باريس - أ ف ب - عرض علماء امس خريطة شبه كاملة للمخزون الوراثي البشري الذي يتضمن المكونات الدقيقة لجسم الانسان، مدشنين عصراً جديداً من الاكتشافات الطبية، ومثيرين قلقاً حيال انعكاساتها الاخلاقية. وأعلن مشروع "المخزون الوراثي البشري" هيومان جينوم بروجكت، الذي يشارك فيه علماء من 18 دولة، فك رموز 97 في المئة من المكونات الوراثية واعادة جدولة وترتيب 85 في المئة من المعلومات بصورة تسهل استعادتها والعودة اليها للبحث والمقارنة. واُعلن المشروع في العواصم اليابانية والبريطانية والفرنسية والاميركية بحضور مؤسس شركة "سيليرا جينوميكس" الاميركية الخاصة التي عملت بالتوازي مع المشروع. وتحملت الولاياتالمتحدة قسماً كبيراً من الجهد، وساهمت بحوالي 300 مليون دولار لانجاح المشروع الذي شاركت فيه كذلك المانيا والصين. وقال وزير البحث الفرنسي روجيه جيرار شفارتزنبرغ ان "فك رموز كتاب الحياة يشكل منعطفاً في مسيرة العلوم"، اُنجز بفضل استخدام اجهزة كومبيوتر فائقة القدرة ومعدات مخبرية شديدة الدقة عملت ليل نهار من دون توقف لترتيب 2،3 مليون قاعدة تؤلف الشريط اللولبي المزدوج للحمض النووي الريبي منقوص الاوكسيجين دي إن أي الموجود في كل واحد من 23 زوجاً من الصبغيات كروموسومات التي تحتويها نواة الخلية. ويأمل العلماء من خلال التمكن من كشف طريقة عمل المورثات، من تفادي او علاج عدد كبير من الامراض مثل الزهايمر وضمور العضلات والتقزم وبعض السرطانات ووهن العظام والتهاب المفاصل والربو الشعبي التحسسي وامراض القلب. كما يؤمل ان يوفر الانجاز ادوات مهمة للتشخيص بحيث يتمكن الاطباء من ابلاغ مرضاهم بانهم ورثوا امراضاً قد تظهر لاحقاً او تزول في حال اتبعوا نمطاً حياتياً معيناً. كما يمكنهم الكشف عن حساسيتهم لبعض الادوية. لكن الهندسة الوارثية لا تزال في بداياتها ولا يتوقع ان يتم التوصل الى ادوية "عجائبية" قبل سنوات من البحث بعد الانتهاء من اكمال الخريطة البشرية بنسبة 9،99 في المئة، وهو ما يتوقع ان يتم التوصل اليه قبل الموعد المحدد في 2003. ومن الانجازات المهمة التي يؤكد مشروع المخزون الوراثي البشري التوصل اليها هو تموضع المورثات في ترتيبات مختلفة يتوقع ان تكشف عن الاسباب التي تجعل بعض الناس اكثر استعداداً من غيرهم للاصابة بمرض ما. ويطمح العلماء الى ان يتمكنوا بحلول 2003 من التعرف على 100 الف من هذه الترتيبات المختلفة، وان كان يتوقع ان يتسع الهدف الى مليون بنهاية السنة. ولكن الضجة الكبيرة المحيطة بالاعلان لا تخفي القلق الناجم عن المشكلات الاخلاقية والقانونية التي تخبئها. ووجه وزير البحث الفرنسي انتقاداً مبطناً لشركة "سيليرا" بقوله ان "الاموال الحكومية هي التي ساهمت في جعل نتائج الابحاث متوفرة للجميع، وجعلت من المخزون البشري ملكاً للبشرية جمعاء بحيث لا يمكن لقلة ان تصادر المعرفة الوراثية". ومن المشكلات الاخلاقية التي يتوقع ان تبرز خلال السنوات المقبلة المخاوف من اساءة استخدام المورثات او السعي الى تكوين "بشر خارقين" يتميزون من ناحية الذكاء او القوة الجسدية. وهناك كذلك خوف من ان تتجه الابحاث نحو ارضاء قلة من الاثرياء، كالتركيز على اعداد ادوية للصلع والسمنة وليس على المشكلات الصحية التي يعاني منها اغلب البشر. والسؤال المطروح اجتماعياً، هو ما اذا كان ينبغي توفير المعلومات الوراثية الخاصة بالافراد الى ارباب العمل واصحاب العقارات وشركات التأمين، على سبيل المثال، خشية ان يؤدي ذلك الى ممارسة التمييز على خلفية الصفات الوراثية التي تكشف عن الاستعداد للاصابة بمرض ما.