عندما توزّع الجوائز الأدبية في تونس، تبلغ مداها في نهاية فصل الربيع لأن الأدب يستقيل صيفاً ليفسح في المجال للفنون الترفيهية، ولأنّه وثيق الصلة بالموسم الدراسي عامة. تسعى الجوائز، على اختلاف قيمتها المادية والمعنوية، إلى تحقيق أهداف أوسع من امكاناتها ومراميها. فهي تراهن على المجال الاعلامي في الدرجة الأولى، خصوصاً اذا كانت مرتبطة بجهة معيّنة مثل المؤسسة الاقتصادية التي تُقْدِم على المساهمة في "رعاية" الآداب والفنون. وفي هذا المجال تحديداً، أي مساهمة المؤسسات الاقتصادية في رعاية الآداب، تتميّز جائزتان سنويتان، إحداهما مخصصة للرواية، والثانية تخصص كلّ سنة، وفي شكل دوري، لنوع أدبي معين. وهما الجائزتان الأعلى مكافأة، من ناحية القيمة المادية للجائزة. إذ تبلغ جائزة أبي القاسم الشابي التي يقدمها "البنك التونسي" ستة آلاف دينار. وهي جائزة يتم رفع قيمتها كل بضع سنوات لتواكب تطور مستوى المعيشة، والدخل، وتدهور العملة. أما الجائزة الثانية فتقدّمها شركة "كومار" للتأمين وتصل قيمتها الاجمالية إلى سبعة عشر ألف دينار توزّع تراتبيّاً على ثلاث روايات باللغة العربية الجائزة الأولى، جائزة لجنة التحكيم، ثم جائزة العمل الأول الواعد وثلاث روايات باللغة الفرنسية، وبالترتيب نفسه. وتعتبر جائزة ابي القاسم الشابي التي يقدّمها البنك التونسي، ضمن مساهمة الاقتصاديين في دعم الأدب، هي الأعرق قُدمت لأول مرة سنة 1986 كما تتميّز بأنها لا تخصّ سوى الاعمال المكتوبة باللغة العربية. وإذْ يتبادر إلى الذهن ان هذه الجائزة مخصصة للشعر انطلاقاً من اسمها جائزة أبي القاسم الشابي فإنها، في الواقع تشمل مكافأة انواع أدبية متنوّعة. وما يؤخذ عليها انها تخصّص كلّ سنة لنوع أدبي محدّد الشعر، ثم القصة، ثم الرواية ثم المقال، ثم النص المسرحي وهو الأمر الذي يجعلها دورية وذات إيقاع بطيء. إضطرّ المشرفون عليها في أكثر من مناسبة إلى حجب جائزة "المقال" لعدم توافر الشروط. وربّما كان في ذهن واضعيها أن المقال ليس الدراسة، وليس البحث، وليس المقال الصحفي أيضاً، بل المقال الذي كان يكتبه طه حسين والعقاد في بداية القرن الماضي. ويذكر أنّ هذه الجائزة منفتحة على المساهمات العربية أيضاً. وقد نالها بعض الكتاب العرب في مناسبات كثيرة، وفي معظم فروعها. أما جائزة كومار اختزال من الحروف الأولى لاسم شركة تأمين متوسطية فهي تتوسع أكثر في مراميها الاعلامية سواء في عدد الأفراد المسندة إليهم الجوائز ستة كتاب أو في توزيعها بالتساوي على اللغتين العربية والفرنسية. وعندما تتساوى اللغتان، حتّى على الصعيد الابداعي، في بلد عربي، تثار تساؤلات كثيرة. فللوهلة الأولى يذهب بنا الاعتقاد ان الذين يكتبون ويقرأون باللغة العربية هم الأكثر عدداً. ونستغرب "التساوي" بين اللغتين، في مجال الكتابة، وبالتالي في مجال عدد الجوائز. إلا ان لهذه المسألة جوانب خفية، وإنْ كانت تشتغل تعلناً، وتدفع بالانتاج الأدبي في هذا الاتجاه أو ذاك، ممارسةً وتشجيعاً ونشراً، وربما قراءة أيضاً. فالنشر باللغة الفرنسية، يبدو، هذه الأيام، سائراً نحو ظروف أفضل، بسبب الدعم من الجهات الفرنكوفونية أولاً، وبالنظر إلى أنّ القدرة الشرائية ضمن هذه الأوساط هي أفضل حالاً على ما يبدو، يضاف إليها الأجانب المقيمون، وربما انفتاح السوق الخارجية فرنسا والمنطقة الفرنكوفونية ولو بشكل خجول، على هذه الأعمال المطبوعة في تونس، مع انخفاض أسعارها، مقارنة بالكتب الفرنسية نفسها. سهولة النشر بالفرنسية، لتوافر الدّعم أوّلاً، وبسبب القردة الشرائية ثانياً، تلعب دوراً بارزاً في رؤية الجانب المرئي فقط من جبل الجليد العائم. وهكذا، عندما وزّعت قبل أيام قليلة، جوائز "كومار" المخصصة للرواية التونسية المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، في دورتها الرابعة، جاء في حيثيات أو تقارير اللجنتين، أن الروايات التي نظرت فيها لجنة الرواية المكتوبة باللغة العربية بلغت 12 عملاً، فيما ذكرت اللجنة المشرفة على الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية أن الأعمال الروائية المشاركة في المسابقة بلغت 14 رواية. والحال أن أعمالاً كثيرة، باللغة العربية، ما زالت تؤجَّل لأكثر من ثلاث سنوات في رفوف دور النشر التونسية والشكوى: لا وجود لدعم، لا وجود لقارئ! . وللعام الثاني على التوالي، يُستدعى كاتب تونسي يكتب باللغة الفرنسية، ويقيم بالمهجر، لتسند إليه الجائزة الأولى. ويكون صاحب الجائزة مهيّأً، عمليّاً، لنيل جائزة الصداقة التونسية - الفرنسية لاحقاً: من دون حسد!