خصصت مجلة "الباييس ماغازين" الاسبانية الصادرة في مدريد صفحات لمغني البوب الشهير كات ستيفنس الذي أعلن إسلامه وبات يحمل اسم يوسف إسلام. ونظراً الى ندرة الحوارات التي يجريها المغني الشهير ننقل هنا ما كتبته عنه المجلة وبعض المقاطع من الحوار الذي أجرته معه. باع أكثر من 25 مليون اسطوانة عندما كان اسمه كات ستيفنس. كان رمزاً كبيراً من رموز فترة الهيبي. اعتنق الاسلام سنة 1977 وأصبح اسمه يوسف إسلام. نادراً ما يعطي حوارات للصحافة. أخيراً أصدر اسطوانة لمنتخباته الأكثر شهرة وأغنية مهداة الى البارئ. يتجول في شوارع كينيس بارك في لندن، أحياناً على متن سيارة جيب، وأحياناً أخرى واضعاً يديه داخل جيبي سترته الطويلة وبحذاء رياضي. شعره قصير، لحيته طويلة. يتماهى شكله جيداً مع المنظر العام لحي لندني ليس غريباً أن نشاهد فيه فتيات بالحجاب. جيرانه يعرفونه باسمه القديم "كات ستيفنس"، يقولون. وصل كات ستيفنس الى الفندق الذي ضربنا فيه الموعد بعد سنة كاملة من الأخذ والرد، سيكون بإمكاننا أن نرى عن قرب أحد نجوم البوب الأكثر شهرة في العالم، ويكون بمستطاعنا أن نسأله عن ظروف التغيير الجذري الذي تعرضت له حياته. بالنسبة اليه يعود هذا التغيير الحاسم الى اكتشافه القرآن والرسالة التي يحملها فأصبح لكل أفكاره وأحلامه معنى. سنة 1970 اكتشف كات ستيفنس الاسلام عندما حمل له أخوه دافيد مصحفاً من القدس، وعند قراءة الكلمات الأولى رأى النور الذي ظل طوال حياته السابقة يبحث عنه. قضى كات ستيفنس سنوات طويلة يبحث عن السكينة والحقيقة، واعتنق البوذية، ومر بالتصوف الشرقي، حتى انه اعتنق فلسفة بيتاغوراس الاغريقي. اليوم، هذا الانكليزي البالغ من العمر 52 عاماً رجل متزوج وله خمسة أبناء. يصلي باتجاه مكة، يخصص نسبة من مداخيله لبناء مدارس اسلامية، وهو أحد المدافعين الأقوياء عن الاسلام في العالم. في الواقع لم يكن هذا التغيير الجذري باعثاً على الندم، عندما سقط كات ستيفنس مريضاً بداء السل كانت أمامه فرصة لإعادة حساباته الذاتية: "كنت أعيش بسرعة قياسية كأي نجم من نجوم البوب، وكنت أتمتع بذلك في شكل كبير". صرح المغني الكبير للصحافي البريطاني جون توبلار قائلاً: "كنت أشتغل الى حدودي القصوى، كل ليلة يتكرر الايقاع ذاته، أحياناً كنا نعطي ثلاث حفلات في اليوم الواحد. كنت أشرب وأدخن كثيراً مثل الجميع، وكنت أعيش، لكنني دفعت ثمن كل ذلك غالياً، عندها سقطت مريضاً بسبب السل. وشيئاً فشيئاً أصبحت أشعر بنفسي بعيداً عن تلك الحياة العامة، ووجدت نفسي في بيتي أحاول أن أتماثل للشفاء. في هذه الفترة بالضبط شرعت أعيد النظر في حياتي، حول معناها، والى أين سأمضي. كان هذا من أهم التغيرات التي جرت في حياتي. كان لدي الوقت الكافي للتأمل. كانت بالنسبة إلي فرصة سانحة لأننا لم نكن نملك وقتاً للتوقف عن العمل وتأمل الوضع". الآن ربما أيضاً، بعد كل هذه السنوات الطويلة من الرفض وسوء الفهم الذي قوبل به من الصحافة بسبب إعلانه إسلامه، يبدو متضايقاً من الحديث مع الصحافة. يظهر ذلك واضحاً