عندما تحتج اسرائيل على تجربة صاروخ "شهاب -3" تفعل ذلك غير مبالية أنها تتجاهل تماماً معطيات كثيرة. تتجاهل ان ايران بلد كبير يحتل موقعاً استراتيجياً متميزاً ويواجه تحديات عند حدوده كلها. ويعني ذلك ان من حق طهران ان تسعى لامتلاك قوة ردعية "تليق" بدور "القوة الاقليمية". وتتجاهل اسرائيل، أيضاً، ان ايران ساعية الى تحسين علاقاتها مع الدول العربية. فصحيح ان مشكلة الجزر الاماراتية لم تحل، وصحيح ان التوتر مستمر مع العراق، ولكن الصحيح، ايضاً، ان الدول التي تخاطبها اسرائيل لتحذرها من "الخطر الفارسي" لا تعيش ذلك بالطريقة نفسها. وتتجاهل اسرائيل انها تملك الترسانة الأكبر والأقوى في دائرة يبلغ قطرها 1500 كلم. أو ان هذا، على الأقل، ما يقوله رئيس وزرائها ايهود باراك ويؤيده فيه كبار العسكريين. ولذلك فإن الاحتجاج يعبّر عن رغبة في ان يحرس التفوق الكاسح الأوضاع الراهنة بدل أن ينشأ ميزان قوى، أثبتت التجارب، في اماكن اخرى، انه أكثر فاعلية في حماية الاستقرار. وتتجاهل اسرائيل انها تنوي، في سياق اي تسوية محتملة، ان تزيد من قوتها العسكرية وهي تطالب الولاياتالمتحدة بدفع بلايين الدولارات بدل "مجازفة السلام". وتتجاهل اسرائيل انها حاولت خوض معركة مع الولاياتالمتحدة عنوانها "طائرة فالكون للصين" بذريعة حاجتها الاستراتيجية الى ذلك وهي حاجة تنكرها على روسيا المتهمة بتسليح ايران. تتجاهل اسرائيل أموراً كثيرة اخرى مستندة الى اهتمامها الأول باعطاء مضمون فعلي وجديد لشراكتها الاستراتيجية الثابتة مع واشنطن. فلقد قيل غداة حرب الخليج الثانية ان هذه الشراكة ستتراجع. ولقد أثبتت الأيام كفاية خطأ هذا التقدير. فالمعروف ان الولاياتالمتحدة اقدمت، بعد ذلك، على تغيير في عقيدتها العسكرية. وأبرزت اعداء جدداً تحت اسم "الدول المارقة" تعدّل الاسم قبل اسابيع. وايران، مع العراق وكوريا الشمالية، بين هذه الدول التي تعتبرها اميركا مصادر التهديد الأولى في الأمد المنظور. وهكذا فإن الاحتجاج الاسرائيلي هو، في الواقع، تذكير لمن يشاء بمركزية العلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل في الحقبة القادمة. فتل أبيب، الموجودة في المنطقة، حاضرة لمواجهة ايرانوالعراق وغيرهما بما يمكنه ان يخفف الاعباء الأميركية وصولاً الى النيابة عنها. تنعقد، بعد يومين، قمة الدول الصناعية الرئيسية في اليابان. وسيتوجه الرئيس بيل كلينتون الى حضورها ليواجه احتجاجات صريحة. فهذه الدول، ومعظمها حليف، غير مطمئنة الى الخطة الأميركية بتطوير انظمة صواريخ مضادة للصواريخ. ولقد تعزز رأيها من التجربة الفاشلة الأخيرة فباتت ترى ان الأضرار كثيرة والفوائد شبه معدومة. واذا كان كلينتون لم يتخذ قراره النهائي بعد فإن الاحتجاج الاسرائيلي يوفر له حجة قابلة للاستخدام داخلياً وخارجياً. ولكن الواقع يتجاوز الضرورة السجالية. فلقد بات معروفاً ان اميركا واسرائيل ماضيتان في تطوير برنامجهما المشترك لمنظومة الصواريخ ضد الصواريخ. ويشكل هذا البرنامج، بين أمور اخرى، عنواناً لشراكة استراتيجية تغطي المرحلة المقبلة. ... يستحق هذا المكسب الثمين ان تتجاهل اسرائيل من اجله عدداً أكبر من الوقائع الدامغة.