انقسم المعلقون السياسيون نصفين متساويين تقريباً، وهم يعلقون على فرص السلام بين سورية وإسرائيل بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، فمقابل كل من قال إن هذه الفرص ستنتكس، كان هناك الذي قال إنها ستتحسن. والكلام السابق يفترض أنه كانت لا تزال هناك فرصة للسلام وأن موت الرئيس أثر فيها سلباً أو إيجاباً. غير أن الواقع هو أن العملية السلمية بين سورية وإسرائيل بشكلها الحالي ماتت في جنيف في آذار مارس الماضي، عندما فشل الرئيس بيل كلينتون في زحزحة الرئيس الأسد عن موقفه المعروف المطالب بالانسحاب من الجولان كله وحتى ضفة بحيرة طبريا. وربما كان استطاع المفاوضون والوسطاء وضع العملية السلمية في غرفة العناية الفائقة، وهم يبحثون عن دواء، إلا أن عوامل عدة تضافرت مع فشل اجتماع جنيف الذي خرج منه الرئيس كلينتون وقد غسل يديه، وهو يقول إن الكرة في ملعب الرئيس السوري. اجتماع جنيف جاء قبل أشهر معدودة من انتهاء ولاية كلينتون، وهو يوصف منذ سنة بأنه "بطة عرجاء". فالرئيس الأميركي يفقد نفوذه في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، خصوصاً في الكونغرس، وبما أن كلينتون كان قليل النفوذ في الكونغرس حتى وهو ينتخب لولاية أولى ثم ثانية، فإنه على الأرجح ما كان ليستطيع وقد بقي له في الحكم تسعة أشهر أن يدفع عملية سلام باهظة النفقات قدر الإسرائيليون لها بين 17 بليون دولار و45 بليوناً لإكمال الانسحاب من الجولان. في الوقت نفسه، كان الرئيس الأسد ورئيس الوزراء إيهود باراك يواجهان صعوبات من نوع مختلف، إلا أنها تجتمع في تعطيل العملية السلمية. الرئيس السوري كان مريضاً بادي المرض، وكان هناك خبر كل يوم تقريباً عن مرضه، ولا بد أن الجهد الفائق الذي أصر على بذله يومياً عجّل بالنهاية. أما باراك فهو كان يواجه ثورة عليه داخل حكومته وفي صفوف المعارضة، وفي الشارع من المستوطنين، وانتهت هذه الثورة كما هو معروف بالتصويت على حل الكنيست في عملية لم تكتمل خطواتها بعد، فيما صدرت تهديدات من المتطرفين بقتله، وإلى درجة أن عززت أجهزة الأمن الإسرائيلية الحراسة عليه، وأصبحت حياته، أو الأخطار عليها، قضية تطرحها الصحف الإسرائيلية كل يوم. وهكذا، فالوضع كان بعد جنيف أن الرئيس كلينتون اقترب من نهاية ولايته الثانية ويفقد نفوذه باستمرار، وأن الرئيس الأسد مريض ولا يتزحزح قيد أنملة عن طلب الانسحاب الكامل، وأن باراك يحتاج الى تنازلات سورية وفلسطينية تعزز مركزه إزاء المتطرفين، أي أنه بحاجة الى أكثر مما كان المفاوضون السوريون والفلسطينيون رفضوا إعطاءه منذ البداية. وهكذا مرة أخرى، فالحديث عن تأثر مسار السلام السوري - الإسرائيلي بموت الرئيس حافظ الأسد ليس دقيقاً، لأن المسار كان متوقفاً فعلاً. وإنما يمكن القول إن الرئيس الأسد اختار السلام خياراً استراتيجياً، وهذا الخيار باقٍ مع الدكتور بشار الأسد، وسيعمل له بنشاط فور أن يتسلم القيادة ويستتب الوضع في البلاد. بكلام آخر، رحيل الرئيس الأسد لم يؤثر في العملية السلمية فوراً، أو على المدى القريب، إلا أنه بالتأكيد سيؤثر فيها على المدى المتوسط والمدى البعيد، ولو من ناحية اختلاف الأسلوب، فهذا هو المتغير الواضح في الوضع، والدكتور بشار رئيساً، فهو طبيب مدني يعرف العالم الخارجي جيداً، وله آراء معلومة في التحديث والانفتاح والعولمة، مقابل والد بدأ حياته الوطنية طياراً حربياً وبنى تحالفاته أيام كان العالم مقسوماً بين شرق وغرب. غير أنه يقابل هذا المتغير في الأسلوب ثابت هو طلب الانسحاب من الجولان كله، فالرئيس السوري كائناً من كان لن يغير شيئاً في أساس هذا الطلب. استطراداً يمكن القول إن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، متعثرة بدورها، بل متوقفة، سواء استؤنفت هذه المفاوضات في واشنطن، أو لم تستأنف، واجتمع أبو عمار مع كلينتون هذا الأسبوع أو لم يجتمعا. هنا أيضاً تبرز صعوبات كلينتون وباراك في طلب حل يرضى عنه الجانب العربي، فالثابت في الموقف الفلسطيني هو القدس وعودة اللاجئين، وهما نقطتان لا يملك الرئيس عرفات تفويضاً للتنازل عن شيء فيهما. لذلك سيعلن أبو عمار دولته الفلسطينية، إذا أعلنها، في أيلول سبتمبر من دون حل، وستنتظر المسارات كلها السنة المقبلة لاستئناف العمل الجدي، فالإيجابية الوحيدة في الموضوع كله هو أن السلام لا يزال خياراً استراتيجياً للجميع.