اختتمت لجنة حقوق الإنسان أعمال دورتها ال 56، في 28 نيسان ابريل الماضي بعد ستة أسابيع من الاجتماعات اليومية، الماراثونية أحياناً، والتي عانت دول عدة من الاجتماعات اليومية، الماراثومية احياناً، والى الأمرين خلالها، من هجوم المجتمع الدولي على أوضاع حقوق الإنسان فيها. وأبدت دول ارتياحها الى ادانة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، في رأيها وفي رأي بعض المنظمات غير الحكومية. وتنفست دول اخرى الصعداء لنجاتها من الادانة والحصار الدولي. وعلى رغم القلق الذي أبداه بعض الخبراء من ضعف أعضاء مكتب اللجنة، ما سيؤدي الى حصر اهتمام اللجنة في العموميات، فقد تحول ارتياحاً بعد ستة أسابيع من الضغوط والمناورات والاجتماعات الجانبية. واجهت اللجنة دورة صعبة، لأن أولويات الدول التي تنتهك حقوق الإنسان فيها هي محاربة الفقر، لا محاربة الانتهاكات، على رغم أن ثمة دولاً لا تعاني الفقر، مثل الدول العربية التي تواجه مشكلات في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان لافتقارها الى آليات للدفاع عن هذه الحقوق. تشابهت كلمات ممثلي الدول امام لجنة حقوق الإنسان، فأكدت أن وضع حقوق الإنسان في دولهم في خير وعلى أحسن ما يكون، وهذا لا يقتصر فقط على الدول العربية وانما على الدول الافريقية ودول العالم الثالث قاطبة، حتى يخيل اليك أن الوقت حان للمطالبة بحل هذه اللجنة التي نذرت نفسها لمحاربة انتهاكات حقوق الإنسان في العالم. ثم أن هجوم الدول الغنية على بعض الدول يجعلك تشعر أن هناك حرباً ضروساً لوضع بعض القضايا في قفص الاتهام، وقد اشير اليها بالبنان. وتمكن قراءة السياسة والعلاقات الدولية من خلال نتائج التصويت سواء كان بالإدانة أو بالامتناع أو بالتأييد. وليس اقلها الصين والشيشان. ففي مسألة الصين، على سبيل المثال، كانت النتيجة عدم اتخاذ قرار في شأن المشروع المطروح، ومالت الدول الى تأجيل الموضوع، على ما جرت عليه العادة منذ ثلاث سنوات. أما في قضية الشيشان فكانت خسارة روسيا فادحة، وان دلت الى عدالة قضية الشيشان، فهذا لا يعني أن المجتمع الدولي تبنى العدالة مذهباً له، وانما بيّن موقف الدول من السياسة الروسية. وبالنسبة الى إدانة ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، كان رد اسرائيل والولاياتالمتحدة على القرار أن 90 في المئة من السكان تحت سيطرة الدولة، وأن المناقشة تشمل ال 10 في المئة منهم، وان هذا المشروع سيعرقل مسيرة المفاوضات. واعترض على هذا التبرير سفير فلسطين الرملاوي، وذكر المجتمع الدولي بأن المفاوضات مسألة سياسية، وفي كل الأحوال لم تؤد الى نتيجة، وأن القرار يتعارض مع انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبالنسبة الى القرارات في شأن لبنان والجولان امتنعت الدول الأوروبية عن التصويت، وعارضتها الولاياتالمتحدة. ويتساءل الخبراء كيف يمكن الايمان بهذه اللجنة وما يحدث في ساحتها عندما يتخذ قرار قوي ضد كوبا ومينمار وغواتيمالا وكولومبيا والسودان والعراق الملاحق من دون أن تعارضه أي دولة، حتى الدول العربية؟. فهذه الدول اقتصر موقفها على الامتناع عن التصويت تونس والمغرب والسودان، من منطلق أنها لا تدين دولة عربية اخرى. ولا تريد مواجهة كتلة دولية مناهضة للعراق، وتريد أيضاً ارضاء الكويت، إذا أن القرار يتضمن فقرة عن الأسرى الكويتيين. ولم يشفع للعراق حملات التأييد الجانبية التي قامت بها في حرم جامعة جنيف أو في أروقة الأممالمتحدة عشرات المنظمات غير الحكومية الدولية والعالمية، مركزة على آثار استعمال اليورانيوم المنظم على مستقبل أبناء الشعب العراقي ولم تنفع صيحات التحذير بأن نسلهم يواجه تشويهاً في الجينات الوراثية. واستعانت هذه المنظمات بأطباء وعلماء وخبراء غير عراقيين لئلا يقال عنها إنها متعاطفة