حين كبر جحا وأدركته الشيخوخة قرر أن يشتغل طبيباً، وهكذا فتح مؤسسة استشارية للعلاج، وكتب على اللافتة "دكتور جحا.. خريج معاهد الحياة ومدارسها"، وبدأ يزاول نشاطه في علاج المشاكل. وذات يوم... ذهب اليه رجل تبدو عليه التعاسة.. قال الرجل. - يا جحا... أنا مرهق جداً وأريد أن تعالج مشكلتي. جلس جحا بوقار وسأل: ما مشكلتك؟ قال الرجل: أعيش مع زوجتي وأمي وثمانية أولاد وحمار في غرفة واحدة، وقد ضقت ذرعاً بنهيق الحمار وصراخ العيال والمعارك الحامية بين أمي وزوجتي... ماذا أفعل؟ فكر جحا طويلاً ثم قال: - اذهب واشتر كلباً وضعه معكم في الغرفة، ثم انتظر اسبوعاً ثم تعال لاستشارتي. ذهب الرجل وغاب اسبوعاً ثم عاد... قال لجحا: - يا جحا... لقد زادت مشكلاتي بهذا الكلب الجديد، أنه ينبح، والحمار ينهق، والأولاد يتشاجرون... ماذا أفعل؟ فكر جحا طويلاً ثم قال: - اذهب الى السوق واشتر خمس دجاجات وضعها معكم في الغرفة، وتعال لزيارتي بعد اسبوع. فعل الرجل ما طلبه جحا وعاد لزيارته بعد اسبوع. سأله جحا: كيف الحال؟ - قال الرجل: اصبحت الحياة لا تطاق... ان الكلب ينبح، والحمار ينهق، والأولاد يتصايحون، والدجاج يقفز في الغرفة... ماذا أفعل؟ فكر جحا بعمق ثم قال للرجل: - اذهب الى السوق اشتري بغلاً لطيفاً وضعه معكم في الغرفة، ثم تعال لزيارتي بعد اسبوع. ذهب الرجل وغاب شهراً كاملاً. وحين جاء لزيارة جحا كان يجرجر أقدامه من التعب. سأله جحا: كيف حالك الآن؟ - قال الرجل: اصبحت الحياة لا تطاق يا جحا. سأله جحا: لماذا؟ - قال الرجل: أسكن مع زوجتي وأمي وثمانية أولاد وكلب وخمس دجاجات وبغل في غرفة واحدة.. انني صرت اختنق.. ماذا أفعل يا جحا؟ - قال جحا: اذهب الى السوق، وبع البغل، وتعال لزيارتي بعد فترة... فعل الرجل ما طلبه جحا وعاد يزور جحا. سأله جحا: كيف الحال الآن؟ - قال الرجل: ما زال الحال صعباً يا جحا... قال جحا: اذهب الى السوق وبع الفراخ وتعال بعد اسبوع. فعل الرجل ما طلبه جحا وعاد لزيارته، فلما سأله جحا عن حاله وهل تحسنت ببيع الدجاج قال الرجل إنها تحسنت ولكنه ما زال يحس بالتعب. وهنا قال جحا: افتح الباب واطلق سراح الكلب وتعال لاستشارتي بعد اسبوع. بعد اسبوع.. جاء الرجل نصف سعيد ونصف تعيس، سأله جحا: كيف حالك الآن؟ - قال الرجل: الحمد لله على كل حال، لقد تحسنت الحال كثيراً ولكنها ما زالت صعبة. وهذا بفضل علاجك الحكيم يا جحا. .......... لا أعرف لماذا تذكرني هذه الحكاية بمفاوضات إسرائيل.. لا يكاد الوفد الإسرائيلي يجلس مع الوفد العربي حتى يبدأ الوفد الإسرائيلي بمفاجأة تقلب الطاولة على العرب. إن العرب يتحدثون عن انسحاب القوات الإسرائيلية، ولكن الإسرائيليين يتحدثون عن شيء آخر تماماً... هو المياه. ويحس العرب بمنطق جحا في العلاج. لقد كان الوهم أو الظن هو السلام في مقابل الأرض المحتلة، ولكن اسرائيل تتحدث عن أمن اسرائيل أولاً. وهي ترى أن السلام في مقابل السلام لا الأرض، وإن التطبيع يجب أن يسبق الجلاء عن الأراضي المحتلة، وهو جلاء سوف يكلف اميركا بلايين الدولارات. باختصار تريد إسرائيل السلام في مقابل هيمنتها على المنطقة، وتتبع اسلوب جحا الذي كان يضيف للمشكلة الواحدة مزيداً من المشكلات، حتى إذا تراجع في واحدة منها اعتبر هذا تنازلاً منه واعتبر حلاً بينما هو دوران حول نقطة واحدة، وهو دوران ليست فيه خطوة واحدة إلى الأمام.