في رفح    الأرقام ترجح كفة ميتروفيتش على رونالدو    سلطان عمان يهنئ خادم الحرمين الشريفين بمناسبة اليوم الوطني ال (94) للمملكة    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور "سليمان بن علي بن محمد الفيفي    رئيس البرلمان العربي يهنئ المملكة بمناسبة اليوم الوطني ال 94    تأهب إسرائيلي .. هل حانت «ساعة الصفر»؟    فيضانات وانزلاقات أرضية في وسط اليابان بعد أشهر من زلزال كبير    السعودية تشارك في جلسة الآمال الرقمية ضمن مؤتمر قمة المستقبل    شيخ شمل قبيلة السادة والخلاوية: نستلهم في اليوم الوطني ال94 النجاحات المُحققة للمملكة على مرّ الأجيال    إيران: 51 قتيلاً ضحايا انفجار منجم الفحم    "فلكية جدة": اليوم "الاعتدال الخريفي 2024" .. فلكياً    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    أخضر تحت 20 عام يبدأ التصفيات الآسيوية بالفوز على فلسطين    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    صناديق التحوط تتوقع أكثر السيناريوهات انخفاضاً للديزل والبنزين    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    أحلامنا مشروع وطن    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    يوم مجيد لوطن جميل    مسيرة أمجاد التاريخ    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    فأر يجبر طائرة على الهبوط    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحد أوائل "الضباط الأحرار" وأول قائد للحرس الجمهوري والأمين العام ل "الاتحاد الاشتراكي" ثم سجين السادات يروي وقائع حياته العسكرية والعامة . حريق القاهرة كان فرصة أولى للثورة المصرية وأوصلنا إلى الفالوجا 40 جملاً محملة طعاماً وذخيرة 1 من 12
نشر في الحياة يوم 22 - 07 - 2000

تنشر "الحياة" مذكرات عبدالمحسن أبو النور أيام الثلاثاء والأربعاء والسبت والأحد من كل أسبوع.
انتشرت التظاهرات بالمدارس عام 1936 مطالبة بخروج الإنكليز، ومحتجة على بعض الاتفاقات التي تمت بين بعض الوزارات التي لا تمثل الشعب المصري وبين الإنكليز - ما أعطى بعض الشرعية للاحتلال -. وكنت في هذا العام زعيماً من زعماء الطلبة في مدرسة "المساعي المشكورة" بشبين الكوم، وقمت بتدبير كثير من الإضرابات. وتم القبض عليّ بواسطة الشرطة، وأودعت السجن لمدة يوم واحد، خرجت منه مفصولاً من المدرسة. وبعدها تشكلت وزارة الوفد وأعادت الطلبة المفصولين سياسياً.
زمالة عبدالناصر
وكان تبقى على امتحان البكالوريا شهر واحد. وفي الامتحان رسبت في علم واحد أو مادة واحدة ثم حصلت على البكالوريا بعد امتحان الملحق. وكانت رغبتي الدخول في الكلية الحربية، لأن كثيراً من الطلبة الوطنيين كانوا يعتبرونها الوسيلة لتحقيق أهدافهم الوطنية. ولكن الكلية الحربية كانت أخذت حاجاتها من الطلبة الناجحين في الدور الأول من البكالوريا، ولذلك دخلت كلية التجارة حيث تعرفت الى بعض الطلبة الوطنيين ومنهم الأخ محمد البلتاجي، محافظ الجيزة سابقاً. ونجحت في امتحان النقل الى السنة الثانية، ولكني كنت ما زلت مصراً على الدخول الى الكلية الحربية، فتقدمت إليها. وكانت حكومة الوفد في ذلك الوقت قررت التوسع في القوات المسلحة وقبول أعداد أكبر في الكلية الحربية. وأمكن بواسطة بعض القادة من الضباط من محافظتي محافظة المنوفية، والذين تتلمذوا على والدي، القبول بالكلية الحربية دفعة عام 1937.
