أمير الجوف يستقبل قائديّ حرس الحدود بالمنطقة السابق والمُعيَّن حديثًا    سلمان بن سلطان يدشن قاعة المؤتمرات الكبرى بغرفة المدينة    تفعّيل برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    جولة مدير مستشفى عفيف العام التفقديه    رئيسة وزراء الدنمرك: غرينلاند ليست للبيع    لمسة وفاء.. الدكتور محمد بن عبدالله آل دخيش القحطاني    "كشتة البديع" تجتذب المزيد من العائلات والأفراد ب 19 فعالية متنوعة    الهدنة ومصير الحرب على طاولة نتنياهو وترمب الثلاثاء    تقييم صادم للنجم المصري عمر مرموش ومدرب «مان سيتي» يبرر !    الجامعة الإسلامية تُطلق فعاليات "أسبوع البحث العلمي السادس"    الرئيس السوري يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه أمير المنطقة    الدولار الكندي لأدنى مستوياته في 22 عاماً    أبو الغيط يأمين الجامعة العربية دعو العلماء العرب لوضع وثيقة لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع المصالح العربية    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق    الموارد البشرية: تعديل المدة المسموحة لرفع ملفات حماية الأجور في منصة "مدد" إلى 30 يومًا ابتداءً من 1 مارس 2025    اليابان تطلق صاروخًا يحمل قمرًا صناعيًا لتحديد المواقع الجغرافية    5 مخاطر صحية تهدد العاملين بنظام المناوبات    90 طالباً يستعرضون بحوثهم الدفاعية في ملتقى جسر    "سلمان للإغاثة" يوزع 500 سلة غذائية في عدة مناطق بجمهورية بنغلاديش    عبدالله آل عصمان مُديراً لتعليم سراة عبيدة    الذكاء الإصطناعي وإدارة العمليات الطريق إلى كفاءة مؤسسية ناجحة    النصر يتحدّى الوصل والأهلي في مهمة عبور «السد»    في الجولة ال 20 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل العدالة.. والبكيرية يواجه الجبلين    الأهلي يعير «ماكسيمان» لنابولي الإيطالي    «باخشب» يتوج بسباق «أساطير رالي حائل الدولي»    وعد من أوناي هرنانديز لجماهير الإتحاد    14 مليار ريال ضمانات تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة    العلاقات بين الذل والكرامة    القيادة تعزي أمير الكويت والرئيس الألماني    توقيع مذكرة تفاهم «الجسر السعودي-الألماني للهيدروجين الأخضر» بين «أكواباور» و«سيفي»    أمانة جدة تشرع في إشعار أصحاب المباني الآيلة للسقوط بحيي الفيصلية والربوة    محافظ جدة يطلع على خطط المرور والدفاع المدني    مواقف تاريخية للسعودية لإعادة سورية لمحيطها العربي    رصاص الاحتلال يقتل المسنين وعشرات يقتحمون الأقصى    كلنا نعيش بستر الله    التعاقدات.. تعرف إيه عن المنطق؟    من أسرار الجريش    أوكرانيا وروسيا تتبادلان الاتهامات بشأن قصف مدنيين    إن اردت السلام فتجنب هؤلاء    سورية المستقرة    التحليق في عالم متجدد    «عاصفة الفئران» تجتاح 11 مدينة حول العالم    ..وتجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة    طريقة عمل ارز بالكاري الاصفر والخضروات وقطع الدجاج    شرطة الرياض تقبض على مقيم لمخالفته نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    سلمان بن سلطان يرعى حفل تدشين قاعة المؤتمرات الكبرى ب«غرفة المدينة»    3 أهداف تتنافس على الأجمل في الجولة ال18 من مسابقة دوري روشن للمحترفين    كاد «ترمب» أن يكون..!    على هوامش القول.. ومهرجان الدرعية للرواية    هيئة الترفيه.. فن صناعة الجمال    محمد عبده.. تغريدة الفن....!    سمو محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية في نسخته الثانية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية السودان لدى المملكة    القيادة تُعزي رئيس ألمانيا في وفاة الرئيس السابق هورست كولر    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    الأسرة في القرآن    تفسير الأحلام والمبشرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنوان محمود نسيم كاتباً وعبدالستار خضري مخرجاً . "غرفة" السبعينات ... لم ينقذها الشعر من برودة المسرح
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2000

لعل طبيعة التجربة المسرحية التي أحدثتها مسرحية "الغرفة"، هي أشد حضوراً من المسرحية نفسها وكذلك ما أثارته من أسئلة حول "اللغة" و"النص" وحول وضعية الشاعر على المسرح أو في المسرح، وما افتعلته من مظاهرة "سبعينية" من خلال تناولها جيل السبعينات في حركته السياسية الطلابية تحديداً وحركته الشعرية إذ حرص مؤلف المسرحية الشاعر محمود نسيم على تضمين نصه، نصوص خمسة من شعراء السبعينات المصريين.
