خطت المانيا خطوة تاريخية نحو الحد من استخدام الطاقة الذرية وباتت أول دولة صناعية عظمى تتخلى عن الصناعة النووية المدنية، اثر اتفاق بين الحكومة والشركات التي تعمل في مجال الطاقة النووية وتغذي المانيا بثلث احتياجاتها من الطاقة. أعلن هذا الاتفاق بعد 4 ساعات ونصف الساعة من المفاوضات النهائية بين المستشار الألماني غيرهارد شرودر ومديري شركات "أر. دبليو. اي" و"فيبا" و"فياج" و"إينيرجي بادن - فاترتيمبرغ". يقضي الاتفاق بوقف المحطات النووية الألمانية خلال 32 سنة من تاريخ بدء نشاطها، وعليه فإن آخر محطة نووية ستتوقف عن العمل في العام 2021، وهي محطة "نيكارو وستهايم" الواقعة في بادي - وودتمبيرغ. ووصف شرودر الاتفاق بأنه "عملي وملائم" ويمثل حلاً وسطاً بين مطالب حلفائه في الحكومة، خصوصاً "حزب الخضر" بزعامة يوشكا فيشر، الذين طالبوا بمدة لا تزيد عن ثلاثين عاماً، وبين الشركات التي ألحت على منحها 35 عاماً. ومن المعروف أن موقف شرودر من الطاقة النووية كان من أسباب تأييد الخضر له وتشكيل الائتلاف الحكومي الحالي خريف العام 1998. ويقدر اجمالي الطاقة المنتجة خلال 32 عاماً ب2613 بليون كيلواط/ساعة. وفي ما يتعلق بالنفايات النووية، ينص الاتفاق على وقف عمليات معالجة النفايات النووية اعتباراً من أول تموز يوليو 2005. وكانت معالجة النفايات النووية للمحطات الذرية الألمانية تتم في مصنع "كوجيما" الفرنسي في لاهاغ وفي مصنع "بريتيش نوكليير فيولز" البريطاني، لكن العملية توقفت في العام 1998 عقب اكتشاف قصور في اقفال بعض المستوعبات التي تنقل النفايات من المانيا إلى المصنعين. وفي المقابل يتوجب على الشركات الألمانية انشاء مراكز تخزين موقتة بالقرب من المحطات الذرية نفسها. وعلى رغم مشاركة الوزير يورغين تريتين في المفاوضات، وهو يمثل اتجاهاً متطرفاً في حزب الخضر، إلا أن البعض يتوقع عدم رضاه السياسي عن الاتفاق إذ تبدو المهلة الممنوحة للشركات مديدة في نظر تريتين وتياره. ويأتي اقدام الحكومة الأوكرانية على الاغلاق النهائي لموقع مفاعل تشيرنوبيل ليعزز تيار تريتين. وفي أوكرانيا، برز تيار يحتج على القرار الحكومي باعتبار ان التخلي عن الاستخدام المدني للطاقة النووية يساهم في اضعاف القدرة العسكرية النووية. وترتفع أصوات مماثلة في البرلمان الأوروبي، على نحو ما صرح به ليولاري بلازيو رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الأوروبي، من أن تجريد أوروبا من الطاقة النووية يدفع بها الى موقع التابع للعملاق النووي الأميركي وفي وقت لم تتخل روسيا أيضاً عن ترسانتها النووية. وتتمثل الصعوبة الفعلية في وضع الطاقة الذرية قيد الاستخدام المدني في مسألة الاشعاعات النووية التي تخرج من الذرات نتيجة تفاعل متسلسل بينها، ذلك لأن الأنوية المضطربة للمواد المشعة تستجيب للموجات التي تضربها وتصدر عنها نفسها اشعاعات موجية تصيب بقية الذرات وتحثها على اخراج اشعاعات وهكذا. ولا توجد وسيلة علمية حالياً للسيطرة على هذه الاشعاعات، ما أثار مخاوف دائمة حيال آفاق الاستعمال السلمي للطاقة الذرية، وكذلك نظراً الى استمرار الاعتماد على المواد المشعة. وبعد ان تضعف تلك المواد، يتوجب التخلص منها على رغم استمرارها في اصدار الاشعاعات، ما ولد معضلة التخلص من تلك النفايات النووية. وتتمثل المصادر البديلة للطاقة الذرية في مجموعة اختيارات مثل استخدام الطاقة الشمسية التي لم توجه الجهود فعلياً لاستكشاف آمادها الكبرى.