رأفت الميهي الكاتب والمخرج والمنتج، أحد السينمائيين القلائل الذين يناضلون في العمل السينمائي من أجل السينما. أسس منذ سنوات شركة "ستوديو 13" للإنتاج ليستطيع أن يقدم ما يرغب فيه كمبدع من أفلام، ويطرح موضوعات بحرية من دون الخضوع لحسابات رغبة المنتج في حشو بعض "المرطبات" كرمى لشباك التذاكر. رأفت الميهي دائماً مهموم بمشكلات السينما المصرية، ويسعى جهده إلى إصلاح المسار. بعد غياب قصير عن الساحة مذ حقق فيلمه "ست الستات" عاد إلى مزاولة نشاطه بتحقيق فيلم "علشان ربنا يحبك" في خطوة جريئة، يقدم فيها مجموعة من الوجوه الجديدة في بطولة جماعية. حصل أخيراً على حق استغلال ستوديو جلال، أحد أعرق ستوديوهات السينما المصرية، لمدة 20 عاماً، وبدأ بإعادة تصحيحه من جديد. وبين هذه المحاور ومشتقات منها تناقش "الحياة" رأفت الميهي. ما هي القضية التي تطرحها من خلال فيلمك الجديد "علشان ربنا يحبك" ولماذا اخترت أبطاله من الوجوه الجديدة؟ - الفيلم تجربة جديدة أحقق فيه ما يسمى بنوع من البكارة على الشاشة، لذلك استقدمت وجوهاً لم تظهر قبلاً أمام الكاميرا، كممثلين وممثلات، وكذلك خلف الكاميرا، سواء مدير التصوير أو مهندس الديكور أو المخرج المساعد أو المنتج المنفذ وغيرهم. فكلهم يعملون للمرة الاولى في السينما لتحقيق هذه البكارة. وفي هذه التجربة أناقش العلاقات الأسرية بأسلوب كوميدي. عندما شرعت في تحقيق الفيلم بوجوه جديدة قال الناس "رأفت اتجنن"، وبعد ذلك بدأت مكاتب الإنتاج الأخرى تستعين بالجدد مع نجم يساعدهم، لكنني اختلفت عنهم بأن كل من عملوا معي كانوا من الجدد. وأتمنى نجاح التجربة لأنه يعني أنني سأستعين في الفيلم المقبل أيضاً بوجوه جديدة، وأن السينما ستنتهج منهجي لاحقاً، ليحدث التنوع في الوجوه. ولا يعتبر هذا موقفاً ضد نظام النجوم بل أريد بهذا ايجاد عدد أكبر من النجوم كي تصبح فرص الاختيار أمامنا أكثر، ولا نستمر معتمدين العدد المحدود الموجود. "تعال نحسبها!" ألم تكن الاستعانة بالجدد ضمن حسابات خفض كلفة إنتاج الفيلم؟ - تعال نحسبها معاً، فأنا لا أقدم فيلماً صغيراً. في البداية قدرت له مدة تصوير اربعة أسابيع، لكنها وصلت إلى ستة، أي أن هناك أسبوعين أكثر، يقدر ان تبلغ كلفة العمل فيهما نحو 180 ألف جنيه. ثم ان عدد العلب الخام كان مقدراً ب 90، ومع إعادة التصوير أكثر من مرة، بلغ 117 أي بزيادة 27 علبة. إذاً الفيلم ليس رخيصاً أو صغيراً أو فيلم مقاولات، ولو كنت استعنت بممثلة واحدة كبيرة لوفرت على نفسي الإعادة أكثر من مرة، ولما وجدت مشكلات في التوزيع الخارجي والفيديو وما إلى ذلك. الحصلة اذاً أن مسألة خفض الكلفة كانت بعيدة جداً عن حساباتي عندما استعنت بالوجوه الجديدة. تجربتك هذه، هل تعني أن نظام النجوم المتبع قبل ذلك فاشل؟ - ليس فاشلاً فقد افرز نجوماً. لكنه كان في حاجة إلى شجاعة أكثر ومغامرات أكثر. إذا عدنا إلى الخلف سنوات، وتذكرنا فيلمك "الأفوكاتو" الذي ادخلك في مشكلات قضائىة كثيرة، ماذا تقول عن هذه التجربة الآن؟ - نسيت هذه التجربة... إنها معركة من ضمن معارك كثيرة لم يتبق منها سوى حكم قضائي صدر لمصلحتي ولم ينفذ حتى الآن، يقضي بإعادة المحامي مرتضى منصور 20 ألف جنيه الي كان أخذها مني، وحصلت على حكم باستردادها ولكن لم أحصل عليها حتى الآن. وهناك معارك أخرى مثل "للحب قصة أخيرة" ثم "السادة الرجال"، هذه الأمور لا بد من أن أنساها وإلا فلن أكتب. والقصد من المعارك إرهابي من الداخل لأن الفيلم نفسه ليس سبب المعركة إنما الفيلم المقبل. في أعمالك اتبعت اسلوب الفانتازيا في عرض قضيتك، فهل هذا يعد هرباً من الواقع حتى لا تدخل في معارك جديدة، مثلما يحاول البعض نقد بعض سلبيات المجتمع فيصورها في عصور سابقة؟ - لم أتبع اسلوب الفانتازيا سوى في فيلمين هما: "سمك... لبن... تمر هندي"، و"قليل من الحب... كثير من العنف"، اما بقية أفلامي فواقعية كوميدية قد يكون الخيال فيها واسعاً. والفانتازيا ليست هرباً إنما مواجهة أكثر، لأني بهذا الاسلوب اضخم العيوب أكثر، ولكي أقدمها لا بد من أن أصعد بالواقع وأشاهده واحلله. فالفانتازيا ليست هرباً إنما تجاوز لسخافات الواقع لأنه اصبح مملاً. غالبية العاملين في الحقل الفني يستثمرون أموالهم في مشاريع أخرى، بعيداً من الفن لتحقيق ربح أكثر، فلماذا اتجهت إلى استثمار أموالك في الحقل السينمائي؟ - ليست عندي أموال كي استثمرها. فأنا استثمر ثقة البنوك بي. وكل ما أعمل به من أموال قروض مصرفية. ولا بد من أن أشكر الجهاز المصرفي، لأنه وقف الى جانب فرد مثلي لا يملك إلا خبرته. وأنا لست سعيداً بهذا الوضع، ولكن مجبر أخوك لا بطل، حتى لا اضع نفسي تحت "مفرمة" الآخرين، وكي يظل رأسي مرفوعاً. فلكي أعمل مخرجاً ومؤلفاً فقط لا بد من أن يكون مستواي المعيشي أفضل مما أنا فيه بكثير. وبدلاً مما أنا فيه الآن في ستوديو جلال امضي وقتاً طويلاً في الحديث عن "الطوب" والتأمين على الاستديو وما إلى ذلك. كان الأجدى أن أمضيه في القراءة والكتابة، لعل هذا أحد اسباب حال الاكتئاب التي اعيشها. وما هي الأسباب الاخرى لحال الاكئتاب هذه؟ - لست سعيداً بما أفعله، فأنا مثل دون كيشوت، أتمنى أن أتفرغ للقراءة والكتابة بدلاً من أن أجد نفسي وقد دخلت في صراعات تستنزف مني، مجبراً، وقتاً ومجهوداً كبيراً. ما رأيك في السينما المصرية الآن؟ - هناك عنصران سيتحدد على أساسهما مستقبلها. الأول هو دخول التكنولوجيا الحديثة، فنحن الآن ننحت على الحجر، وهذا أمر مضحك، وقلت لوزير الثقافة المصري إننا بهذا الاسلوب سنجد أنفسنا لاحقاً ضمن تبعية وزارة السياحة، ويأتي الناس ليشاهدوا ما نعمل به ويضحكون علينا. والعنصر الثاني هو الحرية، فمن دون حرية تعبير حقيقية تظل مواضيعنا جافة وسخيفة، لا بد اذاً من شجاعة تحليل. السينما المصرية الآن تمس القضايا ولكن لا تحللها، وكل مدة تظهر لنا مقدسات جديدة غير مسموح الاقتراب منها كالدين والجنس والسياسة وغيرها. فكل شيء مقدس يجب الا يمس به، إذاً عمَّ أكتب؟ فإذا كان الغزالي وصل إلى الايمان انطلاقاً من الشك. لماذا تحرمني حق الشك؟ وكيف؟ الدين قضية شخصية، فأنا أتحاور مع نفسي، والدين الإسلامي ليس فيه رهبان أو أناس نأخذ منهم الإذن بالتفكير وعدم التفكير، وقديماً لم يكن رجل الدين حاكماً إنما كانت له مهنة يعتاش منها، كان يكون عطاراً أو تاجراً. أنا ما زلت مصراً على أن الدين مشكلة شخصية للفرد. وهذان العنصران يتعلقان بتطور المجتمع، فإذا لم تقم الديموقراطية، لن يكون هناك تحليل. وإذا لم يتوافر الإيمان بالعلم، لن تكون هناك تكنولوجيا حديثة. أين يكمن العيب؟ - النظم العربية متهالكة تحارب من أجل البقاء، ووجود الديموقراطية يعصف بها كلها لأنها لا تعبر عن مجتمعها.