وهناك عرفت جمال عبدالناصر الذي سبقني الى الكلية بستة أشهر. وكان منطوياً قليل الاختلاط. ولذلك لم تحدث بيننا إلا علاقة الزمالة. ثم تخرج عبدالناصر في الكلية في حزيران يونيو 1938، والتحق بكتيبة مشاة بمنقباد، بجوار أسيوط. وتخرجت أنا في كانون الثاني يناير 1939، والتحقت بالكتيبة الثالثة، مدافع ماكينة بمنشية البكري بالقاهرة، حيث تصادقت مع بعض الأخوة من الضباط الذين أصبحوا في ما بعد من الضباط الأحرار، ومنهم المرحوم عبدالقادر مهنا، والسفير السابق أحمد أبو زيد، والوزير السابق أحمد طعيمه والسفير وحيد رمضان. وفي هذه الكتيبة حدث كثير من المصادمات بيننا وبين ضباط البعثة البريطانية الذين كانوا في كل وحدة عسكرية مصرية، ومع بعض الضباط الكبار الذين يشايعونهم، ما دفعهم الى إرسالي مع سرية من الكتيبة الى أسوان، للدفاع عن خزان أسوان، بحجة أن ألمانيا هاجمت النمسا. وبقيت هناك بضعة أشهر، لا نرى فيها ولو غراباً يحوم حول الخزان. وكان هذا مسار سخرية الضباط والجنود من هذه الأجواء. ثم عدت الى الكتيبة حين تم نقلها الى منطقة القنال للدفاع عن قنال السويس. وهناك عينت ضابطاً لمخابرات قيادة القوات المصرية بالقنال. وتعرفت هناك الى كثير من ضباط الجيش الذين كانوا أغلبهم نقلوا الى منطقة القنال من السويس الى بورسعيد، للدفاع عنها ضد الطيران الألماني الذي كان يحاول إغلاق القنال.
وأذكر في يوم من الأيام أنني أبلغت بأن هناك لورياً من إحدى الوحدات المصرية سقط في القنال، في المنطقة بين القنطرة وبور سعيد. فاتصلت بإحدى وحدات الصيانة التابعة لنا لإرسال لوري نجدة لرفع اللوري الذي سقط في القنال. ولكن الطريق في هذه المنطقة كان صعباً. فهو محصور بين القنال وبين الترعة الحلوة الموصلة الى بور سعيد. فسقط لوري النجدة في القنال. فهاجت شركة القنال، واتصلت بي محتجة بأن ذلك سيعطل سير السفن بالقنال. فطلبت منهم إرسال سفينة نجدة من الهيئة لرفع اللوريين. وتم ذلك فعلاً. ثم فوجئت، بعدها بأيام بخطاب من الشركة تطلب فيه دفع مبلغ أربعة آلاف جنيه إيجار السفينة التي طهرت القنال من اللوريين. فاتصلت بالمسؤول في شركة القنال، وأنا في شدة الضيق، وقلت له: "أتطالبوننا بدفع هذا المبلغ الكبير لرفع اللوريين من القنال والجيش المصري كله مسخر للدفاع عن القنال مجاناً، وأنتم الذين تحصلون على إيرادها؟ متِنْحِرق القنال على شركة القنال مش حندفع حاجة! وأبلغ المسؤولون بشركة القنال قولي هذا الى قيادة القوات المصرية. فتم نقلي الى الكتيبة الثالثة مدافع ماكينة عقاباً لي على ذلك".
ولكني نقلت بعد ذلك مدرساً بالكلية الحربية، حيث التقيت مع جمال عبدالناصر وزكريا محيي الدين اللذين سبقاني مدرسين بالكلية. فزادت معرفتي بهما. وفي هذا الوقت، كانت الحركات الوطنية والإضرابات منتشرة بين طلبة الجامعات والمدارس. وكان التصادم بينهم وبين البوليس والإنكليز يزداد. وكان لي وعبدالناصر لقاءات كثيرة، وتعليقات على ما يحدث، وبعضها حضره عبدالحكيم عامر الذي كان يأتي في بعض الأوقات لزيارة جمال عبدالناصر. وازدادت الثورة الوطنية في نفوسنا، وتقاربت أفكارنا. ثم انتهى عمل عبدالناصر كمدرس بالكلية الحربية، والتحق بكلية أركان الحرب.
