الكتاب: دراسات في العلاقات المسيحية - الاسلامية. الكاتب: محمود أيوب اصدار: منشورات مركز الدراسات المسيحية الاسلامية، جامعة البلمند، 2000 نسأل أنفسنا، كيف نساعد المسيحيين والمسلمين على التفكير المنطقي السليم في دينهم وعلى التحاور داخل وخارج تراثهم الثقافي الديني؟ ويقودنا التفكير دائماً الى دراسات الأديان المقارنة والعمل على صوغ لاهوت أو علم كلام تحررّي لا قمعي ينطلق من تراثنا الايماني المسيحي والاسلامي لأننا "مدعوون الى استيعاب كلمة الله وتجديد فهمنا لها في كل يوم من أيام حياتنا. "بهذه الروح الخالصة للحوار الحسن يأتي كتاب الدكتور محمود أيّوب "دراسات في العلاقات المسيحية -الاسلامية" كأنه جرعة دواء تكاد لا تكفي ليس لأن المقالات داخل الكتاب غير وافية بل لأن شفاءنا الروحي يلزمه معاينة على المدى الطويل. أهمية الاثنتي عشرة مقالة التي اتاحها لنا محمود أيوب استاذ الاديان المقارنة في جامعة تامبل - فيلادلفيا بترجمتها الى العربية تتوقف على مدى استيعابنا لها كمقالات موجهة الى القارئ الغربي. فقد نشرت المقالات بين السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين في كتب ودوريات لها جهدها العلمي وتتمحور حول التعددية الدينية عموماً وبالأخص حول مفاهيم مشتركة بين اليهودية والمسيحية والاسلام. كتاب مثل Christian - Muslim Encounters أو دوريات أكاديمية مثل The Muslim World أوIslamochristiana تقول لنا أشياء كثيرة منها ان الغرب اقل خوفاً منا وأكثر بحثاً ودراسة وبشتى الطرق في تراثنا الديني واللاهوتي. أقصد نحن لا ندرس تراثه الديني واللاهوتي بالقدر الذي يفعله هو. وأننا بعدم قراءتنا الجدية لمقالات كتبت في هذا المناخ نقع تحت طائلة المسؤولية التي ستنتجها جهالتنا واستخفافنا بالتعاطي الأكاديمي للشؤون الدينية. المقالات في كتاب محمود أيوب قسمان: عنوان القسم الأول "نحو خريستولوجيا اسلامية" ويحتوي على ست مقالات يتمحور معظمها حول الاعتراف بمكانة أصيلة، قائمة على حقيقة ان للسيد المسيح في الوجدان الاسلامي شخصية ديناميكية، تظهر جلياً في القرآن الكريم والتراث الاسلامي. فتبحث المقالات في "معجزة السيد المسيح"، "دراسة للفظي ابن وولد في القرآن والتفسير"، "صورة السيّد المسيح في الأدب الشيعي المبكّر"، ودراسة حول "موت السيّد المسيح في أدب التفسير"، و"كلمة الله في الاسلام". أمّا القسم الثاني "في العلاقات والمفاهيم الاسلامية - المسيحية" حيث المواضيع تتمحور حول مفاهيم اشكالية لدى المسيحيين والمسلمين على حدٍ سواء فيبحث في موضوع "الذمة في القرآن والحديث"، "الشهادة في المسيحية والاسلام"، "مفهوم الفداء في المسيحية والاسلام"، "السقوط والفداء في اليهودية والمسيحية والاسلام". ثمّ كما صدّر الاستاذ ايوب الكتاب بمقالته نحو التجربة الدينية عند الأديان الكبرى السماوية وغير السماوية ليسمعنا "كلمة الله وأصوات البشر" يختم الكتاب بمقالته حول "الاسلام وتحدي الحوار بين الأديان". سأراجع مقالة "الاسلام وتحدي الحوار بين الاديان" ومراجعة المقال ستعطينا صورة كافية عن منهجية الاستاذ ايوب في التعاطي مع هذه القضايا الحساسة. ويبقى ان ننتظر ردة فعل كل من الاتجاهين، أقصد الاتجاه الأكاديمي والاتجاه اللاهوتي نحو هذه المنهجية في الدراسات المسيحية والاسلامية. يذكرنا بأن نتوصل الى وفاق ايماني وان نذكر انفسنا وأوطاننا ومجتمعاتنا بأن ولاءنا هو لله وحده وليس للمؤسسات الدينية التي هي من صنع الانسان. وهذا هو بالأساس التحدي القرآني الأول في الآية الكريمة: "قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سَوَاءٍ بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله". أما التحدي القرآني الثاني، يقول أيّوب، فهي في كون كلمة الله غير محدودة بالزمان والمكان ومنفتحة باشعاعاتها على قلوب المؤمنين. وعلى رغم أن كلمة الله تفوق إدراك البشر، غير أننا مدعوون جميعاً الى استيعابها وتجديد فهمها