في الحسابات كلها، هو آخر الباقين من ابناء جيل العصر الذهبي لكتاب السيناريو في السينما المصرية. امجاده الكبرى في هذا المجال تعود الى الخمسينات، ومع هذا لا يزال يضج بالنشاط والحركة. في مهرجانات السينما التي تقام في القاهرة، ويحضرها "الأخوة العرب" كما يسميهم، يكاد يكون احياناً السينمائي المصري الوحيد الذي يرحب برفاق الدرب والاشقاء ويسهر معهم حتى الصباح ويتطوع باخبارهم عن اخر حكايات السينما المصرية واحوالها. هو عبدالحي أديب صاحب عشرات السيناريوهات التي تحقق انطلاقاً منها بعض اهم الأفلام التي كانت علامات في السينما المصرية، لكنه هو يحب دائماً ان يتوقف عند فيلمين اساسيين كتبهما، أولهما ليوسف شاهين "باب الحديد" والثاني لعزالدين ذو الفقار "امرأة على الطريق". وليس في الأمر تفضيل، اذ، يقول عبدالحي اديب، لا يمكن أحداً ان يفضل ابناً من ابنائه على الآخرين، ولكن لأن هذا الكاتب الذي لا يتوقف عن القراءة يوماً يرى انه في ذينك الفيلمين الكبيرين، أسس لكتابة في السيناريو تخرج هذا الأخير من منحاه الأدبي لتعطيه ابعاداً بصرية واضحة ومؤكدة. اذاً، منذ الخمسينات والستينات، عرف عبدالحي أديب كيف يشتغل على حداثة الكتابة السينمائية بإعطاء اللغة البصرية طابعها الأساسي. وهو اليوم يعتب على كتّاب السيناريو "الشبان من ابنائي" لأنهم لا يزالون يعيشون في زمن الكتابة الأدبية للسيناريو. ولا يكاد الواحد منهم يعرف شيئاً عن الكتابة البصرية. في هذا الاطار يبدو عبدالحي أديب اكثر حداثة من ابنائه الكتاب جميعاً. والسبب؟ بكل بساطة، هو أن هذا المثقف الذي دخل السينما مصادفة، وكان واحداً من قلة من أهلها لم يعرفوا لهم مهنة في الفن السابع غير مهنة كتابة السيناريو، هذا المثقف يحب السينما وهو حتى اليوم، وقد جاوز السبعين من عمره، يشاهد اي فيلم جديد بعينين مدهوشتين وفؤاد يتطلع الى الأفضل. ولعله واحد من قلة من السينمائيين المصريين ترتاح اليه حين تشاهد فيلماً عربياً، غير مصري. فعبدالحي اديب يعتبر نفسه جزءاً من سينما عربية كبيرة وشاملة، ليس فقط لأن السينما المصرية هي، ويجب ان تكون اكثر وأكثر، سينما عربية في امتياز، بل لأن أي سينما عربية لا يمكنها أن تكون ثرية ما لم تأخذ البعد العربي الشامل في حسابها. وعبدالحي أديب يقول هذا من دون أن يضع نفسه، أو كلامه، ضمن حدود ايديولوجية معينة. فالرجل، على رغم مواقفه القومية وما يتذكره من نضالات شبابه، يفضل اليوم ان يقصر حديثه على السينما. فالسينما هي حبه الأول والأخير. وهو حين يتحدث عن اهلها يصفهم بأنهم ابناؤه، سواء أكانوا مصريين أم لبنانيين أم سوريين. وعبدالحي أديب يفخر اليوم بأنه عاش في أكثر من بلد عربي، وأن كان يحزنه ان يتذكر ان السينما التي اسهم، ككاتب، في تحقيقها، في لبنان الستينات مثلاً، لم تكن من النوع الذي كان يحب له أن يوجد. "معلهش" الدنيا "طلعات ونزلات" يقول بلهجة لبنانية طريفة، ثم ينكب على سيناريوهاته يكتبها بنشاط الشباب وبهمّة لا تهدأ. وآخرها يحمل عنواناً ذا دلالة: "مذكرات مراهقة". ترى هل يمكن سبعينياً آخر غير عبدالحي أديب أن يكتب عن المراهقة ويقنع؟ "عين