يتساءل الامير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في كتابه "مقاتل من الصحراء" عن الدوافع التي حركت صدام حسين لغزو الكويت.. كيف بنى حساباته؟ وما هي اخطاؤه وسلبياته؟ هل كان مدفوعا بطموحاته السياسية ام بحاجاته الاقتصادية؟ وهل كانت نية الغزو لديه نية مبيتة ام وليدة ازمة طارئة؟ هل كان ضحية مؤامرة أم أنه وقع في مصيدة نصبت له باحكام؟. وهو يرى ان هذه التساؤلات وكثرة غيرها ستظل تشغل بال المؤرخين والمحللين لسنوات مقبلة، وربما لا توجد لها اجابات شافية ابداً، وربما اضطررنا الى الانتظار ريثما تكشف الحكومات وثائقها السرية. ربما كان هناك شخص ما، لا نعرفه على وجه التحديد، هو الذي اقنع صداماً بجدوى غزو الكويت، وربما كان مصدر هذا التحريض من داخل العراق نفسه او خارجه. ولكن الامر الذي لا شك فيه ان خيارات عدة طرحت على صدام، شأنه في ذلك شأن معظم القادة، لكنه هو الذي اخطأ الاختيار في نهاية المطاف. فمسؤولية اتخاذ القرار بغزو الكويت تقع على عاتق صدام وحده.. ويمضى الامير في كتابه فيحدثنا عن مصادر المعلومات في حرب الخليج. ويدهشه اعتماد الاميركيين في جمع معلوماتهم اعتماداً كلياً على التقنية الحديثة، مثل الاقمار الاصطناعية للمراقبة والتنصت على الرسائل اللاسلكية وما اشبه ذلك، وانهم لا يعتمدون على المصادر البشرية الا نادراً. وكانت تلك نقطة ضعف وقوة في الوقت نفسه... "ذات مساء، واناجالس مع شوارتزكوف، قدم اليّ تقريراً عما قاله صدام اثناء اجتماع له مع كبار قادته سألته: هل انت متأكد ان هذه كلمات صدام؟ من اين لك ان تعرف؟ وما مصدر هذه المعلومات؟ رد شوارتزكوف بهالة من الاعتداد والغموض - لو ان صدام تفوه بكلمة واحدة فقط لسمعناها. ويتساءل الامير في نفسه.. هل كان شوارتزكوف يحاول اثارة اعجابه او ابهاره؟ هل كانت اميركا قادرة بالفعل على وضع صدام تحت الرقابة الدقيقة؟ ان الاميركيين على رغم التقدم الهائل الذي حققوه في مجال الالكترونيات الا انهم عجزوا عن التنبوء بغزو صدام للكويت. وقد دفع العالم كله ثمناً غالياً لهذا العجز. والجديد في الكتاب هو تضفير الاحداث التي وقعت والحديث عنها وكشف اسرارها، ووجود ما هو عسكري وما هو انساني في الوقت نفسه... وهذه العين الناقدة التي ينظر بها الامير الى الاحداث، وهذه العدسة القادرة على جمع المتناقضات وتقديم القصص الرئيسية، والقصص الهامشية التي تستطيع ان تجسد ما وقع في الحرب من عجائب. اخبر شوارتزكوف الامير ذات مرة ان اثنين من جنوده جرحا حين اطلقت سيارة مسرعة عليهما عيارات نارية عدة، وادعى الجنديان انهما كانا هدفا لهجوم ارهابي. وثبت بعد التحقيق ان الجنديين هما اللذان اطلقا النار على نفسيهما لتفادي الذهاب الى الخطوط الامامية في الجبهة. وحذرت شوارتزكوف لو ان وسائل الاعلام علمت بالخبر ولمحت ان هذا الحادث يعد بادرة اولى لعدم رضى الشعب السعودي عن وجود القوات الاجنبية، فسوف يعلن الامير حقيقة ما حدث على الملأ. واسدل الاميركيون الستار على الحادث، ولم يذكروا عنه شيئاً، فالتزم الامير الصمت، واصبحت القصة في طي الكتمان. وقد تمخض الكتاب عن موسوعة "مقاتل من الصحراء". ويعد الكتاب هو المدخل المحدد لمعظم موادها، وهي تشمل قدرا كبيرا من القضايا والاحداث والمواضيع التي تهم الباحث والقارئ، في ميادين مختلفة. وحرصت الموسوعة على اعطاء الباحث العربي المعلومة الصحيحة المباشرة الدقيقة في اكثر المواضيع الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" من دون اصدار حكم فيها، لأن الموسوعة لا تصدر احكاماً بل تؤرخ وتوثق وتترك للباحث مهمة استخلاص النتائج والعبر ولا تكتفي موسوعة "مقاتل من الصحراء" بالمعلومات المختصرة، انما تجعل اكثر مواضيعها شاملة وافية مكتملة، كما تستعين بالاشكال والصور والخرائط والاحصائيات. بعد عامين ونصف من العمل الجاد، تم انجاز الموسوعة، وهي تصل الى مائة الف ورقة وخريطة وصورة منها 35 الف ورقة تعتبر وثائق، واشترك في اعدادها اكثر من 130 باحثا من 8 دول وبلغت عدد ساعات عمل الواحد منهم 7240 ساعة.. واخيراً.. ظهر هذا العمل الضخم الى حيز النور