لنا في كل يوم من ايام حياتنا كما يعبر عنها في الآية الكريمة: "ولو انّما في الأرض من شجرةٍ اقلامٌ والبحر يمدُّهُ من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت كلمات الله". وفي مقالة أيوب "إله واحد وأديان متعددة: حول الاسلام وتحدي الحوار بين الاديان" التي كتبها اساساً في 1989 يرينا ايوب الآيات التي يشدد بها القرآن الكريم على أن الله ارسل لكل أمة نذيراً أو نبياً ليقودها الى "الله والصلاح" القرآن 4/165 وأن الانسانية خلقت "من نفس واحدة" القرآن 4/1 وأن الناس خلقت "من ذكر وأنثى" "وشعوباً وقبائل لتعارفوا" القرآن 49/13. هذه الآيات التي تكرس شمولية أو عالمية الاسلام واضحة في الآيات التي دعا اليها القرآن الكريم أهل الكتاب، اليهود والمسيحيين، الى "عبادة الله وحده" والى "الجدال الحسن والحكمة والموعظة الحسنة" وتتكرر الدعوة في مكانٍ آخر الى "كلمة سواء بيننا وبينكم"، ويعتقد ايوب ان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي ترأس، بعد الهجرة الى المدينة، كياناً سياسياً فيه مسيحيون ويهود، لم يكن يتوقع من اليهود والمسيحيين ان يصبحوا مسلمين، بل كان يرجو ان يقروا بنبوته وبأن القرآن الذي جاء به هو من عند الله. لذلك ينتقد ايوب بعض المسلمين الذي لم يدرك جيداً تعليم القرآن الذي يؤكد على الوحدة الانسانية وتنوع الأديان والحضارات. ويذكرنا باللحظات البراقة في التاريخ الاسلامي - المسيحي والحوار الاسلامي - اليهودي - المسيحي حين تقبل المسلمون الكنائس التي لم يتقبلها الغرب ولم يعد لها وجود اليوم كالنساطرة واليعاقبة وغيرهم" وحين عاش اليهود في ظل الاسلام مرحلة زاهرة بالعلم والثقافة في كل من اسبانيا والشرق الاسلامي. لكن للأسف هذا التاريخ بالإجمال كان حافلاً بالنزاعات والعداوات والنضال، لذلك يقترح ايوب اننا مجبرون ان يحترم واحدنا الآخر، بل يكرر بأسف: "ان المسلمين لم ينهضوا دوماً بالالتزام بتعاليم دينهم، أكان ذلك في منحاه الانسانوي أو حتى في غناه الروحي". ثم يحدد الهدف الاساسي من الحوار بمراحل. أولها: ان نتعارف. فعلى المسلمين ان يعرفوا ان المسيحيين يعبدون إلهاً واحداً" وعلى المسيحيين في الغرب خصوصاً ان يعرفوا ان المسلمين لا يعبدون محمداً وأن الاسلام ليس دين السيف بل دين التوحيد" ثانيها على المسلمين المسيحيين ان يدركوا أننا وصلنا الى ما نحن عليه معنوياً وروحياً بفضل الرؤية الاخلاقية والروحية التي بشر بها انبياء العهد القديم. ويصر اخيراً على "الشراكة الايمانية" وهي الهدف الاسمى للحوار الذي "يتم عندما يتعمق ايماني كمسلم عبر ايمان المؤمنين المسيحيين أو غيرهم من أهل الأديان. فهدفنا المشترك لا يكون اذاً في أن اقنعهم أنا بالدخول في ديني أو ان يقنعوني هم بالدخول في دينهم، بل ان نسعى معاً لرؤية عمل الله في تاريخنا وثقافتنا". ويأمل أيوب في أن يستعيد المسلمون تراثهم الروحي والانسانوي، إذ من دونه يكون الاسلام جسداً لا قلب له، وديناً لا روح له. الكثير من القضايا أو التصريحات التي بسطها أيوب جديرة بالبحث بل تستحق عقد ندوة لمناقشتها حتى نطهر عواطفنا أو نتخلص من عقد نفسية بافساح المجال امامها للتعبير عن نفسها تعبيراً كاملاً. وأمامنا ندوة ستقام الأسبوع الجاري في "المعهد العالي للدراسات الاسلامية" في بيروت لمناقشة هذه الدراسات ويترأس الندوة كل من رضوان السيد والأب سمير خليل. يبقى ان نسأل الغرب الذي كتبت لأجله المقالات وفي لغته على يدّ الدكتور محمود أيوب الذي نشأ وقرأ في التراثين المشرقيين المسيحي والاسلامي ويقول: إن تبجيل الاسلام للمسيح ومريم ليس لإرضاء المسيحيين لكنه جزء من العقيدة الاسلامية. يبقى ان نسأل بالمقابل عن مكانة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في وجدان المسيحية الغربية تقابل الخريستولوجيا الاسلامية التي عرّفها أيوب للقارئ الغربي وعززّها لنا في هذه الترجمة العربية. الكاتبة أكاديمية في جامعة تورنتو - كندا.