أو عاطفية، ولكن لا يبدو أن اللجنة أخذت هذا في الاعتبار، أمام المعارضة الأميركية القوية التي بدت أكثر تصلباً من قبل، على رغم أن هناك دولاً أبدت استياءها. وبهذا التصلب أثبتت الولاياتالمتحدة أنها لا تهزم، وأن العراق سيبقى يعاني العقاب، بحصار أثبت عدم مجاعته في تحقيق أهداف سياسية. وبالنسبة الى السودان كان هناك توافق بين السودان وواضعي القرار الذي صدر في شأنه يشيد ببعض اجراءات الخرطوم مثل قانون التوالي الذي يعني التعددية وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مسألة الرق، ولجنة اخرى عن المختطفين، مثلما تسميهم الحكومة السودانية. لكن السودان دين في مسائل التعذيب والاعتقال التعسفي وفرض الشريعة الاسلامية على غير معتنقيها، ما يعتبر تمييزاً في رأي واضعي المشروع أي الدول الأوروبية وأميركا الشمالية، وبعض الدول من شرق آسيا. وعلى رغم هذا القرار، امتنع السودان عن التصويت مع الدول العربية، عليه، لأنه اراد أن يكون مجالاً لادانة المتمردين. وبالنسبة الى ايران لاحظت كل الدول أن هناك تقدماً في أوضاع حقوق الإنسان فيها، مع الاشارة الى الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ولكن وجهت دول غربية انتقادات في ما يتعلق باحكام الاعدام والتعذيب والتمييز ضد البهائيين على سبيل المثال ومحاكمة الصحافيين، والحرية السياسية لغير اتباع الخط الاسلامي، اذ كانت نتائج التصويت 22 ضد 20. أما عن القرار فقد مر بصعوبة، لأن هناك اقتناعاً بالتحسن مقارنة بايران قبل سنوات. والوضع في الجزائر ليس أفضل منه في ايران. ولكن لم يصدر القرار لأن هناك توافقاً دولياً مع الجزائر خصوصاً منذ بدأ عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ما يدعو الى امكان قراءة السياسة الدولية في محفل لجنة حقوق الإنسان، ويستدعي السؤال عن استهداف دول وتوفير دول اخرى. فمثلاً "لم يتخذ أي قرار ضد اميركا بالنسبة الى العنصرية، أو عقوبة الاعدام أو الفقر بين فئات واسعة من السكان، وقضية الهجرة والأجانب المقيمين هناك، حتى ولم يوجه أي نقد ولم يتخذ قرار عن تأثير العقوبات في الشعب العراقي، أو بالنسبة الى الدول النفطية. وفي الناحية المضيئة عربياً، فاز سفير الجزائر السيد محمد صالح الدمبري بمنصب رئيس الفريق العامل المعني بالحق في التنمية، وهي المرة الأولى تنشئ لجنة حقوق الإنسان آلية لمتابعة مسألة الحق في التنمية الذي وضع في صدارة جدول الأعمال العالمي، لا في جدول أعمال اللجنة فقط. وثمة ايجابيات اخرى خلال الدورة إذ اتخذ قرار توصية بجعل المجلس الاقتصادي والاجتماعي محفلاً داعماً للشعوب، وآخر بتعيين الأمين العام للأمم المتحدة ممثلاً له خاصاً للمدافعين عن حقوق الإنسان، ما يعني ايجاد آليات جديدة لتنفيذ البيان. وأدت المنظمات غير الحكومية دوراً مهماً في اقناع الدول بتبني هذين القرارين. وأهمية هذه القرارات أنها سترفع من مكانة اللجنة الفرعية، فلا تعود تابعة للجنة المختصة بالسكان الاصليين، بل للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، المسؤول عن لجنة حقوق الإنسان نفسها. وفي هذا انتصار للشعوب والمنظمات غير الحكومية. وصدر قرار عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة باسم الاعلان العالمي عن المدافعين عن حقوق الإنسان، يُعنى بضمان الحد الأدنى لحقوق المدافعين عن حقوق الإنسان وحث الدول على تسهيل مهمتهم، لا عرقلة عملهم. وعين ممثل للأمين العام لايجاد آلية لتنفيذ هذا الاعلان العالمي لمصلحة المدافعين عن حقوق الإنسان. والحدث الثالث المهم في لجنة حقوق الإنسان، خاص بالمفوضة السامية لحقوق الإنسان، وهو عقد اجتماع برئاسة نانسي روبن تحضيراً للمؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية وعدم التسامح مطلع ايار مايو الجاري.