في "مائيات صغيرة 1989" وفي "مائيات صغيرة 2000" يواصل عدلي رزق الله رحلته، ولكنه هذه المرة ينصاع، ويعود ممتثلاً، الى هاجس قديم ظل يراوده سنوات طويلة، يتأبى عليه غالباً ويطاوعه قليلاً، أعني بذلك هاجس "النمنمة"، أو هاجس الوجازة والدقة ولا أقول غواية التصغير. وهي ظاهرة أخذت تؤكد وجودها في الفترة الأخيرة عبر أكثر من ساحة من ساحات العمل الإبداعي، في الشعر الحداثي وفي "القصة - القصيرة" وفي الكتابات "عبر النوعية" التي تشتمل على الأجناس الأدبية القديمة المكرسة وتستلهم الأنواع الفنية بمواضيعها المألوفة، وتتجاوزها إلى ما يضمها ويفارقها وبذلك يغايرها. ظاهرة تتطلب التأمل، وتقتضي السؤال: لماذا؟ لماذا هذا التركيز والتقطير إذاً؟ هذه الوجازة، هذا الحيز الذي لا أقول إنه مضغوط، ولا أقول إنه ضيق ولا محاصر، بل أقول إنه محكوم النمنمة، ولا أقول إنه مهفهف أو هضيم فهو، في حيزه هذا، قوي الأساطين وجزل، وأيد الأركان.. لماذا؟ ذلك أن إيجاز العمل الفني هنا لا يعني أنه "صغير"، إنني لا اقبل وصفه أنه صغير إلا على سبيل التوصيف الظاهري. فهذه الأعمال - في فنون الكتابة وفي الفنون التشكيلية سواء - ليست صغيرة القيمة ولا صغيرة الدلالة، بل هي أعمال في ثناياها أو تخطيطاتها، أو تجسيماتها الدقيقة إمكانات شاسعة، لا من حيث "الإيحاء" فقط وفي هذا وحده بلاغة نادرة بل من حيث "التحقق" الفعلي، في طياتها الملمومة الوثيقة انفساح وسعة وشساعة لا يمكن إنكارها، بل فيها شموخ أحياناً وسموق يبلغ مبلغ الصرحية الشاهقة. هذا الحجم إذاً ليس "تصغيراً" ولا اختصاراً، ليس اختزالاً ولا هو تقليل وانتقاص، بل يمكن أن يكون تاماً - وأحياناً، كاملاً - في حدود ذاته، وشديد الثراء - والتراكمية أيضاً، على الرغم - أو بسبب - هذه الوجازة نفسها. فلماذا؟ لماذا إذاً الحيز الوثيق؟ لن أركن لحظة واحدة إلى التعلاّت العملية البراغماتية، من نحو ضغوط العصر وازدحام إيقاع الحياة واعتبارات السوق ونحوها. فهل أجد سبب هذه الظاهرة في أن هذا "النص - التشكيلي" بذاته، بما فيه من احتشاد، من جدة غير المتوقع، من شعرية التكثيف، ومن مفاجأة التكشف والاقتحام أحيانآً، ما يجعل قيمة الصدمة فيه أكبر وأقوى من أن تُحتمل، لو أنها تفجرت في ازدهار شساعتها الكامنة بالقوة، ولو أطلقت لها أعنة جموحها، بكل انفساحها الحقيقي. فلعلها أن تكون من الطغيان والعرامة بحيث لا تطاق، بأي قدر من السهولة، بحيث يمكن أن توقف عملية التلقي نفسها، فترفض أو تنكر أو تدان. لك أن تتصور أياً من مائيات عدلي رزق الله هذه التي يسميها "صغيرة" في كل شراسة إمكاناتها الملمومة وقد اتخذت مساحات لوحاته "الكبيرة" المعتادة، وأن تتصور قيمة طغيان الصدمة عندئذ. في هذه "المائيات الصغيرة" لا يني الفنان يعود الى ساحات هواه القديمة المتجددة أبدا يجوس فيها من جديد ولعله يوفق إلى لُقى جديدة تلقي ضوءاً خلفياً باهراً على إنجازاته القديمة أو على إرهاصات بأعمال قادمة. وهو لا يني يعالج تقنياته الأثيرة التي نعرفها عنه، في التلوين والتكوين، في تجسيد الأكواريل