في كتابه "دور الأسرة في تطبيق الشريعة الإسلامية" يقدم مؤلفه أستاذ علم النفس التربوي في جامعة الكويت، ورئيس مجلس أمناء مكتب الإنماء الاجتماعي بالديوان الأميري، بشير الرشيدي إضافة إلى المنتوجات الفكرية التي تتم في إطار العمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع الكويتي منذ أن صدر المرسوم الأميري بتشكيل لجنة عليا لهذا الغرض في العام 1412 هجرية الموافق 1991 ميلادية. يبدأ الرشيدي كتابه بالفصل الأول تحت عنوان حول مشروع استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت، وينطلق من فكرة أساسية هي علاقة التأثير والتأثر المتبادلين بين الأسرة والمجتمع، وبالتالي فإن فعالية الأسرة تجاه القضايا المختلفة تتأثر بظروف المجتمع وما فيه من مواقف، كما أن فاعلية المجتمع تجاه القضايا نفسها إنما هي ناتج فاعليات أفراد الأسر التي يتكون منها هذا المجتمع. وبطبيعة الحال هناك عوامل وسيطة بمعنى أن تلك العوامل تتوسط علاقة الأسرة بالمجتمع، وتؤثر فيهما بدرجات متفاوتة، وبالتالي في موقفهما وقدراتهما بشأن القضايا العامة أو القضايا الجوهرية. ويرى الكاتب في اختلاف الرؤى والأطروحات حول تطبيق الشريعة الإسلامية في أي مجتمع هو أمر طبيعي. كما أن هذا الاختلاف في المجتمع الكويتي - كمجتمع مسلم - ليس اختلافاً على الدين ولكنه يفسر في ضوء مدى الإلمام بالشريعة ومدى استيعاب الظروف المجتمعية المختلفة، وطبيعة الخلفية الفكرية والثقافية للأفراد وتجاربهم المباشرة وغير المباشرة... كل ذلك يشكل صورة ذهنية معيَّنة عن الشريعة عند تطبيقها. إن لدى كل فرد صورة ذهنية معينة عن القضايا والموضوعات والأشخاص تختلف عن نظيرتها لدى الآخرين، وإذا كانت طبيعة الصورة الذهنية عن أية قضية تختلف من فرد إلى آخر، فمعنى ذلك وجود نوع من الاختلاف حول بعض جوانب القضية حتى ولو كان هناك اتفاق على الأساسيات. ومن واقع تحليل الرؤى والأطروحات حول تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع الكويتي يخلص الكاتب إلى أن الصورة الذهنية لأصحاب هذه الرؤى والأطروحات هي صورة جزئية أو مختزلة فالشريعة أعم وأشمل من مجرد تطبيق الحدود، أو منع الاختلاط... إلخ، ولا بد من تعميق التطبيق من خلال التنظيمات الاجتماعية بما في ذلك الوسط الذي يستقبل الفرد منذ ولادته ويظل ملازماً له طوال حياته. ولكن ما هو هذا الوسط الاجتماعي الذي يعنيه المؤلف؟ إن هذا الوسط هو "الأسرة"، ويصفها المؤلف أنها العملاق الغائب ويرى أن أصحاب الرؤى والأطروحات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية غاب عن أذهانهم وجود ذلك العملاق الذي يلازم كل فرد بكرةً وعشيّاً، وحتى مماته. ويجيب الفصل الثاني عن سؤال رئيسي: ما هي دلالة الشريعة الإسلامية للأسرة؟ ويبدأ بتحديد مفهوم الشريعة الإسلاظمية باعتبارها "ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق ونظم الحياة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة". وفي هذا الإطار يوضح المؤلف طبيعة الشريعة الإسلامية وما تتضمنه من أحكام ضرورية وحاجية وتحسينية، مع تبيان دلالة ذلك للأسرة، ثم يعرض الكتاب لمسألة أشد دلالة وهي خصائص الشريعة ودلالتها لدور الأسرة في تطبيق هذه الشريعة وتتمثل في: الربانية، الأخلاقية، الواقعية، الإنسانية، التناسق، الشمول. ويناقش نهاية الفصل الثاني موقع الأسرة في دائرة اهتمام الدين الإسلامي، وذلك تحت عنوانين فرعيين، الأول: أهمية الدين في حياة الأسرة، والثاني: خصائص اهتمام الشريعة الإسلامية بالأسرة، ويوضح أن الشريعة شملت حياة الأسرة من كافة الجوانب. ولتوضيح الفكرة يستعين الكاتب بنتائج الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة التي قام بها علماء بارزون في المجتمعات الغربية ويعترفون فيها أن الأسرة في هذه المجتمعات لن تستقيم أمورها بغير الدين. فالدول الغربية التي تحصر الدين في أضيق الحدود، أدركت خطورة ذلك وفداحته على الفرد والمجتمع. ويؤكد على أن مشكلات الأسرة المعاصرة لم تكن لتوجد لو التزمت الأسرة بما جاء به الدين لأن الإسلام في اهتمامه بالأسرة جاء بنظرة دقيقة، ورؤية فاحصة شاملة بما يضمن سلامتها باعتبارها دعامة المجتمع والحلقة الأساسية في بنائه. وبجيب الفصل الثالث عن دور الأسرة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ ويرى المؤلف أن الشخصية كمفهوم نفسي واجتماعي، إنما تتأثر بالأسرة في أبعادها الوراثية والبيئية. فالأسرة هي البيئة الاجتماعية والنفسية الأولى التي يتخلَّق فيها الفرد، وهي التي توفر له الحماية، وتقوم على تنشئته وتشكيله وفق ثقافتها بما في ذلك العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم والاتجاهات... الخ، وتتجسد في الرابطة الأسرية كافة الأسس التي يقوم عليها الترابط الإنساني بكل صوره وأشكاله. من جهة أخرى، فإن الأسرة تشبع حاجات لا حصر لها لدى الأفراد، سواء الوالدين أو الأبناء. ويأتي الفصل الرابع موضحاً كيف تقوم الأسرة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويتكون من خمسة مباحث، يختص كل منها بحانب معين. فالأسرة يمكنها تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال إعمال معايير الإسلام في الاختيار الزواجي، فإذا تم اختيار الزوجين لبعضهما البعض بحسب الشروط والمواصفات التي وضعها الإسلام يكون في ذلك ضمان أساسي لصلاح الأسرة، وعندما يتم الإنجاب يتسع دور الأسرة في تطبيق الشريعة الإسلامية، إن عليها مسؤولية تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة إسلامية. وعلى رغم أن غرس مفاهيم العقيدة وممارسة العبادات الإسلامية يدخل في نطاق التربية والتنشئة إلا أن المؤلف أفرد لذلك مبحثاً مستقلاً تأكيداً لأهمية غرس العقيدة وممارسة العبادات الإسلامية من جهة، وتبياناً لدور الوالدين من جهة ثانية. وفي المبحث الأخير من الفصل الرابع، يعرض الكاتب لجانب أساسي من جوانب دور الأسرة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية من خلال الالتزام بما قرره الإسلام من حقوق وواجبات متبادلة في إطار الأسرة. فهناك حقوق للزوج على الزوجة، وحقوق للزوجة على الزوج، وهناك أيضاً حقوق للوالدين على الأبناء، وحقوق للأبناء على الوالدين. الى جانب الواجبات المشتركة بين أفراد الأسرة. في توضيح هذه القضية ينطلق الكاتب من رؤية إسلامية متكاملة مستمدة من القرآن الكريم والسنة والاجتهاد وسيرة السلف الصالح. * رئيس تحرير مجلة "الثقافة النفسية".