يقدم العرض الشاعر محمود نسيم، مؤلفاً مسرحياً للمرة الأولى في المسرح المحترفي وكانت سبقته محاولة مبكرة لفريق من الهواة عام 1989 في مسرح الجامعة بعنوان "مرعى الغزلان".
يطرح العرض - بداية - اختلافه عن سياق النصوص المسرحية المقدمة على المسارح المصرية، مستعيداً مركزية النص في التجربة المسرحية التي استبدت بها تماماً سلطة المخرج كمؤلف وحيد للعرض المسرحي، وربما استبدت بها سلطات أخرى كسلطة "الكوريغراف" و"السينوغراف". ويستعيد العرض أيضاً سؤال المسرح الشعري الغائب لسنوات عن المسرح المصري ربما كانت مسرحية الوزير العاشق للشاعر فاروق جويدة هي آخر مسرحية شعرية قدمت على المسرح منذ أكثر من عشر سنوات.
استقلالية اللغة
يعلن محمود نسيم في "الغرفة" ولاءه المطلق للشعر، فهو يقدم نفسه فوق المسرح كشاعر أكثر منه مسرحياً، حيث "اللغة" كصورة، وكطاقة تشكيلية هي محور اهتمامه الأول، وهي العنصر المركزي في بناء المشهد. على أن "شعرية الحوار" التي أسست نصوص المسرح الشعري العربي يناهضها محمود نسيم في العرض محاولاً تقديم "شعرية المشهد" أو "شعرية السرد". هكذا تعبر الشخصيات داخل العرض عن نفسها بالصورة، وتقيم حوارها من خلال تشكيل اللغة، وهي تمتلك قيمتها الجمالية المستقلة بعيداً عن أية قيمة وظيفية أو نفعية في إيصال المعنى أو تحريكه.
إن استقلالية "اللغة" تشمل المشهد الشعري الذي يطمح إليه المؤلف، لتحقيق جمالياتها المنفصلة، وعزلتها عن الشخصيات والمشهد والبناء المسرحي. هكذا تطل الفكرة مشبعة بالثقافة الأدبية، وتطل الصورة الشعرية مشبعة بالتساؤل والأفكار الفلسفية، ويلتهم السرد الحوار المسرحي عبر لغة تجريدية غير ملائمة لشروط الخشبة.
لغة تجريدية حقاً، فالصدام بين الآراء المطروحة صدام عام لا يمكننا ملامسة أفراده والإمساك بملامحهم تماماً. إنهم محكومون غالباً بأفكار عامة من دون أن تكون لهم حياتهم الفعلية الحية. وهكذا يقدم النص "تكنيك" استرجاع الشخصية من دون استرجاع الحدث، ليواصل حصار النص داخل الفكرة، وداخل خطوط تقريبية للأشخاص والموضوع. تبدأ الحكاية داخل غرفة مغلقة لا تتبدل ملامحها ولا تتغير ديكوراتها. في منتصف الغرفة يجلس ماجد أحمد سلامة أمام لعبة الشطرنج ليبدأ في استعادة الذاكرة، مستدعياً صديقه اسماعيل احمد مختار الذي انتهز فرصة اعتقال ماجد ليستولى على كل شيء يملكه حتى زوجته بثينة. ويستدعي المحقق صفوت خليل مرسي بصورته البوليسية المخيفة، وكان أجبره يوماً على الاعتراف والوشاية بزملائه لقاء الافراج عنه. ويسترجع ماجد أيضاً زوجته بثينة سلوى محمد علي، وصديقته الرسامة نورا صفاء الطوخي التي ترسم لوحة لتلك المجموعة التي تحطمت احلامها وتشوهت ملامحها.
وعلى رغم محاولة العرض مناقشة جيل الهزيمة وانكسارات المثقف السبعيني عبر إشارات متعددة، إلا أننا طوال العرض لا نعرف ما الذي يحدث تماماً، من هم هؤلاء؟ ماذا يعملون؟ ما طبيعة تلك الأحلام؟ وتلك الثورة التي انتهت بهم الى السجون والمعتقلات؟
ولا نعرف أيضاً - داخل العرض - مبررات الانكسار والهزيمة؟ ما هي المقدمات التي افضت الى تلك النتائج المنهارة والنماذج الشائعة والعاجزة فوق المسرح؟ إن الأجواء الكابوسية الخانقة في "الغرفة" تتشكل في النص عبر سلوك فردي محوره الخيانة الشخصية، وليس سلوكاً اجتماعياً أو سياسياً. ولعلّ السلوك الفردي أو الحدث الوحيد في العرض حادث الخيانة والوشاية لا ينتهي بأصحابه إلى أية أزمة درامية يمكن أن تجر المشهد أو تدفعه للتنامي. ف"اسماعيل" الذي خان صديقه ماجد في فراشه ومع زوجته، لا يعاني صراعاً أو أزمة، بل هو يجد دائماً تبريراً لأفعاله كونه متماسكاً ومزهواً وواضحاً.
أما "ماجد" الواشي والمطعون في شرفه أيضاً فلا يعاني أية أزمة وربما عانى بعض المعاناة النفسية والإحباط بعد خسارة كل شيء وخيانة زوجته إياه.
