بعد توقفها خمسة عشر عاماً، عادت "التكية السليمية"، التي كانت توزع طعامها على الفقراء، لتطعم مئات العائلات الفقيرة في دمشق أسبوعياً. و"التكية السليمية" أو "تكية الشيخ محيي الدين"، التي عرفها سكان الحي والأحياء المجاورة على مدى أكثر من 400 عام، تقدم الطعام مجاناً للفقراء صباح كل خميس، إضافة إلى موائد المناسبات. سنوات التوقف خرّبت بناء التكية، وكاد المتبرعون والمستفيدون أن ينسوا تراثهم الاحساني هذا. إحياء هذا التقليد عاد وكان "بمثابة مغامرة"، كما يصفه مدير أوقاف دمشق السيد نبيل السمان، قبل أن يضيف: "بعد ترميم التكية واجهتنا مشكلة تأمين التمويل لها أسبوعياً، فتكلفت شخصياً بتقديمه لمدة شهر، وبعدها أغدق المحسنون هباتهم لتنعم بفائض دائم يكفي لأشهر عدة مقبلة". ويقول أحمد الناصر، المسؤول عن التكية: "يقوم بعض الشخصيات الاقتصادية بتقديم معوناته في شكل دوري، وتكفي التبرعات التي نجمعها أحياناً في أسبوع أكثر من شهر". وعن الوجبة الأسبوعية يقول: "تحضير الطبخة يتم طوال يوم الأربعاء، وهي تستهلك 150 كلغم من اللحم كحد أدنى، إضافة إلى القمح. بعد ذلك يقوم كادر ثابت ومختص بعملية الطهي التي تستمر على نار هادئة منذ مساء الأربعاء، لتصبح جاهزة قبل طلوع شمس يوم الخميس، حين يجري توزيعها مع الخبز على أكثر من 500 منهم عائلات المحتاجين الذين تتزايد أعدادهم أسبوعاً بعد أسبوع". وتبلغ كلفة الطبخة الواحدة نحو 45 ألف ليرة سورية نحو 900 دولار بالسعر الحر. ويقول أحد المستفيدين: "انتظر يوم الخميس بفارغ الصبر لآخذ حصة عائلتي من هريسة الشيخ محيي الدين"، في ما يعلق آخر على هذا العمل قائلاً: "ما زال في الدنيا خير". ويبدي السياح دهشتهم عند اطلاعهم على ما تقدمه التكية، حينما يرافقهم الأدلاء السياحيون في جولتهم عبر أزقة دمشق القديمة وحاراتها ذات الطابع التاريخي المميز. وتعتبر التكية من الأبنية الأثرية الجميلة التي يزيد عمرها على 480 عاماً، وهي تقع في حي الصالحية وسط سوق الجمعة المعروف، مقابل جامع الشيخ محيي الدين، وتشير اللوحة الموجودة على بابها إلى أنها انشأت في عهد السلطان سليم الأول المتوفى سنة 1520ه بغرض إطعام المساكين. وتقول المصادر التاريخية إن السلطان سليم الأول كان من محبي الشيخ محيي الدين بن عربي 560 - 638ه، فأمر ببناء التكية والبيمارستان والجامع حول قبر الشيخ الأكبر تقرباً منه. ويتألف البناء من أقواس حجرية متصالبة مع بعضها، ومحمل عليها قباب عدة كبيرة، ولكل قبة نوافذ محيطة ونافذة كبيرة في رأسها للتهوية والإنارة. وتبلغ مساحتها 800 متر مربع، وهي مؤلفة من مطبخ رئيسي وصالة لاستقبال الأهالي وغرف تجهيز الطعام والمستودعات والإدارة. وعلى يمين المدخل قبر لم يتعرف أحد على صاحبه. ويقول المهندس محمد حسام عيون، المشرف على الترميم: "كانت التكية عبارة عن خرابة، بسبب الإهمال والاستعمال السيئ، فقمنا باستبدال الأحجار التالفة من الأقواس والجدران وترميم القباب ودهانها، وتنظيف حلل الطبخ وترميم الباب الرئيسي العائد إلى تاريخ انشاء التكية، وتركيب أبواب وبلاط وتجهيز المطبخ وتزويده بمجمع غاز صناعي، بعدما كان الطبخ يتم سابقاً على الحطب، وتزويد التكية ببرادات لحفظ اللحوم وشبكتي كهرباء ومياه حلوة ومالحة مع مراعاة شكلها الأثري والتاريخي". وبلغت الكلفة النهائية للترميم 700 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 35 ألف دولار. وتستخدم الصالة الرئيسية المجهزة لإقامة الحفلات والموالد مقابل أجور رمزية.