من القنال الى فلسطين
وفي عام 1946، انتهت خدمتي بالكلية الحربية، إثر تصادم بيني وبين قائد الكلية الحربية، لقيامي مع بعض إخواني من ضباط الكلية بجمع تبرعات من ضباط الكلية لشهداء التظاهرات. ونقلت على أثرها الى سلاح الحدود، حيث عملت بالصحراء الغربية. ثم عينت أركان حرب منطقة خليج السويس ببورتوفيق في عام 1947 وكانت الثورات الوطنية قد اشتدت ضد الإنكليز، وبدأ العمل الفدائي يتصاعد ضد القوات البريطانية، وأمكنني من موقعي هذا مساعدة الفدائيين، وتدبير الأماكن التي تخفيهم عن أعين الإنكليز والسلطات المصرية.
وفي عام 1948 تقرر اشتراك الفدائيين في تحرير فلسطين. وأخذت مع الفدائيين في القنال في تدبير ما يحتاج اليه الفدائيون من سلاح وذخيرة من مخازن الجيش البريطاني في القنال. ثم علمت من بعض إخواني في قيادة الجيش أن هناك تفكيراً في اشتراك الجيش المصري في تحرير فلسطين، ولكن ينقصه ذخيرة لمدفعية الميدان من عيار 25 رطلاً. وتعجبت كيف سنحارب في فلسطين وليس لدينا ذخيرة كافية، فطلبت من الفدائيين في القنال البحث عن مصادر هذه الذخيرة.
ولقد أخبرني بعض العمال المصريين من العاملين مع الجيش الإنكليزي في السويس أن هناك مركباً في ميناء الأدبية، التابعة للجيش الإنكليزي، يجري تحميلها بذخيرة المدفعية من العيار الذي يحتاج اليه الجيش المصري. فاتصلت بقيادة الجيش عارضاً عليهم الاستيلاء على هذه الذخيرة، لو أرسلوا إليّ بعض اللواري والجنود لتحميلها بهذه الذخيرة في أسوع وقت، ووضعت خطة لاعتراض هذه السفينة بمجرد تركها ميناء الأدبية ودخولها مياه الخليج بواسطة لنشين مسلحين كانا تابعين لي. وفعلاً تم تنفيذ الخطة، وقام اللنشان بقيادة السفينة الى ميناء السويس في أول الليل، وقام الجنود بتفريغ حمولتها من الذخيرة الى اللواري ثم توصيلها الى القاهرة ليلاً.
وعندما علمت قيادة الجيش البريطاني بما حدث احتجت احتجاجاً شديداً، وطالبت بمحاسبتي. وكنت قبل ذلك أرسلت طلباً للتطوع في تحرير فلسطين. فجاءتني الأوامر بالنزول فوراً الى القاهرة، وعينت حاكماً لمنطقة الخليل بفلسطين، وقائداً للقوات المدافعة عنها... وهذه القوات مكونة من بعض الجنود المصريين والفدائيين من أهالي منطقة الخليل الذين يشتهرون بالجرأة والقوة، والذين تمكنوا من الاستيلاء على المستعمرة اليهودية التي كانت بجوار مدينة الخليل ودمروها عن آخرها. وكان سبقني الى بيت لحم وبير سبع قوات البطل أحمد عبدالعزيز، وكان معه السيد كمال الدين حسين الذي تعرفت إليه هناك.