تعيش مرعوبة من الفكر الديموقراطي وسيزداد رعبها مع حلول ما يسمى بالعولمة. فهم يحاربونها بحجة رغبتهم في الحفاظ على التراث والقومية وهي ليست كذلك. اما غرضهم الحقيقي فهو الحفاظ على أنظمتهم التي لن تصمد في القرن الواحد والعشرين. لذلك يحاولون تجييش الكل للوقوف معهم. والسينمائيون؟ - السينمائيون المصريون يستحقون تمثال الجندي المجهول، فهم حملوا على أكتافهم السينما في الثمانينات والتسعينات ويقدمون أجمل الأفلام من دون دعم، فما هو المطلوب منهم بعد؟ تقديم فكر جيد وفن جيد في إطار المتاح لهم؟ ليس من الصحيح أن نعفي المجتمع من عيوب لندعي أن العيب في السينمائيين. لم أسمع من قبل أن على السينمائيين واجب الانقاذ. فهناك من يجب أن يخططوا للإصلاح. فأنا "مخرج يابابا" و"مؤلف يابابا" وعليك أن تستثمرني ولست أنا من يصدر القرارات ويعمل من أجل الاصلاح. وما رأيك في شركات الانتاج الكبرى الجديدة؟ - شركات جيدة، منها شركة متخصصة حتى الآن في دور العرض، واستطاعت أن تعيد جمهوراً من فئة مرتفعي الدخل اليها. وفي العالم كله شركات متخصصة فقط في دور العرض، مثلما غيرها في الانتاج أو التوزيع. لكن الوضع الراهن للسينما المصرية يستلزم الربط بين الانتاج ودور العرض حتى لا يخسر الناس ملايينهم. ثم أن الشركة الكبرى حين تنتج لا بد من أن يكون انتاجها فيلماً كبيراً، ولا بد من وضع استراتيجية كبيرة لمدة طويلة وخطة إنتاجية شاملة. فأنا رأفت الميهي، كفرد، لو كانت عندي أموال أكثر لكنت قدمت أفلاماً أفضل مما أقدم. وهنا اتحفظ عن لائحة الاستثمار التي تمنح إعفاءات فقط للشركة التي لا يقل رأس مالها عن 200 مليون جنيه. وسبق أن قلت إن هذه اللائحة ضد الدستور ولا تجعل جميع المواطنين سواسية، لانها تفرق بينهم. فقيمة رجل مثل يوسف شاهين عندي تقدر ب300 مليون دولار، إذاً يوسف شاهين أغلى، وهو رأس مال شركته، لأنه إذا وقع فستنتهي الشركة. فكيف لا يتمتع يوسف شاهين بمميزات لائحة حوافز الاستثمار. وكذلك أنا، بشركتي لماذا لا أتمتع بهذه الميزات؟ ثم أن اللائحة تشترط أن تنشئ الشركة معملاً، وهذا شرط مضحك لأنه يعني كيف يتم تشغيل عدد كبير جداً من المعامل؟ أنا واثق مئة في المئة أن من وضع هذه اللائحة حسن النية، لكنه لم يوفق في وضعها، وقد قدمنا في هذا الموضوع دراسات كثيرة يمكن أن نحصل عنها على درجة الماجستير، ولكن بلا فائدة. لكن اللائحة هذه أعفتكم من ضريبة الملاهي عن دور العرض؟ - هذا أمر جيد في اللائحة، لك ان تتذكر أن بعد ثلاثة أيام فقط من صدور هذا القرار، أرسلت الشركة القابضة الى المتقدمين لاستئجار دور العرض، مطالبة برفع قيمة العرض المالي للايجار، لكي تمتص ما ينتج من توفيره بضريبة الملاهي. هنا الدولة تحارب الدولة! وقد اعترضت على هذا ولكن لم يسأل أحد... لهذا أقول: لا بد من إصدار قانون خاص للسينما يضم كل شيء كي تصلح الأحوال. فدور العرض السينمائية الجديدة أصبحت دكاكين للفيلم الاميركي، ونحن بهذا، نتجه نحو الفيليبين التي تنتشر فيها دور العرض، لكنها تعرض أفلاماً أميركية. فالمسألة تنظيم واستراتيجية ورأس كبير يهتم بالسينما. وأنا هنا ومن خلال "الحياة" أقترح أن تعطي السيدة سوزان مبارك قرينة رئيس الجمهورية جزءاً من وقتها لصناعة السينما. فالتي قدمت الينا كتباً قيمة بأموال زهيدة من خلال مهرجان القراءة للجميع، ستؤتي ثمارها قريباًَ، وسيذكر لها ذلك في التاريخ. حصلت على حق استغلال ستوديو جلال 20 عاماً فما التطوير الذي تجريه فيه؟ وما كلفته المادية ومتى يصبح جاهزاً للعمل؟ - تسلمت ستوديو جلال في أول آذار مارس الماضي، وكان من المفترض أن يكون بنظام الايجار التمويلي ليصبح ملكاً لي بعد 20 عاماً واستطيع القول بلا احراج، انه كان عندما تسلمته خربة، وتولت 20 عربة نقل النفايات منه. فالبلاتوهات خربة ولا يوجد شيء حتى دورة مياه. وخطتي هي تحديثه تماماً وستكلفني في السنة الأولى ثلاثة ملايين جنيه ونصف المليون. ولكي يكون نموذجياً ستصل كلفة تحديثه إلى عشرة ملايين جنيه. ونحن الآن نسير في خطة التحديث ليكون جاهزاً للعمل خلال ثلاثة اشهر أو اربعة، وتضم بلاتوه صلاح أبو سيف وبلاتوه كمال الشيخ وبلاتوه آخر صغير باسم سامي المعداوي وهو مخرج أفلام تسجيلية أعتز به وبفنه، وجزء يسمى "دنيا سعاد حسني" يضم حمام سباحة وصالة بلياردو وصالة كرة طاولة ومطعماً وصالة ألعاب الكترونية وما حولها من عالم، وغاليري فن تشكيلي لأنني مؤمن بأهمية هذا الفن بالترابط مع فن السينما، ثم هناك البهو الرئيسي على مستوى فنادق النجوم الخمسة، ومركز مونتاج سعيد الشيخ، وسينما السيارات. وسيكون هناك شارع يوسف شاهين ونافورة موسيقية وغيرها، حين استعيد الجزء الموجود في حوزة الجيش داخل الاستديو. وقد صمم هندسة الاستديو واشرف عليه المهندس محمد المهدي صاحب شركة أساس للاستشارات الهندسية والمقاولات المهدي وشركاه. إذاً ما سبب المشكلة القائمة على حق استغلال ستديو مصر؟ - إنها قضية إرساء حق، فحين تقدمنا لاستئجار الاستديوهات، جئت في الترتيب بعد رجل الأعمال أحمد بهجت الذي حصل على ستوديو مصر. وعندما انسحب بهجت قالوا لي استعد يا رأفت لتأخذه، وبعدما أعددت العدة فوجئت بأن المخرج كريم جمال الدين حصل عليه وهو لم يكن بين المتقدمين، وقيل إن بهجت تنازل له. فالتنازل كي يكون قانونياً لا بد له من إجراءات لم تتم، وبالتالي نتج عن هذا إهدار حقوقي، وأنا لست طامعاً على الإطلاق بستديو مصر، لكنني مُصر على طرحه من جديد ليتقدم أي مصري مجدداً ليأخذه. إنهم يعتقدون أن عصر الكلام العلمي انتهى وأن الكلام العلمي والقانوني "كلام تخين" مثلما قالوا لي. وقد أرسلت إليهم انذاراً رسمياً، وإذا لم يردوا عليّ خلال 15 يوماً فسيكون من حقي اللجوء الى القضاء. والقضية ليست ضد بهجت أو جمال الدين أو أشخاص في الشركة القابضة، بل قضية ارساء حق. أخيراً ما رأيك في دخول التلفزيون مجال الانتاج السينمائي وتقويمك التجربة الماضية وما يقال عن أن هناك خطة جديدة أفضل؟ - أنا في انتظار الخطة الجديدة. وأنا مع نظام المنتج المنفذ الذي يتبعه التلفزيون في تحقيق أفلامه السينمائية ولكن لا بد من أن تنطبق على من يتم اختياره منتجاً منفذاً مواصفات عدة، ليست فقط أن يكون صاحب مال. لا بد من أن يكون منتجاً فنياً، لكي يقدم مشروعاً متكاملاً إلى التلفزيون. واعتراضي على ما قدم في المرحلة الماضية أن المنتج المنفذ اقتصر اختياره على بعض المحاسيب، ونتجت عن ذلك أفلام مقاولات للإعاشة فقط. والتلفزيون الآن أصبح كبيراً، هذا الديناصور أصبح أكبر من رؤسائه، لذلك لا بد من تفتيته لكي ينتج افضل. وفي إطار إنتاج التلفزيون أفلاماً سينمائية تقدمت ببروتوكول رُفض، من دون إبداء أسباب، بعدما كانوا سعداء به في البداية. وبين ما اقترحته فيه أنني أتعاون معهم ليصبح من حقي العرض الداخلي في دور العرض، ولهم حق بيعه للقنوات الفضائية كما يشاءون، على ان يمتلكوا الفيلم مدى الحياة.