وعضويته، أو حشويته، أو لحمية المائيات، وفي استنباط قيم الألوان في "الأبيض" أو "الأسود" قيم النصاعة والشهوق أو قيم الشهبة أو العفرة أو الصهبة أو الدرية اللؤلؤية في الأبيض، وقيم السواد الأربد أو الرمادي الأصحر أو الأقهب أو حتى الأسحم الكامل النقي. وما زال يعتمد ثنائية البؤرة، وثنائية التقسيم العرضي أو الطولي للوحة، أو التشكيل المفصلي لها، وما زال - كما كان شأنه في "البلوريات" يعود إلى بلوريات جديدة تنبثق فيها اللوحة بحركة كأنها فطرية الآن من فرط كمال تقنيتها، من المركز إلى المحيط، من بؤرة داكنة إلى محيط مضيء، أو على العكس من مركز رحمي متوهج إلى محيط دائري مسود قابض وكأنه على عكس كل معتاد محيط كظيم ومكتوم يحيلك إلى غور سردابي متلألئ بالنور أو متقد الاحتدام. ما زالت تنويعاته بإحكام على تشكيلات الدائرة غير الكاملة والمتحركة باستمرار، وتشكيلات المخروط الاسطواني أو شبه المخروط المحتشد بمادته أو المثلث المجسم المتغضي أو التشكيل الهرمي. ومع ذلك، وعلى إحكام الحيز، فإن خاصيته من أعماله الماضية تتأكد هنا: خاصية التمزق المحكوم، أو اتساق الأشياء، شلواً شلواً، في كل واحد غير مقسوم. فكأننا - على السلم المجازي الانفعالي - نشهد تبلور قسمات أساسية كانت مضمرة في الأعمال الأخرى. إذ نجد التفكك أو الانفصام التشكيلي يوحي لنا بالانفجار الوجداني - ولعله الغضب الكظيم أحياناً، أو الصبوات المصفاة أحياناً أخرى. ولكن تماسك اللوحة النهائي هو الذي يقول - بينما لا يقول قط - إن ثمة حناناً أو حبّاً في الكون لا شك فيه، وليس فقط في التكوين. في مرحلة أولى من مراحل "المائيات الصغيرة" سوف تسود توافيق وتلوينات متمازجة، وتزاوجات هي تنسيقات نغمية ناعمة من الأبيض والأشهب، والأخضر الفاتح جداً، والأصغر الدري المصفى الذي نفيت عنه كل شبهة نباتية، لحميتها قد تشربت بها كينونة رخامية أو مرمرية، وما زال للأبيض وجوده الأساسي في هذه اللوحات - المنمنمات الأولى، وما زال لمفردات المثلث أو المخروط سيادتها بما يوحي، من بعيد، بسيقان لحيمة، أو بأفخاذ عمدانية. كما لعله يوحي بهياكل عريقة مكرسة لطقوس بدائية وقائمة أبداً، أو بمعابد مقدسات شبقية عنيدة، فيما تشغل الدائريات خلفية التكوين، بنسب أصغر وأبعد وأهون وزناً ولكنها حتمية وضرورية بشكل نهائي لوجود هذا الاتزان في اللوحة، وهذا الثبات في المكان، الذي لا غنى عنه للدرامية الانفعالية المحكومة بما يوحي أن الرأس الأنثوي، والشعر النسائي الوحف الخصيب الذي يبدو سابغاً وشاملاً على "صغر" حجمه، والوجه الكوني المطموس الملامح لأنه غير متعين بل هو يتجاوز كل ذات ويشتمل على كل ذات، هذه كلها هي التي تساند وتقيم طغيان الجسدانية الكونية المشارفة على الفضيحة - والفضيحة قيمة إيجابية لأنها هتك لأستار المداجاة والمداراة والكذب على النفس وعلى الآخرين. هنا صفا العمل الماضي وطهر وكثف أو قطر، وأشبع أيضاً في حيزه الذي لا أصفه لحظة واحدة أنه محدود بل أؤكد مرة أخرى على لا محدوديته. التشكيل أو التكوين هنا - وفي سائر المائيات الصغيرة - يرتكز