وبعد الهدنة الأولى كانت القوات المصرية في الفالوجا حوصرت، وكان بها جمال عبدالناصر وزكريا محيي الدين. وجاءني خطاب من عبدالناصر حمله أحد الفدائيين الفلسطينيين، طالباً العمل على إمداده بالطعام والذخيرة. فاتصلت بالقيادة في القاهرة، فوافقت على إمدادي بالذخيرة والطعام المطلوبين، على أن أتولى بمعرفتي العمل على توصيلها الى الفالوجا وسط الحصار. وأمكنني بواسطة بعض الفدائيين الفلسطينيين، من قضاء الخليل، الذين يعرفون المنطقة ودروبها، تدبير أربعين جملاً حملناها بالذخيرة والطعام، وتم فعلاً توصيلها الى عبدالناصر وزكريا محيي الدين، وطلبت منهما الاحتفاظ بالجمال واستخدامها كطعام للجنود.
بعد الهدنة الأولى مدت أميركا وإنكلترا إسرائيل بجميع أنواع الأسلحة، والمتطوعين. فهاجم الإسرائيليون بيت جبرين وبير سبع، واستولوا عليهما. وبذلك انقطع اتصالنا بباقي القوات المصرية، وبقاعدتنا في سيناء. وحاولوا الهجوم على منطقة الخليل، من الجنوب والغرب، ولكن بقواتنا، على رغم قلتها، وببسالتها وبسالة أهالي قضاء الخليل وحسن استخدامهم الأراضي الجبلية حول المنطقة، أمكننا إيقاف الهجوم الإسرائيلي، وتدميره ... وفي الوقت نفسه بدأت القوات المصرية بقيادة البطل أحمد عبدالعزيز في الهجوم على القدس والمرتفعات التي حولها. ولكنها كانت تحتاج الى أنواع من المدفعية بعيدة المدى لمساعدتها، ولم تكن متوافرة لديها. فطلبنا من قائد القوات الأردنية، وكان بجوار قواتنا حول القدس، مساعدتنا في الهجوم على القدس، ولكنه امتنع بحجة أن الجنرال غلوب غلوب باشا، وهو إنكليزي وقائد القوات الأردنية، رفض الإذن بذلك.
وطلب العقيد أحمد عبدالعزيز من قائد القوات العراقية، وكانت في المنطقة نفسها، المساعدة بمدفعية الميدان العراقية. ولكنه امتنع أيضاً قائلاً العبارة المشهورة: "ماكو أوامر". وبذلك ضاعت الفرصة التي كانت مؤاتية لاحتلال القدس، وأصبحت مشكلة المشكلات حتى اليوم. ومن هذا يتضح مقدار الارتجالية وسوء التخطيط في حرب فلسطين.
خلية "الضباط الأحرار"
وبعد انتهاء حرب فلسطين أوائل عام 1949 نزلت للقاهرة حيث عينت أركان حرب لواء مدافع الماكينة بمعسكر العباسية، وأثناءها اتصل بي جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وقالا لي انهما في سبيل تشكيل تنظيم للضباط الأحرار. وطلبا مني الانضمام إليهما. وبالفعل قمت بالانضمام الى الخلية التي كانت تضم كلاً من جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر والمحافظ السابق محمد البلتاجي وعباس رضوان، نائب رئيس الوزراء السابق والسفير والمحافظ السابق اسماعيل فريد. وبعدها أصبحنا نعقد اجتماعات أسبوعية لتدارس أحوال الجيش الذي تم الزج به في حرب فلسطين من دون استعداد، بل وإمداده بالأسلحة والذخيرة الفاسدة، وبحث أمور الوطن الذي أظهرت حرب فلسطين الفساد الذي عم فيه بواسطة الملك وحكوماته وسياسييه. وكنا نعمل على زيادة الضباط المنضمين الى التنظيم من وحدات المشاة.
