مطرب متمكن وصاحب بصمة خاصة في مسيرة الأغنية السعودية، بدأ حياته الفنية من المنطقة الشرقية ثم انتقل إلى مدينة الرياض وجاءت بدايته الفنية بدعم مباشر من الفنان الراحل سلامة العبدالله.. حينما أنتج له أول ألبوماته الغنائية بعنوان «اشتريت رضاك». الفنان محمد السليمان، صاحب «الكنة»، والحاصل على شهادات تعليمية في أصول الفن الشرقي والموسيقى العربية والنوتة الموسيقية والأعمال الكلاسيكية، قدم عدداً كبيراً من الأغاني المكبلهة والشعبية التي اعتبرت علامات لا تنسى مثل «الكنة»، «شفت القمر»، و»قالوا ربيع» و»بقايا الليل»، و»صوت المعامل» و»طال النوى» و»ثورة إحساسي»، إضافة إلى مشاركته في العديد من المحافل العربية والخليجية، وكلها إنجازات تحكي مسيرة غنائية حافلة تستحق الاهتمام الإعلامي، ومن هنا كان حوارانا مع الفنان محمد السليمان الذي نفض فيه غبار الذكريات وكشف عن ألمه من مستوى الساحة الغنائية في الوقت الراهن، فإلى الحوار: * بداية دعنا نبدأ من حالتك الراهنة، لماذا لم نعد نراك تقدم ألبوماً سنوياً كما في السابق؟ - أنا مؤمن أن الفنان يجب أن يتواصل مع الجمهور عبر ألبوم سنوي، وإذا حصل التأخير في طرح أي ألبوم فسيؤثر تدريجياً على تواجده في الساحة، لكن هناك عوامل مؤثرة في الغياب، منها أن الحالة الفنية لم تعد مشجعة وليس فيها من الجيّد إلا ما ندر، "فنان العرب" محمد عبده يقول إن الساحة "في حالة هدم" وأنا اتفق معه فالفنان الممتاز لم يعد يجد له مكاناً في هذا الوسط.. * كأنك تقول انك لن تقدم ألبوماً جديداً؟ - لا.. كان هذا سبب التأخير.. لكن لدي الجديد دائماً.. وأنا عادة أبحث عن أغان جديدة بعد نزول ألبومي في سوق الكاسيت، لذا فأنا جاهز الآن وأملك عدداً من الأغاني من خلال تعاوني مع الشعراء الكبار وإن كنت لم أستقر على معظمها، لكن في حال الاتفاق مع أي شركة إنتاج سأكون في سوق الكاسيت فوراً. * إذن شركة الإنتاج أحد العوائق؟ - طبعاً، الفنان كائن معاق لا يمكن أن يتحرك دون أن تساعده شركة إنتاج، ورغم نجاح ألبوم 2008 مع شركة روتانا بدليل أرقام التوزيع وطباعته كنسخة ثانية، وكذلك ألبومي الأخير مع الأوتار الذهبية، إلا أن ذلك التعاون كان من أجل توزيع الألبومات فقط، بينما أنا أبحث الآن عن شركة تقوم بإنتاج ألبومي كاملاً وتقوم بتوزيعه أيضاً، فقد مللت من الإنتاج الخاص، وأعتقد أن المكانة والنضج الذي وصلت لهما الآن يشفعان لي عند أي شركة، فأنا لست كغيري أقدم الأغاني كيفما اتفق، بل لدي معرفة فنية تتيح لي أن أقدم الأعمال التي تحفظ وجه الأغنية السعودية بشكلها الصحيح. للأسف الإعلام ساهم في تكريس المعنى السلبي لمسمى «الفن الشعبي»! * ولم لا تكون مثل غيرك من الفنانين وتكتفي بإنتاج أغنية منفردة "سنغل"؟ - طبعاً أصبح هذا هو الخيار الوحيد أمام الفنانين في ظل التكاليف الباهظة للإنتاج، والفنان يلجأ لذلك بغرض استمرار تواجده في الساحة، وهناك من يستفيد منها مادياً خاصة إذا كانت الأغنية مدفوعة الأجر من قبل المنتج الشاعر، شخصياً لا أرى نفسي في هذا الاتجاه لأني أراه يدخل في مقولة "هدم الأغنية". الشاعر مساعد الرشيدي * في وقت سابق كوّنت ثنائيات مميزة مع مساعد الرشيدي والشاعر "الوافي".. ولم تستمر في ذلك.. ما السبب؟ - بالنسبة لمساعد الرشيدي فمازلنا نقدم الأعمال سوياً ولن ننقطع لأنه شاعر كبير وأخ افتخر به دائماً، أما الشاعر "الوافي" فاعتبره مرحلة مهمة في مسيرتي إلى أن اعتزل عن الشعر، فقد قدمت معه أعذب الأغاني بكلماته الجميلة.. وكلا الاثنين كانا داعمين لي ولمسيرتي وتوهجي في الفترة السابقة، والجمهور لن ينسى أعمالهم معي التي مازالت تطلب مني، وعلى العموم التاريخ هو من وثق هذه الثنائية التي افتخر بها. * سمعت أنك لم تتقاض أي مبلغ من إحدى الشركات الكبرى بعد استثمارها لمجموعة من أغانيك؟ - "يضحك".. تعرف أنا اتصل عليهم كثيراً وللأسف من يحدثني يقول بأنه لا يعرف شيئاً عن حقوقي لديهم، دعني أقول لك، هل من المعقول أن كل هذه الأغاني التي استثمرتها هذه الشركة طيلة هذه السنوات لم تحقق أرباحاً للشركة؟، وقد أصابني خمول من مراجعتهم، ولا أدري إلى من اشتكي، خاصة وأني سبق وتعرضت لسرقات صريحة ومع ذلك لم أجد من يحمي حقوقي كمؤلف، فمثلاً أغنية "الكنّة" سجلتها شركة عربية وأنتجتها وصورتها وبثتها علناً في التلفزيونات دون أدنى حياء، ومع ذلك لم أشتكِ.. لأني "بصراحة" لا أعرف كيف أقدم الشكوى، ولا لمن أقدمها، لذلك تركت "الحبل على الغارب" إلى أن يشاء الله. * أنت تحدثني وكأننا نعيش في الستينيات، هل من المعقول ألا يأخذ الفنان حقه من إدارة "حقوق المؤلف"؟ - لا.. أنا متأكد أنهم منصفون ولكن الروتين والمنتج هما من أحبطني في تلك الفترة، فتركت كل شيء على ما هو عليه، رغم إيماني بأن هناك الآن من يستفيد من إعادة إنتاج أعمالي، لكن فعلياً ليس هذا دوري.. فأنا فنان وليس مطلوباً مني سوى أن أصنع الأغاني الجيدة، أما المسائل القانونية والمالية فيفترض أنها مهمة الشركة المنتجة، هذا عملهم، والأغاني المسروقة تعتبر من حقوقهم أيضاً، ومطلوب منهم أن يقفوا بجانبي وأن ينصفوني من بطش الشركات الأخرى، لكن كيف أتوقع ذلك من الشركات التي أنتجت ألبوماتي وهي جزء من معاناتي، فمثلاً ألبومي الذي قدمته ل"روتانا" لم أتقاض عنه إلا الدفعة الأولى والتي خصم منها أجور الإعلانات التي لم تبث فعلاً!، ولم أستلم بقية الدفعات رغم أنهم أعادوا طبع النسخة الثانية دون أن يضعوا اسمي على الألبوم كمنتج خاص، ومع ذلك فضلت السكوت لأن مكانة وحب الأمير الوليد بن طلال أهم عندي من أي شيء آخر. محمد السليمان * قبل سنوات شاركت في تأسيس "ملتقى الفنانين" الذي جمع نجوم الأغنية الشعبية، لكنه توقف عند دورته الثانية.. ما السبب؟ - السبب أن بعض الفنانين استغلوا التركيز الإعلامي عليه، وروجوا بأنهم القائمون عليه، وقلنا لهم كلنا في "قارب واحد" ليس لدينا قضية مع أحد، فالمهم أن ينمو هذا الحدث ويكبر حتى تتحرك معنا وزارة الثقافة وجمعية الفنون، للأسف ان من أوقف هذا المشروع هم بعض الفنانين والشعراء، رغم أنه أثمر عن تدشين قسم الأغنية الشعبية في شركة روتانا بعد مطالبتنا بذلك في الملتقى الأول. * في فترة سابقة كنت تأخذ مبلغ 280 ألف ريال كقيمة لصوتك فقط، وهو ما اعتبر سعراً عالياً في ذلك الوقت، لكن السعر تراجع هذه الأيام؟ - بالفعل، لأن الألبومات الأخيرة هي من إنتاجي الخاص وبالتالي فالمعادلة تغيرت والعقد اختلف، وكنت قبل سنوات أقدم صوتي فقط على الأعمال التي اختارها واستلم هذا المبلغ والشركة تعرف أن ألبوماتي مربحة لذلك تدفع المبلغ بارتياح وثقة. عموماً الفنان الشعبي هو الأعلى سعراً كالفنان سعد جمعة الذي وصل في فترة لنصف مليون ريال، وغيره لم يصل إلا لربع المبلغ لأنه نجم إعلام فقط، وللأسف نحن الآن نُركن على الحائط والسبب أن ليس لدينا علاقات مع تجار الشنطة ومن يشترون الأغاني وغيرها، نحن نقدم أغاني نسعى لأن تكون مميزة، لكنها للأسف لا تدعم إعلامياً، حتى الأغاني الوطنية التي نقدمها كواجب وطني لا تذاع ولا تعرض، هناك من يريد إيقاف الأغنية الأصيلة، وأريدك أن تقول لي لماذا اعتزل سراج عمر ولماذا ابتعد غازي علي وكيف سكت علي عبدالكريم وتوقف سعد جمعة وغيرهم الكثير ممن أثروا الساحة بألحانهم وأصواتهم؟ * كأنك تحصر النجومية على هؤلاء في حين أن هناك نجوما آخرين مازالوا متواصلين مع الجمهور؟ - ليست بهذا الشكل، أنا أعطي أسماء صريحة تم تجاهلها فعلاً ولا أحكي عن خيال، نعم الأغنية السعودية تتصدر الأغنية العربية، ولكن إذا حسبت الأمر بدقة فستجد أننا لا نملك الآن سوى ستة فنانين على الأكثر هم الموجودون في الساحة، المنطقة الغربية لم تنجب صوتاً حقيقياً منذ ثلاثين عاماً إلا عباس إبراهيم ونايف البدر والشرقية بعد رابح وراشد الماجد أجدبت تماماً، وكذلك المنطقة الوسطى، لم تعد هناك حركة فنية إبداعية نشيطة كما كان في السابق، للأسف أن التواجد السعودي الحالي في الساحة العربية أصبح محكوماً بالمال وليس الإبداع، الفنانات اللبنانيات على سبيل المثال لا يغنين الأغاني السعودية إلا من أجل المال فقط، رغم أن أغنيتنا فيها حس رائع وجميل، ولا لوم عليهن بل اللوم علينا نحن الذين سمحنا ل"السوسة" أن تنخر إبداعنا دون كلل! سعد جمعة * هل أنت عاتب على شركات الإنتاج؟ - لا.. أنا لا أعتب على أحد، إنما أحاول أن أقول لهم اسمعونا فمزمارنا يطرب.. ويربح أيضاً. * أيضاً أنت غائب عن الدورة الأخيرة لمهرجان الأغنية الشعبية "الربيع - سوق واقف"؟ ما السبب؟ رغم أنك كنت عنصراً رئيسياً في المهرجانات السابقة؟ - صدقاً.. لا أعلم.. ولكن مشاركاتي السابقة كانت ناجحة للغاية، لكن ربما أنهم أرادوا التغيير في الفنانين بغرض التجديد وما إلى ذلك، إن علاقتي معهم مازالت مستمرة وقد هنأتهم بنجاح هذا المهرجان الضخم وإن كنت أتمنى أن أكون مشاركاً مع عمالقة الأغنية العربية، لكن إذاعة صوت الريان تقدم ثلاثة مهرجانات في العام وبالتالي هناك فرصة للالتقاء بالجمهور. * دعنا نختم حوارنا بتوضيح الاختلاف في مسمى "الشعبي"، هل هو وصف لأغنية ذات خصائص معينة أم أنه وصف ل"شعبية" الفنان ومدى انتشاره؟ - المسمى لا يطلق إلا على العمل وليس على الفنان وأغلب الناس ليس لديها ثقافة في هذا الجانب، إذ أن فنانين اشتهروا باسم الفنان الشعبي كالراحل فهد بن سعيد وهو مثقف ومتعلم موسيقياً وصاحب شعبية كبيرة أيضاً، ووصفه بهذا إنما يعود لأنه يقدم الأغنية الشعبية الأصيلة بشكلها المعروف، وما درسته وأعرفه أن المسمى يطلق على الأغنية وليس على الفنان، خذ مثلاً فنان العرب وراشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله وغيرهم، لا يوصفون بأنهم فنانون شعبيون رغم انتشارهم، لكن هذا ليس مشكلة.. المشكلة هي أن يعتبر البعض لفظة "شعبي" أنها انتقاص لذلك تجد كثيراً من الفنانين يهربون منها وكأنها "جريمة". للأسف أن الإعلام مسؤول عن تكريس هذا المعنى السلبي حيث لا يبث أعمالنا والسبب أننا فنانون "شعبيون"!، مع العلم أن هذه القنوات والإذاعات تبث أعمالاً شعبية لغيرنا دون حرج، وعلى سبيل المثال أغنية "خلاص من حبكم" لا تبث لي، ولكنها تبث لغيري، رغم أنني الوحيد الذي قدمها بصفة رسمية وقد حصلت على تنازل خطي من الأستاذ عبدالله السلوم ملحن العمل في ألبوم "عشرة سنين".. يا عزيزي نحن نحتاج إلى مزيد من الوعي لتصحيح المفهوم السلبي عن لفظة "شعبي"، وإذا كانوا يتحدثون عن ثقافة الفنان فأنا درست أصول الفن الشرقي والموسيقى العربية والنوتة الموسيقية ومع ذلك يقدموني على أني فنان "شعبي" بالمعنى السلبي طبعاً، دعني أختم معك بشكل أفضل.. أنا أتشرف بأن يطلق علي هذا اللقب لأنه يعني أنني أقدم أغاني مرتبطة بتراثنا وذات قيمة كبيرة.