ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة، صدر للناقد السينمائي عصام زكريا كتاب «غارسيا ماركيز والسينما». ومنذ البداية يعترف المؤلف قائلاً: «لم أكن أتصور عندما فكرت في إمكانية تأليف كتاب عن علاقة الأديب الكولومبي الراحل غابريل جارسيا ماركيز بالسينما أنني في سبيلي إلى دخول متاهة لا أستطيع ولا أريد الخروج منها». ويقول زكريا: «لقد ظل غابريل غارسيا ماركيز (1927 - 2014) على مدار عقود من عمرنا أهم وأشهر وأقرب أديب عالمي إلى قلوبنا في مكانة توازي لأسباب كثيرة المكانة التي يتمتع بها نجيب محفوظ على المستوى العربي. ومثل نجيب محفوظ لم يكن غارسيا ماركيز أديباً ميتاً، كان يبدع وينشر أعماله وكنا نتلهف لصدور ترجمتها العربية ونتلقفها بمجرد نزولها إلى الأسواق ونقضي الساعات في الحديث عنها وتقييمها ومقارنتها بأعماله السابقة». ويضيف زكريا: «لم يكن غارسيا ماركيز كاتبا شبحاً لا نعرفه سوى من خلال كتبه بل كان حاضراً في المشهد الثقافي والسياسي العالمي وكنا نستمتع بقراءة حواراته وأخباره مثلما نستمتع بأعماله الأدبية». ويرى زكريا أنه كان طبيعياً أن تهتم السينما العالمية بغارسيا ماركيز، ولكن المدهش هو اهتمامه بالسينما الذي لم يقتصر على كتابة عدد كبير من سيناريوات الأفلام، ولكنه امتد إلى نشاطات أخرى مثل مساهمته في تأسيس مركز لتعليم السينما في كوبا - وفق رأيه -. ويفسر زكريا قائلاً: «ولسبب آخر مختلف ارتبط اسم غارسيا ماركيز بالسينما وهو أن ابنه الأكبر رودريغو أصبح مخرجاً لامعاً في أميركا اللاتينية وهوليوود، ورغم أنه لا يعمل كثيراً إلا أن الأفلام القليلة التي قام بصنعها كانت لافتة في طريق سردها وموضوعاتها والحساسية المختلفة التي تحملها». ويكشف لنا أن غارسيا الذي كتب ما لا يزيد على عشر روايات وأربع مجموعات قصصية له أكثر من خمسين فيلماً تحمل اسمه كمؤلف للقصة الأصلية أو كاتب سيناريو غير الأفلام التي تحمل اسمه كمشرف على السيناريو أو الأفلام الوثائقية التي صنعت عنه أو التي ظهر ليتحدث فيها. ومن بين هذه الأفلام المتنوعة وجدت فيلماً قديماً يعود إلى الستينات قام غارسيا ماركيز بكتابة السيناريو وساعد في مونتاجه وقام بالتمثيل فيه مع عدد من المشاهير منهم المخرج والمؤلف السينمائي الإسباني الكبير لويس بونويل. كما أن له العديد من السيناريوات التي حملت اسمه مقتبسة من أصول أدبية لكتاب آخرين بعضهم معاصرون له مثل خوان رولفو، وبعضهم قديم جداً مثل سوفوكليس. ويعرفنا زكريا أكثر بماركيز، ويقول: «كتب غارسيا ماركيز في بداية حياته المهنية كصحافي، عشرات المقالات النقدية لأفلام عصره هو الذي حضر العديد من المهرجانات الدولية مثل فينيسيا وكتب تغطيات عنها. كما أنه درس السينما وفكر في اتخاذها مهنة أساسية وقضى بالفعل سنوات في محرابها ككاتب سيناريو محترف. كما أن الباحث في أدب غارسيا ماركيز يمكنه أن يدرك تأثير السينما فيه خصوصاً في أعماله الأولى قبل «مئة عام من العزلة» وأن يرى كيف لعبت السينما دوراً ملموساً في تطويره أسلوبه المميز الفريد. إن أدب وسينما غارسيا ماركيز يحملان دروساً قيمة عن العلاقة العميقة بين فنون الدراما والفنون بعامة وعن الفروق بين الوسائط الفنية وعن الأساليب والتقنيات المختلفة وهي دروس مقيدة لكل من يرغب في العمل بالأدب أو السينما أو الكتابة عنهما». وينقل الناقد السينمائي عصام زكريا عن ماركيز، قوله «هناك أوقات فكرت فيها أن أصبح مخرجاً سينمائياً ودرست السينما في روما، ولكني أدركت أن هناك حدوداً في القالب السينمائي لا توجد في الأدب، وأصبحت مقتنعاً أن عمل الروائي هو أكثر عمل حر على ظهر وجه الأرض فأنت هنا سيد نفسك تماماً. مهما يكن شعرت أيضاً بأن السينما وسيط بلا حدود وكل شيء ممكن فيها، ثم ذهبت إلى المكسيك لأنني أردت أن أعمل في صناعة الأفلام ليس كمخرج ولكن ككاتب سيناريو. لكنني وجدت أن هناك عائقاً كبيراً في السينما وهو أنها فن صناعي صناعة كاملة وبالتالي فمن الصعب أن تعبر في السينما عما تريد التعبير عنه فعلاً، مع ذلك فلا زلت أفكر فيها، ولكن كرفاهية يمكن أن أقوم بها مع الأصدقاء من دون أن أطمع في التعبير عن نفسي فعلياً، لهذا فقد أخذت أتباعد وأتباعد عن السينما والآن علاقتي بها مثل زوجين غير متوافقين ولا يستطيعان الانفصال، ولكنهما أيضاً لا يستطيعان العيش معاً».