ولقد رأيت يوماً في البحر، وانا على صخرة والماء تحت رجلي، قد خرج ذنب حية صفراء منقطة بسواد، طولها مقدار باع، تطلب ان تقبض على رجلي. فبعدت منها واخرجت الحية رأسها كانه راس ارنب من تحت ذلك الحجر. فسللت خنجراً كبيراً كان معي فطعنت به رأسها فادخلت رأسها تحت الحجر. ثم قبضت على الخنجر فلم اقدر ان اخلصه منها ... وجعلت اجره والصقه بالحجر كأني اقطع به شيئاً. فتركت الخنجر وخرجت من تحت الحجر. واذا بها خمس حيات وراس واحد. فعجبت من ذلك. فسألت ... عن سم هذه الحية. فقالوا هذه تعرف باسم ام الحيات. وذكروا انها تقبض على الادمي في الماء فتمسكه حتى يموت وتأكله ... مدينة النحاس ... بنتها الجن لسليمان بن داوود عليهما السلام، في فيافي الاندلس بالمغرب الاقصى قريباً من بحر الظلمات ... ... موسى بن نصير خرج في عسكر كثيف وعدّة كثيرة وزاد لمدّة. وخرج معه الادلاّء يدلّونه على تلك المدينة. فسار على غير طريق مسلوك مدة اربعين يوماً. حتى اشرف على ارض واسعة كثيرة المياه والعيون والاشجار والوحوش والاطيار والحشائش والازهار. وبدا لهم سور المدينة النحاس كأن ايدي المخلوقين لم تصنعه فهالهم منظرها. ثم ان الامير موسى بن نصير قسم عسكره قسمين منزل كل طائفة في ناحية من سور المدينة وارسل قائداً من قوّاده في الف فارس وامره ان يدور حول المدينة وينظر هل يرى ]لها[ باباً او يشاهد حولها احداً من الناس. فسار ذلك القائد وغاب عن الامير ستة ايام فلما كان في اليوم السابع جاء ذلك القائد ... وذكر انه سار حول المدينة ... فلم يشاهد ... من الآدميين احداً ولم يجد للمدينة باباً .... فقال موسى بن نصير: كيف السبيل إلى معرفة ما في هذه المدينة. فقال المهندسون: تأمر بحفر أساسها فمنه يمكن ان تدخل إلى داخل المدينة. ... فحفروا عند أساس سور المدينة حتى وصلوا إلى الماء وأساس النحاس راسخ تحت الارض حتى غلبهم الماء. فعلموا انّه لا سبيل إلى دخولها من أساسها. فقال المهندسون: تبني إلى زاوية من زوايا ابراج المدينة بنياناً حتى نشرف على المدينة. ... فقطعوا الصخر واحرقوا الجصّ والنورة وبنوا إلى جانب المدينة ... بنياناً ... فاتخذوا بنياناً من الاخشاب على ذلك البنيان الذي من الحجارة ... ثم اتخذوا سلماً عظيماً ورفعوه بالحبال على ذلك البنيان حتى اسندوه إلى اعلى السور. ثم ندب موسى بن نصير منادياً ينادي في الناس ان من صعد إلى اعلى سور المدينة نعطيه ديته. فجاء رجل من الشجعان والتمس ديته فامر موسى ... بان تسلم إليه فقبضها واودعها وقال "ان سلمت فهي اجرتي ... وان هلكت فتسلّم لورثتي". ثم صعد حتى علا فوق السلم ... فلما علاه واشرف على المدينة ضحك وصفق بيديه والقى نفسه إلى داخل المدينة ... فسمعوا ضجة عظيمة واصواتاً هائلة ففزعوا واشتد خوفهم وتمادت تلك الاصوات ثلاثة ايام ولياليها ثم سكتت ... فصاحوا باسم ذلك الرجل من كل جانب من العسكر فلم يجبهم احد. فلما ايسوا منه ندب الامير ... منادياً فنادى في الناس وقال: "امر الامير ان من ... صعد إلى اعلى السور اعطيته الف دينار". فبرز رجل آخر من الشجعان وقال أنا اصعد ... فأمر الامير ان يعطى الف دينار فقبضها وعمل فيها كما عمل الذي تقدمه. ووصاه الامير وقال له: "لا تفعل كما فعل فلان واخبرنا بما تراه ولا تنزل اليهم وتترك اصحابك" فعاهدهم على ذلك. فلما صعد واشرق على المدينة ضحك وصفق بيديه والقى نفسه. وكل من في العسكر يصيحون له ويقولون لا تفعل فلم يلتفت إليهم وذهب. فسمعوا ... أصواتاً عظيمة هائلة ... حتى خافوا على انفسهم من الهلاك وتمادت تلك الاصوات ثلاثة ايام ولياليها ثم سكنت. فقال موسى بن نصير: "أنذهب من ها هنا ولم نعلم بشيء من علم هذه المدينة" ... وقال: "من صعد اعطيته ديتين". ]فجاء[ رجل من الشجعان وقال: انا اصعد فشدّوا في وسطي حبلاً قوياً وامسكوا طرفه معكم حتى اذا اردت ان القي نفسي إلى المدينة فامنعوني" .... وصعد الرجل فلما اشرف على المدينة ضحك والقى نفسه... فجروه بذلك الحبل والرجل يجرّ من داخل المدينة حتى انقطع جسد الرجل نصفين ووقع نصفه من محزمه مع فخذيه وساقيه وذهب نصفه الآخر ]جذعه ورأسه[ إلى داخل المدينة. وكثر الصياح والضجيج في المدينة فحينئذ ايس الامير موسى من ان يعلم شيئاً من خبر المدينة ... وأمر ... عسكره بالرحيل .... من "تحفة الالباب" للغرناطي المتوفى في 1170م. غونتز، باريس، 1925.