قال كثيرون بعد توقيع اتفاق مزرعة واي ان بنيامين نتانياهو تغيّر. وقال هذا بشكل خاص مفاوضون فلسطينيون يعرفون جيداً أن نتانياهو وقع اتفاقاً غير قابل للتنفيذ. رئيس وزراء إسرائيل سيتغير عندما يغيّر نمر جلده المرقّط، وقد كان موقفه واضحاً في ميدان رابين في تل أبيب خلال نهاية الأسبوع أكثر منه على ضفاف نهر واي في ماريلاند، ففي حين أحيت إسرائيل كلها الذكرى الثالثة لاغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين، غاب نتانياهو عن الذكرى، بعد أن كان أغفل ذكر رابين وهو يوقّع اتفاق واي ضمن عملية سلام بدأت في عهد رئيس الوزراء الراحل. وقال نتانياهو بوقاحته المتناهية قبل يومين إنه لم يذكر رابين في خطابه، لأنه لا يسير في خطى رابين، وأضاف ان حكومته تعارض مسيرة أوسلو، وتوقيع اتفاق مزرعة واي لا يمثل في نظره استمراراً لخط رابين. وهو رأى ان اتفاق أوسلو "سيئ" وهدف حكومته "الحد من الأضرار". لماذا يمارس نتانياهو وقاحته ضد السلام من دون خوف العقاب؟ هو يفعل ذلك لأن في الولاياتالمتحدة إدارة ومجلسي كونغرس متواطئين مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وضد العرب جميعاً، وضد السلام نفسه. وهكذا فبعد أن فاوض نتانياهو على شروط تقوّض أسس السلام، وبعد أن حاول ابتزاز مضيفيه بربط التوقيع باطلاق جاسوس يهودي مدان، ردت الإدارة الأميركية بمكافأته بمذكرة وقعها مع الرئيس كلينتون ترفع مستوى الروابط الأمنية الاستراتيجية بشكل يهدّد سورية وإيران والعراق. وقرأنا على هامش التوقيع أن الاتفاق الأمني الجديد هدفه ثني العراق وإيران وسورية عن استعمال صواريخ وأسلحة دمار شامل ضد إسرائيل. ولكن من يمنع إسرائيل من استعمال صواريخ وأسلحة دمار شامل ضد العراق وإيران وسورية، وأي بلد عربي أو إسلامي آخر؟ الولاياتالمتحدة لا تمنع بل تشجع، والاتفاق الجديد ينص على أن تساعد أميركا إسرائيل على انتاج صواريخ هجومية، تتجاوز صاروخ "أرو" الدفاعي، للرد على أي هجوم صاروخي عليها بأكبر منه. مرة أخرى، من يضمن ألا تبدأ إسرائيل استعمال الصواريخ؟ بالتأكيد الولاياتالمتحدة تشجع إسرائيل، فالاتفاق ينص على رفع درجة التعاون العسكري والاستراتيجي القائم فعلاً بين البلدين إلى مرتبة حلف، كذلك القائم بين الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية. وإذا كان هذا الحلف الأخير موجهاً ضد كوريا الشمالية، فإن حلف الولاياتالمتحدة مع إسرائيل لا بد أن يكون موجهاً ضد سورية والعراق وإيران، لا كوريا الشمالية مثلاً. بل أن المذكرة تتضمن تلميحاً إلى أن الولاياتالمتحدة نفسها سترد على أي دولة تستخدم صواريخ متوسطة المدى أو بعيدة المدى ضد إسرائيل. ماذا يمكن ان يطلب نتانياهو أكثر من هذا؟ هو يريد مالاً، وقد وعد الأميركيون بتمويل سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، مع أن سحب هذه القوات لا يحتاج إلى أكثر من بنزين السيارات بين الضفة وإسرائيل أي فلسطين، فكل إسرائيل أرض فلسطينية. وإذا تذكرنا ما تلقت إسرائيل ولا تزال تتلقى من الولاياتالمتحدة بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد قبل 20 سنة، فإنه يمكن أن نتوقع حجم الدعم المالي الذي ستحصل عليه، ما يمكنها من تهديد الدول المجاورة مرة ثانية أو ثالثة أو عاشرة، ولا ننسى ان المذكرة الجديدة استطراد للمذكرة الاستراتيجية التي وقعها وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه اريل شارون مع وزير الدفاع الأميركي كاسبر واينبرغر سنة 1981 نتيجة لاتفاقات كامب ديفيد. نتانياهو يجد نفسه في وضع يستطيع معه أن يهين الأميركيين مع الفلسطينيين، بل أن يهين الإسرائيليين أنفسهم، فقد شارك 150 ألفاً منهم في تذكّر رابين في الميدان الذي يحمل اسمه، وغاب رئيس الوزراء. وحضر الاحتفال وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق موردخاي، وهو تحدث بعاطفة عن رابين، وكذلك فعل النائب ديفيد ليفي، من ليكود. وغضب وزير العدل تساهي هانغبي من غياب نتانياهو، وقال إن ذلك "محرج" و"معيب". كما انتقد عدم ذكر رئيس الوزراء رابين في خطابه في مزرعة واي. وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ونتانياهو يستطيع تعطيل السلام باتفاق غير قابل للتنفيذ، إلا أنه لا يستطيع أن يقتله. وقد اختارت شعوب المنطقة طريق السلام. وكذلك فعلت غالبية من الاسرائيليين أثبت كل استفتاء أنها تريد السلام. وعندما كان الإسرائيليون يحتشدون في ميدان رابين في الذكرى الثالثة لاغتياله، لقي خليفته شمعون بيريز أكبر ترحيب من الجمهور المحتشد. أما نتانياهو فغاب لأنه ضد السلام.