وفي أوائل عام 1951 كنت نجحت في امتحان القبول لكلية أركان الحرب. وكان باقياً على بدء الدراسة ثلاثة أشهر، فطلب مني عبدالناصر وعامر أن أقضي هذه الأشهر الثلاثة في سرية من سرايا الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، في رفح، على أن تكون مهمتني تجنيد أكبر عدد من الضباط المشاة في صفوف التنظيم، وأعمل على إمدادهم بالذخيرة اللازمة فيمدون بها، بدورهم الفدائيين بالقنال، ويزعجون القوات الإنكليزية. وكنا نرسل الذخيرة بالقطار، بمعرفة أحد الصولات الوطنيين من الذين جندهم عبدالناصر، ويستقبلها منه رجال عبدالناصر في القنال. وأصبح جميع ضباط هذه السرية من الضباط الأحرار، ومنهم الذين احتلوا قيادة الجيش ليلة الثورة.
وفي الأثناء، حدثت مذبحة كفر عبده، بالسويس، وفيها قام الإنكليز بالهجوم على أهالي البلدة وقتلوا منهم كثيرين. وتسبب ذلك في إثارة الضباط المصريين الموجودين برفح. فقمت أنا والوزير السابق أحمد طعيمة، والمحافظ السابق عبدالمجيد شديد، وغيرنا ممن لا أذكرهم الآن، بتحضير برقية وقع عليها تسعون ضابطاً، نحتج فيها على وجودنا من دون عمل في رفح، وأهلنا يذبحون بالقنال، ونطلب السماح لنا بالذهاب الى القنال للدفاع عن مواطنينا ضد القوات الإنكليزية. وأرسلنا هذه البرقية فعلاً الى الملك ورئيس الوزراء وقائد الجيش... وكان لإرسال هذه البرقية وقع شديد لدى كل هذه القيادات واعتبروها تمرداً. وأرسلت قيادة الجيش اللواء توفيق مجاهد الى رفح للتحقيق مع كل الضباط الذين وقعوا على هذه البرقية.
وجاء اللواء الى رفح مكشراً عن أنيابه، معلناً أن هذا من تدبير "الضباط الأحرار"، وأنه يعرفهم، وسيرسلهم الى السجن. ولكي نتخلص من هذا المأزق اتفق عبدالحكيم عامر وصلاح سالم وعبدالفتاح فؤاد، وكانوا في رئاسة الفرقة في رفح، ويعرفون أن اللواء مجاهد يملك عزبة يربي فيها مواشي، فأقنعوه بأن في رفح أنواعاً من المواشي "فريزيان" من الفصائل الممتازة، وأنهم في إمكانهم أن يشتروا له ست بقرات منها، ويرسلوها الى عزبته.
وفعلاً تم ذلك، وأرسلوها الى بلدته بواسطة بوليصة شحن رسمية. وكانوا يعلمون أن بين اللواء مجاهد واللواء صبور تنافساً كبيراً على منصب مفتش عام الجيش، وأنني على صلة طيبة باللواء صبور، فأرسلوني الى القاهرة، ومعي صورة بوليصة الشحن الرسمية لكي أسلمها الى اللواء صبور قائلاً له: إن اللواء مجاهد ليس له عمل في رفح إلا تجنيد الضباط لشراء المواشي له.
وفي القاهرة قابلت عبدالناصر وأخطرته بما حدث، فأقرني على ذلك، وحاول هو من جهته أن يقابل من يعرفهم من القيادات التي لا تحب اللواء مجاهد ويخطرهم بأن الضباط جميعاً، في منطقة رفح، في حال ثورة من تصرفات اللواء مجاهد وتهديده الضباط بالسجن من دون تحقيق. وقابلت اللواء صبور وأخطرته بتصرفات اللواء مجاهد، وبموضوع المواشي، وسلمته صورة البوليصة. وفعلاً كان من نتائج تدخله ضد اللواء مجاهد، وتدخل من قابلهم عبدالناصر، أن أرسلت قيادة الجيش في استدعاء اللواء مجاهد، وأمرت قائد الفرقة في رفح بتحذير الضباط الموقعين على البرقية من مثل هذا العمل مرة أخرى، ومحاكمتهم، وهكذا انتهى الأمر على خير. وثبت أن غالبية الضباط على درجة عالية من الوطنية والفداء لشعبهم.
