وانت في طريقك الى مقابلة المخرج رأفت الميهي، لا يمكنك ان تتصور انه سيعلن امامك بكل وضوح انه "ضد الواقعية" - كأسلوب سينمائي. وانه يميل الى الاكتئاب هو الذي تنتزع افلامه البسمة من افواه المشاهدين، تشهد على هذا اعمال ناجحة طريفة مثل "الافوكاتو" و"سيداتي سادتي". من هناك يفاجئك اكتئابه، ويفاجئك عناده واعلانه انه غير راض عن المجتمع وفي حال عدم توافق معه. لكنه سيقول لك بسرعة انه، من منطلق حبه للناس، يحمل هموم الوطن على كتفيه. رأفت الميهي شاب، على الرغم من بياض شعره: لكنه شاب في احلامه ورؤاه وخصوصاً في ايمانه بالشباب. هنا حوار معه. يرى البعض ان مشوارك السينمائي ينقسم الى مرحلتين، الاولى واقعية والثانية تتميز بالأسلوب الخيالي "الفانتازيا" بالتحديد ابتداء من "قليل من الحب كثير من العنف"، ما رأيك انت؟ - كنت أبحث عن اسلوب سينمائي خاص بي واقتربت في "قليل من الحب.. كثير من العنف" ووصلت الى هذا الاسلوب في "ميت فل" واستمريت في البحث كأي سينمائي جاد يحاول أن يجد صياغة سينمائية خاصة به، دون أن أفقد احساسي بواقعي. وأفلامي الأخيرة لم يوفق منها "ميت فل" و"ست الستات"، أما الافلام الاخرى، فحققت ايرادات ونجاحاً نقدياً ومنها "تفاحة". وأنا على اية حال احقق السينما التي أحبها وهذه رؤيتي ومن حق المتلقي أو المشاهد أن يمدح أو يرفض او يهاجم هذه حريته وهذا حقه الطبيعي. لكن هناك اتهاماً بأنك مرتد عن "الواقعية" التي اهتممت بها في البداية؟ - كما قلت لك، أنا أبحث عن أسلوب سينمائي خاص بي، وفي البدايات قدمت "سمك لبن تمر هندي" وهو فانتازيا و"الافوكاتو" كان فيه بذور الخيال ايضاً، وكذلك "السادة الرجال" و"سيداتي آنساتي"، هذه الافلام تنتمي للفترة الأولى التي بدأت من "عيون لا تنام" وانتهت ب"سيداتي آنساتي". كما يرى البعض. وأنا أعترف أني أكره الواقع، ولكي أحلل هذا الواقع لا بد أن أعلو عليه، ومع هذا فان أفلامي الأخيرة واقعية، ولكن واقعية الجوهر، فيها أناقش جوهر مشاكلنا لا أناقش التفاصيل والقشور. في "ست الستات" أناقش الاحتياج الى الدفء العائلي وداخل هذه المعالجة أتعرض لقضايا سياسية واجتماعية ترتبط بواقعنا، هذا هو الخلاف ولا بد من تعريف "الواقعية" قبل أن نقول إن الميهي مرتد عن الواقعية، فالواقعية ليست بالضرورة واقعية استاذي صلاح ابو سيف - وهو استاذي الفعلي - الواقعية عندي هي واقعية الجوهر وهل نناقش واقعاً موجوداً أم لا، وأنا حر في اختيار الفورم "الشكل" السينمائي المناسب، في "عيون لا تنام" واقعية شعرية، "للحب قصة أخيرة" شكل ملحمي، وفي "سمك لبن تمر هندي" هناك الفانتازيا. إذن كان لدي دائماً بحث عن أسلوب وشكل سينمائي دون أن أرفع عيني عن الواقع، وليس الواقعية، اختفيت اربع سنوات بعد "سيداتي آنساتي" وعدت وأنا مؤمن بالشكل الفانتازي، وأنا أحب مشاهدة الأفلام الواقعية، فهناك من يهتم بواقعية التفاصيل، وهناك من يريد واقعية مغسولة، وانا احب ما اسميه واقعية جميلة في أفلام الطيب وبشارة وخان والهجوم عليهم وعلى أفلامهم شيء سخيف، لقد قدموا أعمالاً فنية جميلة، لكن هناك من يريد أن تصبح الافلام نمطاً واحداً وشكلا واحداً، وهذا غير منطقي، وفاشية في التفكير، فأنا أكره الأسلوب الواقعي، ولا أحب أن اكتبه أو أنفذه على الشاشة، لكن لا أصادر على إبداعات الآخرين. لماذا الهجوم على أفلامك إذن؟ - ما يحدث في أفلامي هو صدمة للجميع، أفكار ورؤية تصدم المجتمع وتكسر التابوهات، وهذا يسبب توتراً بيني وبين المتلقي والصحافي والناقد، لكن للأسف أن الوسط النقدي والصحافي فيه العديد من الشباب الذين لا أعرفهم ولا يتابعون أعمالي ولا يتابعون أعمال غيري. وهناك من يتصيد الأخطاء حتى دون وجود عمل فني، وبذلك يكون الهجوم غير موجه لأفلامي في الحقيقة، أنا أقدم رؤية، أتفق أو اختلف معها، لكن لا تصادرني، لقد ناقشت تابوهات وحطمتها، كسرت تابو الجنس، ومن حق هذا المجتمع ان يصدم حتى يفيق ويلحق بالمجتمعات الاخرى، فتصادمي مع المجتمع تصادم طبيعي من منطلق حبي لهذا المجتمع ولا أنسى جملة زكي نجيب محمود "اذا لم يغير قلمك في المجتمع فليقصف"، والأفلام لا تغير المجتمع، لكن في وجود تيار عام من سينمائيين ومهندسين واطباء وصحافيين وغيرهم، قد يتغير المجتمع، وأنا في الحقيقة في حالة عدم رضا مع المجتمع. على الرغم من ذلك يبدو صدامك مع الرقابة نادراً، لماذا؟ وما هو موقفك منها؟ - موقفي من الرقابة واضح، هي شر لا بد منه، ولست متصادماً مع الرقابة لأنها لم ترفض لي سوى فيلمين فقط لم يصورا، وأنا أذهب للرقابة واتناقش. وفي "للحب قصة أخيرة" وقفت الرقابة الى جواري في المحاكم، وأنا مع استقلال الرقابة عن الجهاز الحكومي الذي تمكنه وزارة الثقافة، لكن مشكلتي الحقيقية هي مع الرقابة الشعبية، التي حولتني الى النيابة العامة في "الافوكاتو"، ولنيابة الآداب في "للحب قصة أخيرة"، وكتبت خطابات الى النائب العام ضدي في "السادة الرجال" و"سيداتي آنساتي"، و"سمك لبن تمر هندي" ولم أهتز، خطابات نشرتها الصحف القومية، اتهموني فيها بأني ضد الأديان وأريد تحطيم الاسرة والمجتمع، هذه هي الرقابة الشعبية وأنا مدرك لماذا تفعل ذلك، كل فرد يعتقد أنه ذات مصونة لا يجب أن تمس، لو صورت شخصية محامٍ، المحامون يرفعون ضدي دعوى قضائية، كذلك الفران والضابط وغيرهما من المهن، كل مهنة اعتقدت انها ذات مصونة فوق النقد، فكان لا بد من حدوث تصادم، لكن الرقابة على المصنفات الفنية لم تصطدم معي، وهذا ليس دفاعاً عنها، بل انا ضدها في عصر الانترنت والقنوات الفضائية والسماء المفتوحة، لن تكون هناك اشياء ممنوعة بعد الآن، وهناك أجهزة تلفزيونية بداخلها "دش" فماذا ستفعل الدولة؟ هل ستحطم أجهزة التلفزيون ؟! والحل الوحيد هو الديموقراطية الكاملة غير المشروطة، حتى يعرف الشعب ما يحدث ويعرف الحاكم ايضاً ما يحدث، نحن في عصر المعلوماتية والمعلومات هي السلاح الجديد في القرن المقبل، فلماذا تحرمني من المعرفة والمعلومة. نلت الجوائز هل ترغب في المزيد؟! - أنا لا أبحث عن الجوائز، وفي مهرجان القاهرة السينمائي، منحتني لجنة التحكيم جائزة الهرم الذهبي عن فيلم "تفاحة". والفيلم اذا أخذ جائزة فهذا شيء جميل، واذا لم يأخذ، انظر الى مشروعي المقبل. أنا أريد أن أقدم السينما التي احبها وأن أنسى الجوائز بسرعة. وقلت بعد أن أخذت الهرم الذهبي مباشرة "لقد نسيت الجائزة"، أنا مهتم بأفلامي ودراستها، لماذا نهاجم من فئة معينة؟! هل هم على حق؟! اطرح اسئلتي ثم ابدأ في فيلمي. هل أنت راضٍ الآن، على كل المستويات؟! - أنظر، أنا أركب سيارة موديل 1979 ثمنها لا يغطي ثمن سيارة فيات، وعمري ما ركبت سيارة "على الزيرو" لكن "أنا مبسوط كده"، أنا أحقق الأفلام التي أريدها، وربي ساترني لا يفضحني، و عندي نوع من راحة الضمير، الاكتئاب الذي يصيبني يأتي من ضغط الواقع المحيط ليس واقعي أنا هنا بدأ الميهي صوته يهبط تدريجياً في نبرة حزينة، ما يحدث في هذا الواقع يحبطني ويصيبني بالاكتئاب فعلاً، ثم هناك اناس ليسوا قادرين على تقييم أفلامي، ويأتون بعد 5 سنوات ويقيمون أفلامي، بعد أن أكون قد تجاوزت ما فعلته بمراحل، هناك جيل من السينمائيين أفلامهم تحتاج الى القراءة وأنا منهم، جيلي وعاطف الطيب وبشارة و خان، والجيل التالي وهو جيل رضوان الكاشف ويسري نصرالله، لا بد من إعادة قراءة أفلامنا، نحن لا نقدم صوراً متحركة ولا نقدم تهريجاً، نحن نقدم سينما ونقدم همومنا وهمومكم على الشاشة، أنا استقليت بالانتاج حتى أقدم السينما التي أريدها وحتى لا يفرض أحد شروطه عليّ، لذلك أكرر: أفلامنا تحتاج الى إعادة القراءة، والى مزيد من الاهتمام والمتابعة، ولا بد من ذلك.