على بؤرة - بل على إبرة مركزية، تنفجر منها اللوحة - كأنما يتفجر الوجود - في شتى التجليات بعلاماته العضوية - الصخرية ، الجسدية - الكونية التي نعرفها عن هذا الفنان حق المعرفة. لكن هذا الصفاء الشفاف، أو تلك النقاوة الطهرانية بمعنى من المعاني سوف يتحول وشيكا إلى نوع من الحمأة الخصيبة الكثيفة، كأن فيها قواما نباتياً أو طحلبياً، أو غضير العشبية، وسوف يعنف الأحمر ويدكن، وبدلاً من انبثاق مرهف النار في ركن رخامي مرمري مبيض، سوف ترتفع قيمتان متساويتان، إذ تصبح البؤرة المفتوحة مشقوقة وقاتمة، كأنها ثمرة جميز هائلة وناضجة تنبض بالطلب، هي تجسيد حي للحشا الحميم، بنوع من الكمدة المخضرة الفيروزية القاتمة المبطنة بدموية متقلبة مكتومة. أما القيمة التي تعدل ذلك الغوص الجسداني فهي معمارية التكوين - أو صرحيته - التي تعهدها عن الفنان، سعياً الى توازن عمله وتمام موسيقيته. إن الصرحية هنا تنتقل إلى مجمل تشكيل اللوحة، وتمنحها شموخاً ورسوخاً، بينما كان في مرحلة أولى يتركز على القسم النحتي في التشكيل، وصخرية السيقان فحسب تتحول إلى صرحية الكيان كله الذي يصبح، من ثَمّ، تشكيلاً صرحياً مركباً ومتجاوباً، في داخل إطاره الدقيق الذي ينسينا، بذاته، أنه إطار، وأنه رقيق، فهل يصح أن أقول إننا من هذا الإطار نلقي نظرة تتفتح لنا بها أكوان شاسعة ورأسية الأوطاد؟ وهل يحق لي - كما يحق لأي أحد تأويله الممكن - أن أجد صروحاً سلتية Celtic Monuments في داخل - خارج الأطر، مكرسة للجسدانية والنشوة الحسية والصوفية معاً؟ وهل يحق لي - كما تحق لأي أحد رؤيته - أن أرى في هذه المادة أنثوية العالم نفسه؟ إن التشكل التشخيصي الأنثوي الذي لما تكد اللوحة توحي به من غير سفور الإفصاح يختفي مرة خلف صخور الثديين الهائلين، ويتوارى مرة خلف مادة الساقين. وهو، هو نفسه، الذي يرتكز الآن، ويستقر، بدلاً من نوع من التوتر والتوفز والتفتح القلق في مراحل سابقة. أما الرؤية اللونية فانظر إلى صفرة الياقوت التوباز المقطرة وأنظر فيروزية اللازورد الضخم البدائية، إن الخشونة التي توحي بها صخرية المادة تنعمها نقاوة وتمازج الألوان المستنبطة، بفرادة معينة، من أحجار الكون الكريمة. ولكني أرى وراء الفخذ أو النخلة أو الهرم كما أرى العمود الهيكل، وعبر الأشلاء الأنثوية الصخرية مجردة أو مجسدة، مفكوكة عبر فجوات من الأبيض الصافي الأبيض هنا ليس فراغاً بل عنصر تكوين أرى بعد ذلك كل هذا التوازن الذي يوثق إطار اللوحة، ولعلني كنت أفتقده في كثير من اللوحات القديمة "الكبيرة". تأتي بعد مجموعة، أو فلك من اللوحات في مجموعة مضاجعات أو يابانيات مثلاً لعلها تستكين إلى نوع من "الرومانسية الصارمة" أو الشعرية المصفاة من عرامة اللحمية، فهل يأتي صفاؤها - فقط - من صغر المقاسات، وإيجاز اللون؟ أستطيع أن أراها وقد كُبّرت - أو استعادت كبرها وكبرها - فأجد الصفاء ساحقاً، حقاً، وأجد الشعر يكاد لا يحتمل. في هذه المجموعة نغمة تجريدية أو توشك أن تكون تجريدية، التشخيص فيها ينأى بعيداً، وفيها لونية موسيقية خاصة، لها رنين بلوري صاف كأنه صدى الكريستال الموقع. وتسود اللوحات إيحاءات بالسحاب أو الغيم، وإشارات ناعمة بنوع من النباتية المُبطنة بأنوثة شفافة خلصت من حوشيتها التي سوف تستعيدها بكل اضطرامها، بعد قليل. ومع ذلك فإن الملحوظ في كل عمل رزق الله هو حسية اللمسة اللونية، ولا يكاد يقارب الخاصية النحتية فيه، بالإضافة إلى معماريتها، أعني خشونة اللمسة أو نعومتها، وحضور "مادة" اللون، حضوراً فيزيقياً يكاد يكون له استقلاله، أي وجوده بحقه هو، لا باعتباره أداة أو وسيطاً للتعبير، بل باعتباره وجوداً وكياناً لا ينفصم عن مضمونه المكنون المنصهر في مادته بلا انفصال. في "المائيات الصغيرة" نوستالجيا الى البللوريات المائية، الكبيرة، حنين إلى العودة الى مراتع إنجاز فني خاص طالما ذرعها الفنان وعاد منها بلقاه الخاصة. وفي البللوريات صغيرة أو كبيرة، سوف نجد الفنان يعالج إحدى غواياته الأثيرة التي قلت عنها مرة: كيف يصبح الحجر عضوياً؟ كيف تكون الجسدانية رخامية؟ وهو هنا يتناولها بشكل صريح فإنه في مجمل أعماله لا يكف عن تناولها مرة بملء اليدين ومرة باللمس الرقيق، سواء. ولكن ما يستدعي النظر هنا، ربما، هو خصوصية جديدة، قديمة. فها هو ذا يعود، على نحو آخر، إلى قيمة الوردة - القوقعة - الرَحِم إذ نجد إيحاءً نباتياً وهل أقول: ونوعاً من النباتية المورقة وخاصة في مجموعة "زهور المحاياة الصغيرة 2000". نجد هذا الالتفاف الذي نجده في تضام، وتفتح أزهار وثمار - مترعة بعصارة جنسية ومرققة في الوقت نفسه إلى حد البللورية؟ أهي هنا، في تلك المجموعة، أم في سائر عمله، تلك الأنثوية التي تتجلى في حلمات الثمار المكتترة، وفي أثداء الفاكهة المشبعة بالحنو والشهوية معاً؟ ولن نخطئ بالطبع أن نجد التقنية التي طالما عرفناها عن الفنان، تلك البؤرة الكثيفة الداكنة في المحيط الفاتح الرقراق، أو على العكس البؤرة الشفافة أو الفاتحة أو المضيئة في قلب تكوين محيطي داكن مربد أو صريح القتامة والسواد. تذكرني هذه المنمنمات بأشعار الهايكو اليابانية، في وجازتها ونفاذها معاً، كما تذكرني في الوقت نفسه بخطوط الفن الياباني والصيني التي تجمع بين التعبير البليغ والاختصار البليغ، التي تبتعث عالماً كاملاً من بضعة خطوط - هنا بضع ضربات من فرشاة الألوان المائية. ففي مجموعة أولى من "مائيات صغيرة 2000" يطلق عليها الفنان وصف "مضاجعات"، يمتعنا ما يمكن أن أسميه شفافية الشهوانية، أو أزهار الشبقية المضمرة، فما زالت "الأنثى"، في سرها المكنون المفضوض معاً، هي ينبوع الإلهام التشكيلي ولكنها في هذه المرة تزدهر وتينع بانبثاقات توشك أن تكون نورانية صرفاً، أو روحانية بحتة، من تفتح أشكال مصفاة من أزهار أو أوراق ورود تنبثق من رحم الأنثوية وتدحض جسدانيتها. وفي هذه الألوان الجرىئة، يوحي فعلاً بألوان الشرق الأقصى، وهي ألوان طاهرة صوفية تقريباً. أما مجموعة "البلوريات" فما زال هاجس الأبيض الكريستالي يراودها بل يسيطر عليها، وما زالت البؤرة الرحمية المتقدة هي بؤرة اللوحة حتى لو جاءت في موقع من اللوحة ليس هو القلب ولا الوسط وما زالت