وكذلك "صفوت" المحقق هو أشدّ الشخصيات المسرحية في النص تماسكاً وثراء بتركيبتها وتعدد مستوياتها. وقد تم إفسادها تماماً على خشبة المسرح، إذ لم يقدم المخرج عبد الستار الخضري ولا الممثل خليل مرسي أزمة الشخصية ووجوهها المتعددة وصراعاتها الحادة مع ذاتها وما بين قدرتها على الرؤية والوعي بما حولها وبين سطوة الوظيفة البوليسية الكريهة.
تمّ تسطيح الشخصية لحساب صورة نمطية تقليدية للمحقق، القوة نفسها وكذلك والوضوح والثقة، والبقعة الضوئية الحمراء نفسها التي تسقط على وجه المحقق لتزيد وجهه نفوراً وعنفاً. إن تسطيح الأزمة الداخلية، وتنميط الشخصية أفقداها خصوصيتها وفرادتها المركبة، بل سطّحا كثافتها الإنسانية والنفسية التي لامسها النص بعمق.
حضور الجسد الأنثوي
لم يفعل المخرج شيئاً إلا المحافظة على النص، من دون قدرة على ملاحقة صوره وخيالاته، ومن غير قدرة على التعامل مع المساحات المقترحة في النص لتبديل المشهد والتحرك بخيال أكثر حرية في البنية الزمنية المتداخلة في النص.
حاصر المخرج شخصياته المسرحية داخل صورهم الذهنية وداخل مساحات مكانية أشد ضيقاً وتقليدية. هكذا أطل صفوت من مكان مرتفع مؤكداً سلطته، وحوصرت نورا طوال العرض داخل مساحة مكانية محدودة لا تتجاوز المتر المربع مرتفعة قليلاً عن مستوى الغرفة، لتقدّم خطابها المتعالي وتتحول الى محض فكرة ومثال. وكذلك الفعل الذي تقدم به نورا طوال العرض إنجاز اللوحة التشكيلية وهو حدث أقرب إلى "الفرجة"، إذ تم تهميشه بصرياً وتم التعامل مع اللوحة في "اللغة" وبرؤية ذهنية. الأمر نفسه حصل مع "الأقنعة" و"الدمى" المستخدمة في العرض، بينما من المفترض أن يتيح استخدام الدمى امكانية بصرية لخرق الممنوعات وكسر التابو على المسرح، وتجربة أكبر لتحرير الخيال. لكن المخرج لم يقم بتوظيف تلك الاشكال والحيل الفنية لتتحول الى محض دمي خرساء، لا مبرر لها لا وظيفة. ولعلّه نقص التقنيات في تصميم "الدمى" إذ لم يفتقد المخرج شجاعة توظيف الجسد الأنثوي على المسرح بعيداً عن الاستخدامات التقليدية كطاقة صوتية أو كتعبير حركي. هذه المرة يقدمه كرغبة وحضور حسي نلامسه على المسرح، هكذا تعلن نورا بجرأة: "جسدي ليس عورة". وتقدم سلوى محمد علي بثينة مشهداً جريئاً وشجاعاً في العلاقة الحسية مع ماجد وهو مشهد تكاملي نصاً وأداءً وإخراجاً وإضاءة.
ولعل الإضاءة التي صمّمها المخرج أحد العناصر المهمة في العرض وخاصة في تحديد الزمن وايقاعه وانتقالاته، كما لعبت الدور التعبيري لإبراز دلالة الموقف مساهمة في تعددية الإدراك البصري.
تبقى تجربة العرض الأساسية وهي تجربة أدائية ولا سيما في العلاقة بين الممثل واللغة وقد نجحت مجموعة الممثلين بخبرتهم العميقة وثقافتهم في تأكيدها، محافظين بدرجة كبيرة على شاعرية الأداء بعدما انكسرت شاعرية الحالة.
ولا يكتفي المؤلف بنصه الشعري ولكن يحرص على تضمينه أيضاً نصوصاً شعرية لآخرين من جيله حسن طلب، حلمي سالم، عبدالمنعم رمضان، ماجد يوسف، جمال القصاص وهي تضمينات لا ضرورة لها داخل النص ولا مبرر درامياً وراءها. الأمر الذي دفع المؤلف والمخرج الى تهميشها خارج العرض المسرحي في مشهد صوتي مسجل قبل رفع الستارة، تتداخل فيه قصائد الشعراء في صورة مشوشة. وهو ما يتكرر ايضا في نهاية المسرحية، باستثناء قصيدة عبدالمنعم رمضان الذي يموت وقد احتلت مساحة في قلب المشهد المسرحي، ومن دون مبرر أيضاً.
وأظن أن استعانة المؤلف بشعراء جيله ليس فقط احتفاء بالشعر قبل المسرح ولكنها أيضاً منهجية جيل السبعينات في تشكيل جماعات "الحماية" أو جماعات "الضغط الشعري".
* قدّمت المسرحية على خشبة مسرح "الهناجر" - القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.