أثارت بطولة "كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم" ولا تزال نقاشات واسعة في مسألة احتكار البث التلفزيوني من طرف شبكة فضائية ومن ثمّ تقديمه الى المشتركين فقط من المشاهدين. أطراف الحوار في هذه المسألة قدموا - كل من جانبه - حججاً وجيهة. فأشار أصحاب الشبكة التلفزيونية الى حقهم في استرداد ما دفعوه من مبالغ طائلة، وشرحوا وجهة نظرهم في أهمية اعتماد البث "المشفّر" للمباريات من أجل تطوير لعبة كرة القدم العربية، إذا طبقت هذه الطريقة في مباريات الدوري المحلية في الأقطار العربية المختلفة، ليتسنى للأندية - وأيضاً للمنتخبات الوطنية - الحصول على عائد مالي، يمكن أن يساعدها ويمدّها بأسباب القوّة. ومع وجاهة هذه الحجة، وما تتضمنه من امكان "تسويق" النشاط الرياضي، وجعله نشاطاً اقتصادياً مثمراً وذا مردود مالي كبير، يحمل طرح الفكرة للتنفيذ في المرحلة الراهنة مخاطر أخرى، لعل أبرزها حرمان القطاع الأوسع من المشاهدين العرب، متابعة لعبة رياضية يعشقونها. فالواضح - الذي لا يختلف عليه إثنان - أن قنوات البث الفضائي ليست بعد في متناول الجميع لأسباب كثيرة، أهمها ضعف المستوى المعيشي للمواطنين العرب عموماً، ما يعني في المستوى الواقعي، حصر المشاهدة التلفزيونية في نطاق نخب اجتماعية محددة، الأمر الذي ستترتب عليه وقائع تعاكس أهداف تطوير اللعبة، إن لم نقل تسهم في حرمانها جمهورها الواسع وحشرها في مساحات اجتماعية شديدة المحدودية. فالحديث عن اشتراك يتجاوز مئة دولار في أقطار عربية لا يصل الدخل الشهري للمواطن فيها الى هذا الرقم، هو نوع من التعجيز لا تبرره حجج أو مناقشات، مهما كانت "وجيهة" أو ذات صدقية، من أي جانب من جوانبها. وبكلام أوضح، نعتقد أن "تشفير" البث التلفزيوني - وفي الرياضة بالذات - خطوة سابقة تماماً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية في أغلب الأقطار العربية، وهو تطور فوقي لا يأخذ في اعتباره وقائع الحياة اليومية وعواملها الاقتصادية. قد يقول قائل هنا: ولكن ما ذنب أصحاب الشبكة الفضائية التي اشترت حقوق البث لدورة رياضية معينة؟ أليس من حقهم استرداد ما دفعوه، بل وتحقيق أرباح من هذا الاحتكار؟ أعتقد ان الاجابة عن السؤالين السابقين يجب أن تكون متجاوبة من حق تلك الشبكة في استرداد ما دفعت، بل وفي تحقيق الربح، شرط ايجاد حلول معينة يمكن، أن تضمن للمشاهد العربي البسيط متابعة المباريات الرياضية التي يرغب في مشاهدتها. فعلى سبيل المثال، يمكن الشبكة المذكورة ان تبيع جزءاً من حقوق البث لبعض الأقطار العربية الفقيرة لتتولى بدورها بث تلك المباريات عبر محطاتها الأرضية فقط، وهو بث لن يتعدى في مثل هذه الحال الحدود الجغرافية لتلك الأقطار، ولن يؤثر في الوقت نفسه في المردود المالي الذي يمكن أن تحققه الشبكة المحتكرة، عبر الاشتراكات. وهو مردود نعرف جميعاً انه ضعيف ورمزي في تلك الاقطار نظراً الى ضآلة مواردها وانخفاض مستوى معيشة المواطن فيها. أعتقد ان اقتراحاً كهذا يمكن أن يكون حلاً من نوع ما، في هذه المرحلة على أن تشهد مسألة احتكار البث التلفزيوني الفضائي مزيداً من مناقشة المختصين وأصحاب العلاقة في القنوات الفضائية والأرضية، وحتى في الأوساط الرياضية والأندية، بما يمكن أن يحقق تفاهماً تسهم نتائجه في فوائد حقيقية على الجميع، ومن دون أن تتسبب بأضرار من أي نوع ولأي طرف منها. نقول ذلك ونحن نرى كيف غابت مباريات "كأس الأمم الأوروبية" عن شاشاتنا المحلية، وحرم متابعتها الجمهور الأوسع، في حين تمكنت من المتابعة قلة ضئيلة لا تكاد تذكر من الناس، أي أن "التشفير" لم يدفع القطاع الأوسع من الناس الى الاشتراك المالي، لا لأنهم غير مقتنعين، ولكن لأنهم لا يملكون المال المطلوب. ومرة أخرى نتمنى أن يناقش الأمر من دون قفز عند ظروف اقتصادية يعيشها الناس ويعانونها.