عندما طلب منه المصور الوقوف أمام حائط أبيض من أجل التقاط صورة محايدة وبسيطة. قبل بطيبة قلب، لكن حرجه كان بادياً للعيان. رغبته في انتهاء جلسة التصوير هذه كانت ملحّة. أمام عدسة الكاميرا أخذ وجهه ملامح تدل على عدم الارتياح. داخل هاتين العينين السوداوين يطل رجاء كبير: ليضغط المصور على الزر، ليرتح من هذه المشقة. الأكيد في الأمر أن يوسف إسلام لم يحب أبداً التحدث الى رجال الصحافة، بل بالامكان الاعتماد على رؤوس الأصابع لعد الحوارات القليلة التي أعطاها للصحافة. في سنوات الستينات، وفي قمة الشهرة والمجد الذي عرفه البوب، رفض يوسف اسلام أربع مرات أن يمنح حواراً صحافياً لمجلة "الرولين ستونز". لكن يوسف يعرف أنه جزء من الميدان، لذلك خرج الى الساحة الغنائية العالمية بألبوم من أفضل أغنياته التي نال بفضلها الشهرة. الألبوم يحمل اسم "تذكر"، وهو نوستالجيا الى الأزمنة البعيدة التي تمثل الفترة ما قبل إسلامية لكات ستيفنس. تلك الأغاني التي كان ينشدها شاب في الثامنة عشرة من عمره، بابتسامته الخجولة وحنانه النابع من أعماق القلب. باع كات ستيفنس 25 مليون اسطوانة، وسيصدر أيضاً عملاً جديداً من نوع آخر أسماه "الى الله". "انتهيت الى انني لا ينبغي لي أن أعيش مطلقاً على حساب الأعمال الغنائية، لا أقصد الموسيقى في حد ذاتها ولكن المصالح التي تحيط بها. لأن الموسيقى تخرج في طريقة عفوية وطبيعية، حتى البحر والريح يؤلفان ألحانهما الخاصة. في القرآن ليس هناك ما يدل على تحريم الموسيقى"، يقول يوسف إسلام بحماسة. ثم أضاف في وقت لاحق: "عدت الى الاستوديو عندما رأيت الصورة السلبية التي تروج حول الاسلام، وربما كان هذا على علاقة بالنقاش الذي كان دائراً حول سلمان رشدي. أحسست بضرورة صنع شيء. حاولت شرح حياة الرسول في شريط كاسيت سجلته في شكل كلام، هكذا صدر سنة 1995 شريط كاسيت "حياة آخر الأنبياء". بعد ذلك، سنة 1998 سجلت أغنيات عدة أهديتها الى مسلمي البوسنة، كتبها وزير الخارجية البوسني آنذاك إفران لوبيانكيك وقد مات مقتولاً خلال حرب البلقان. الآن يأتي "الى الله". في الحقيقة هذه أول أغنية أكتبها بعد اعتناقي الاسلام. ألفتها وأنا أتذكر ابنتي الأولى، حسناء، التي ولدت سنة 1980. الفكرة كانت كيف أعلمها أن "A" تعني الله، خالق الكون وكل الأشياء الأخرى التي نحب في هذا العالم". يدل على ذلك أيضاً ألبوم "ظل القمر"، الذي كان أنجح ألبوم لكات ستيفنس. فإن هذا الأخير يحتفظ بعلاقة قوية مع القمر: "كان دائماً حاضراً في معظم أغنياتي. أول مرة عرفت فيها أن القمر يرسل ظلالاً كان عندما كنت في عطلة باسبانيا. من ثم خرجت فكرة "ظل القمر". والآن وأنا مسلم ما زال القمر يشكل بالنسبة إلي مدلولاً خاصاً، لأن التقويم السنوي العربي يعتمد على القمر، ومن هنا فإن أشهر أغنية في العالم العربي هي أغنية "طلع البدر علينا". لكن من دون شك فالمغني الذي كبر في رفقة أغنيات من عيار "ويلد وورد"، "أوه فيري يونغ"، "مورنين هاز بروكين"، "فادر آند صان"، سيجد صعوبات كبيرة في تركيب الألحان الموسيقية