في شوارع دمشق القديمة وبين أروقتها وقببها تعشش القصص والآلام السرية في تفاصيل أمكنتها لتبوح بهمس عن حيوات مرت بها ولم تترك سوى الحزن. فعلى مر العصور، كانت دمشق مدينة الحب والنبل والقتل والدمار. ومن محنها الكبيرة كانت مرحلة حكم أسعد باشا العظم الذي حكم دمشق في بداية القرن الثامن عشر. وضمن هذه الأجواء، يصور المخرج أحمد دعيبس مسلسل "شام شريف" الذي يعكس بعض ما دار في دمشق، في تلك الحقبة، من أحداث مهمة، ومنها بناء قصر العظم المعروف واجتياح الجراد الولاية والصراعات بين الزوباوات والانكشارية وما جلبت من قتل ودمار لأهل المدينة. يجسد الأدوار في مسلسل "شام شريف" مجموعة من نجوم التلفزيون السوري منهم: جمال سليمان وعارف الطويل وفارس الحلو وكاريس ونادين وأندريه اسكاف. والنص من تأليف أحمد حامد، ومن انتاج المركز العربي للانتاج الفني طلال عواملة. "الحياة" زارت أحد مواقع التصوير في أحياء دمشق القديمة، وعادت بهذا التحقيق. المخرج أحمد دعيبس تحدث عن عمله فقال: "الأحداث تدور أيام أسعد باشا وتتناول بعضاً من حياته إضافة الى طرح هموم الشارع الدمشقي ومشكلاته، بعلاقاته الاجتماعية وتجانسه وحبه بعضه لبعض في تلك المرحلة عام 1743. والتصوير يتم في الأماكن الحقيقية في محاولة لمقاربتها من بيئتها الحقيقية على رغم أن معظم معالم هذه البيئة تلاشى". وأضاف"إن التعامل مع واقع العمل يحيلنا الى التجديد، وإذا تعاملت مع واقعي فسأقع في مطب التكرار. كل عمل أعطيه واقعيته كي أبتعد عن واقعي، فهنا نحاول العيش في أجواء دمشق في القرن الثامن عشر. وهنا لا أعيش كاميرا أحمد دعيبس بل أصور أحياء دمشق وزواياها، وباعتبار أن كاتب النص أحمد حامد راصد بيئي جميل يتعامل مع البيئة بطريقة حضارية، فنحن نجد أنفسنا في خضم البيئة الدمشقية". أما كاتب النص أحمد حامد الذي سبق له أن تعاون مع المخرج أحمد دعيبس في مسلسل "آخر أيام التوت"، فتحدث عن فكرة النص بقوله: "إن "شام شريف" يرصد مرحلة تاريخية في منطقة الشام، تعود الى أيام الوالي أسعد باشا العظم، هذه العائلة التي حكمت الشام أطول مدة ممكنة، قرابة 15 سنة وكيف بنى أسعد باشا قصر العظم الشهير وخان أسعد باشا على حساب أهالي الشام الذين كانوا يتضورون جوعاً ويموتون ظلماً وفقراً. وفي رأيي، إن تناول شخصية مثل أسعد باشا أمر مهم لأنها تركت أثرها في واقع المدينة طويلاً. ومرحلة الحكم العثماني مغمورة تحمل جوانب سلبية تركت انطباعاً من جهل وفقر وتخلّف امتد حتى أيامنا هذه". الفنانة كاريس تجسد في المسلسل شخصية "قمراية" البنت الفلاحة، أهلها من طبريا في فلسطين، وقدمت مع زوجها الى الشام كي يأخذا والديه ويعودا الى طبريا. وتعيش قصة ملاحقة من الرجل الذي كانت تعمل عنده، ما يحولها متشردة تتنقل من مكان الى آخر هرباً منه. وأثناء ذلك تتعرض لحادث يؤدي الى موت زوجها لتتحمل بعد ذلك مسؤولية تربية طفليها. والشخصية، كما تقول كاريس، جديدة عليها و"الجديد يكمن في تحمل مسؤولية الأطفال والهموم التي تعيشها قمراية، داخلياً لأنها لا تظهر على وجهها. وهنا تكمن مفاتيح الشخصية وقوتها في إظهارها إنساناً متألماً يسعى إلى التغلب على همومه بغية إسعاد غيره. وهي في الوقت نفسه شخصية شفافة وتتقاطع مع شخصيتي الحقيقية". الفنان جمال العلي يشارك أيضاً في "شام شريف" مجسداً شخصية التوفنجي، وهو ضابط عصامي يتابع قضية صالح، وشخصيته تعبر عن جانب من انعكاسات السلطة التي سيطرت في تلك المرحلة على مقاليد الحكم في دمشق. أما الفنان ناصر شبلي فيجسد شخصية عطايا الرجل الطيب الذي يحب الخير للجميع، ويعمل في الخان سائس دواب، ويسأل ما الذي يدور من حوله، فلا يجد إلا جواباً واحداً هو انه من الطبقة المقهورة وما يحدث لا يعنيه. ويجسد الفنان فهد السكري دور مبروك وهو من تبعة الخان وكان يسمى في ما مضى مكارياً، وهو كسائق التاكسي في زماننا ويعمل في الخان مربياً للحيوانات وخادماً لطلبات النزلاء. وتجسد شخصيته الانكسار النفسي والاجتماعي لطبقته الفقيرة. أما بالنسبة إلى الملابس فقد حاول مصمم الديكور والملابس أمين السيد العودة الى مراجع ووثائق تتناول القرن الثامن عشر لوضع العمل ضمن بيئته الحقيقية. وعلى رغم أن العمل يحاول تسليط الضوء على الجانب المظلم في تلك الحقبة، إلا أنه يرصد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية لبلاد الشام عبر مجموعة شخوص حكايات. فهناك خطوط درامية تطرح الظلم والبؤس للشعب، وخطوط اخرى تدخل في العلاقات الانسانية، من حب وصداقة، وجوانب اخرى تطرح الحس الوطني من خلال انتماء الناس إلى أرضهم ومحاولة النهوض بحياتهم الخاصة على الصعد كافة.