الثورة... على رأس الكتيبة 12 مشاة
وفي كانون الثاني يناير 1952 كنت التحقت بكلية أركان الحرب. وحدث حريق القاهرة وصدرت الأوامر لقوات الجيش باحتلال جميع الأماكن الاستراتيجية بمصر بما فيها القاهرة والاسكندرية. واتصلت بعبدالناصر كما اتصل به عبداللطيف بغدادي. وكان رأينا أنها فرصتنا للقيام بالثورة، خصوصاً أن الجيش كان مسيطراً على مرافق البلدة كلها سيطرة تامة، وأنه لا ينقصنا للقيام بالثورة إلا إعلانها عن طريق الإذاعة، والقبض على بعض القيادات العميلة للملك. فالبلد كلها في حال انتظار لمن يخلصها مما هي فيه، سواء كان المخلص في صفوف الجيش أو من جموع الشعب.
ولكن عبدالناصر رفض قائلاً إن الوحدات العسكرية الموجودة بالقاهرة والإسكندرية ليس بها غير أعداد محدودة من "الضباط الأحرار". وحاولت إقناعه بأن غالبية الضباط من الوطنيين، وأن الحال المتردية التي وصلت إليها البلاد، وأدت الى حريق القاهرة جعلت جميع المواطنين، من ضباط ومدنيين يرنون الى من يخلصهم من هذا الوضع. ولكن الحذر تغلب على عبدالناصر، ورفض أن يمضي في هذه المغامرة. وافترقنا مختلفين. ولكن زادت منشورات "الضباط الأحرار"، واشتدت حدة ما جاء بها من كلام ضد أوضاع الجيش والبلاد، وزادت حدة تحريضها ضباط الجيش على هذه الأوضاع. وكان للصدام الذي حدث بين البوليس والجيش الإنكليزي في الإسماعيلية أثره في زيادة اشتعال الثورة الوطنية داخل الجيش والبوليس والشعب. كما كان لتخبط الحكم حيال ما حدث من تغييرات متتالية أدت الى تغيير أربع حكومات في ستة أشهر، أثره في جعل الجيش أكثر استعداداً لتخليص الشعب والوطن من تردي الأوضاع المتفاقم.
وشعر الملك وحاشيته بذلك، خصوصاً بعد انتخابات نادي الضباط التي فاز فيها مرشحو تنظيم "الضباط الأحرار" ضد مرشحي الملك. وبدأ تحرك الملك ورجاله للتخلص من "الضباط الأحرار". وهكذا بدأ السباق بين "الضباط الأحرار"، من جهة، والملك وأعوانه، من جهة أخرى، وكل منهما يحاول التخلص من الآخر، إلى أن جاءت اللحظة الفاصلة التي تقرر فيها إعلان الثورة.
وفي تموز يوليو 1952 وصلت الكتيبة 13 مشاة الى القاهرة، في طريقها الى الخرطوم كما وصلت مقدمة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة وغالبية كل منهما من "الضباط الأحرار". وجاءت اللحظة الفاصلة التي تقرر فيها أن لا بد من إعلان الثورة ليلة 23 يوليو 1952. وكنت في الأثناء أدرّس في كلية الأركان، ووحدتي كانت في سيناء. فاتصل بي ليلتها عبدالحكيم عامر لكي أقوم، والرائد محمد البلتاجي بالقبض على بعض القيادات العسكرية. ثم عينت قائداً للكتيبة 12 مشاة بمعسكر العباسية، وهي التي قام جزء منها باحتلال الإذاعة، وقام جزء آخر باحتلال التلفونات والكباري الهامة، والباقي ظل بمعسكر العباسية، احتياطاً، للدفاع عن الثورة مع الكتيبة 11 مشاة بقيادة الوزير السابق حمدي عبيد.
ثم عينت قائداً للكتيبة الأولى مدافع ماكينة، بدلاً من العقيد يوسف منصور صديق وعضو "مجلس الثورة" الذي تفرغ لأعمال "مجلس الثورة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.