أشعة من الأشواق الحارة تشتعل، نداءات من ألوان ممتزجة تميل كلها إلى رماديات صافية الشُهبة، أو مضرجة بوردية خفيفة، مما يضفي على اللوحة ثنائية منسجمة هي من صميم خصائص فن عدلي رزق الله، ثنائية السلام والسكينة ولا أقول الاستكانة من ناحية، والعنف والعرامة من ناحية أخرى. ثنائية بين نزعة تجريدية ونزعة عضوية معاً. لم أكن بعيداً عن الصواب، ولم أكن أعرف أنه سَمّى إحدى مجموعات هذه المائيات "يابانية"، هذه الأطياف التي تجنح إلى طول مسرف، بألوان تضرب إلى البنفسجيات والرماديات واللازورديات كلها محلقة في خلفية بيضاء أو سحابية البياض، كأنما فيها متعة أكثر من نباتية، وأكثر من تجسيدية، كأنما تصبو - هذه الكائنات التشكيلية المرهفة - إلى ما يفوق مجرد انبعاث إيحاءات معينة، وإن كان فيها في تقديري طموح إلى تأسيس جو عُلويّ ومتسام يخترق حدود التجسيد - بنعومة كاملة. من اليابانيات يعود الفنان إلى زهور المحاياة وإلى مجموعة يسميها "زواج" وليست لوحات "زواج" بعيدة عن لوحات "مضاجعة" لا يمكن أن تكون! ففيها هذا الاقتران الحميم بين شفافية البلوريات وعضوانية الإيحاء بالتجسيد، وتنبع الازهار أحياناً بألوان شرسة وشديدة الحرارة من شقوق صخرية أو من اشتعالات بركانية انظر زهور المحاياة، وتتزواج بالفعل مساحات لونية صعبة التزاوج ويسيطر الفنان دائماً على ثنائياته المأثورة من التجريد إلى التجسيد، ومن الإيحاء بنضارة زهور المحاياة إلى الإيحاء بصلابة البلورة، أو ما أسميته "بضاضة الصخور". مجموعة "زهور المحاياة" استكمال وتنمية لتيمة تشكيلية ما زال الفنان يعود إليها - كلنا تراودنا تيمات تتملكنا ونحاول أن نتملكها - والتيمة هنا هي نفسها تيمة "الحياة التي تتحدى الموت" والبكارة التي تقترن بالكثافة، لا في الإيحاء التي تخضع على أي حال لتأويلات ممكنة كثيرة، ولكن في اختيار وتضريب الألوان، وفي تكوين اللوحة من حيث توزيع الثقل أو الوزن التشكيلي بين القاعدة التي هي غالباً ما تكون راسخة قوية وبين القمة أو ذروة اللوحة العلوية وهي غالبا ما تكون هفهافة. ولكن هذا التوزيع لثقل مكونات اللوحة ينقلب وينعكس من دون أن يُخل ذلك بالتوازن المحكم فإذا بالقاعدة لدنة أو مسحوبة القوام نحيلة وإذا بالشق العلوي من اللوحة محتشد و"ثقيل" التلوين بالبنفسجيات أو الفيروزيات أو بها جميعاً، وإذا بجسم الزهرة أو ساقها أثقل من جذرها أو أساسها. وهكذا، مما يعطي حساً بتحدي المتناقضات والغلبة عليها، أو في تأويل ممكن هو سيطرة الحياة اليانعة على جمود المادة غير العضوية. في مجموعة "مصريات" يعود الفنان والعود أحمد إلى تيمة الهرم والنخلة معاً وهو يطور لهما تشكيلات جديدة أقرب إلى المزاج العام لمائيات صغيرة 2000، أعني مزاج الشفافية والجنوح إلى تنوير، أي تضويء اللوحة، أي الانسياق إلى غواية الأبيض التي تأخذ بُلب الفنان في هذه المرحلة من استكشافاته أو من استغراقاته التي يمكن أن أرى فيها نوعاً من الوجد بما هو غير أرضي وغير مملوء بالعضوية. * روائي مصري. المقال جزء من دراسة طويلة عن الرسام عدلي رزق الله.