الملائمة للفترة الراهنة، خصوصاً أن الاسلام يشهد حملة اعلامية غربية واسعة تهدف الى تشويه مبادئه. فالغرب يحافظ على نظرته المسبقة حول الاسلام. هذه الأحكام المسبقة هي التي تجعل صوت يوسف اسلام يبدو بعيداً ومرعباً وكأنه آت من نفق مظلم. في الولاياتالمتحدة تم منع ألبومات يوسف اسلام لأن أحدهم روج فكرة مفادها أن عائدات أغاني يوسف تستعمل لدعم الحركات الأصولية المتطرفة والى تمويل الحملة ضد سلمان رشدي. الآن يرى يوسف اسلام أن الوقت حان لتغيير الصورة المتداولة حوله وذلك عبر تغيير استراتيجياته: "اعتقدت أن الوقت مر كفاية من أجل أن أعود الى ألبوماتي بقليل من الهدوء". يقول، ويضيف: "اليوم هناك حياد أكثر، أعتقد أن الناس لا يزالون يقدرون ألبوماتي والدلالات التي تحيل عليها كل أغنية من أغنياتي، ان التجربة التي أمثلها تثير الناس باستمرار، تثير الشباب والأجيال الجديدة. أعتقد أن شباب اليوم يرون ان الفترة التي كنت فيها كات ستيفنس كانت فترة عطاء وحيوية". يبدو يوسف اسلام وكأنه يعيد تصحيح صورته أمام ملايين المعجبين الذين تتبعوا مسيرته منذ البداية والذين لم يهضموا بيسر انعطافته الكاملة نحو الاسلام. دائماً بحث يوسف اسلام عن السلام الداخلي، وتبدو أغنيته "هيتس سيتين" أكبر من يشرح هذه الفلسفة: "إنني في الطريق، أعرف انني في الطريق، باتجاه مكان ليس بعيداً من هنا، الشيء الوحيد الذي أعرف هو ما أشعر به الآن: أشعر بقوة في شعري. الحياة تشبه متاهة من الأبواب التي تنفتح كلها في الاتجاه الذي توجد فيه أنت". يقول يوسف إسلام واصفاً حياته: "حياتي كانت دائماً عبارة عن جبال، ترتفع وتنخفض. هذا شيء يشكل جزءاً من الطبيعة والحياة. أحياناً تحملنا الرياح الى هذا المكان أو ذاك ولكن من الطبيعي أن يحدث ذلك، على رغم أن الناس عندما تصل اليهم عبر وسائل الاعلام تصل بتشوهات كبيرة. أحياناً نرى في التلفزيون أشياء فظيعة مثل ما حدث في كوسوفو، ومباشرة بعد الأخبار يذيعون فيلماً كوميدياً، الناس يضحكون من مواضيع تبدو بالنسبة اليهم محايدة. الى هذا الحد وصلنا. نحتاج الى دفع الناس نحو تقدير الأمور المهمة في هذا العالم، والى معرفة، وهذا هو المهم، ماذا ينتظرون من العالم الآخر". وبنظره "كات ستيفنس" ماركة لديها بداية ونهاية. ولكن هل يسجل الآن بالضبط ألبومه الجديد بسبب أزمة مادية؟ هذا السؤال يتجنبه يوسف إسلام، ويفضل في المقابل القول ان المال لم يكن أبداً همه الأول، لقد خصص يوسف اسلام جانباً كبيراً من مداخيله لبناء المدارس الاسلامية وبناء الملاجئ في كوسوفو. وحول مفهومه للسعادة يقول: "إنها طريقة حياة تختفي بسهولة كبيرة، شيء يحلم الجميع ببلوغه، لكن الأمر ليس سهلاً كما يبدو. ليس الأمر مثل شراء بيت أو سيارة فاخرة أو اللبس في طريقة عصرية. ليس الأمر سهلاً الى هذا الحد. السعادة هي نوع من الحياة الجيدة التي تصعد من أعماق كل شخص، ويجب على هذه الحياة أن تكون مرفقة بإحساس بالأمان وبمعرفة محددة. في الأخير اذا لم تكن تعرف من أنت، أبداً لن تكون مسروراً من نفسك!".