قدم المخرج محمد بدرخان الكثير من الأعمال الدرامية ومنها "الإخطبوط" و"الجسر" و"أشجار البحيرة" و"الطوق" وآخرها "كلنا أصدقاء"، إضافة الى عدد من الأفلام السينمائية التسجيلية. بداية الحوار مع محمد بدرخان كانت عن عمله الأخير "الخيزران" الذي قال عنه إنه "عمل اجتماعي على خلفية الانتداب". ومع هذا لا يوجد هنا جانب توثيقي، لأن المسلسل عن سيرة امرأة تعيش ظروفاً قاسية جداً، وهي أضعف المخلوقات، في حينه، ضمن سلسلة الضغوط الواقعة عليها من الانتداب الى البكوات الى التقاليد الآسرة. بين عملك الأخير "كلنا أصدقاء" والعمل الذي تعمل على إنجازه "الخيزران" وقت طويل، لماذا هذا الغياب؟ - السبب الرئيسي عدم توافر النص الملائم الذي يمكن أن يدفعني الى انجازه، اضافة الى أن هناك مشروع مسلسل كبيراً اسمه "الشواطئ الساخنة" ظل يراودني طويلاً، ثم تلقيت وعوداً كثيرة من هيئة الإذاعة والتلفزيون السورية بأن تنتجه، ولأسباب أجهلها لم يوضع ضمن خطط الإنتاج السنوية الى درجة أن المشروع توقف نهائياً. كأني بك لا تقبل الدخول في مشاريع فنية إلا إذا كانت طويلة وضخمة الإنتاج؟ - لا، أبداً. تفكيري ليس بهذه الطريقة. ففي اختياري الأعمال التي أخرجها سواء كانت صغيرة أم كبيرة، طويلة أو قصيرة، يرتبط الخيار الفني بالأفكار التي يتضمنها العمل، لذلك أعتقد أن سهرة تلفزيونية قد تحمل أهمية أكثر من مسلسل كبير وضخم لا يحمل أي مقولة، أو عمل يحمل ضحالة أو سطحية في أفكاره. عندنا السهرات. أو ما يسمى الفيلم التلفزيوني، غالباً ما تعرض على الشاشة من دون أن يلحظها أحد أو تترك أثراً لدى المشاهدين، ويا للأسف. ولهذا أسبابه التي ترتبط بشروط العرض. والناس اعتادوا متابعة الأعمال الطويلة ومشاهدة الحلقة الأولى ومن ثم الثالثة او العاشرة. أرى أنك ميال الى فكرة السهرات التلفزيونية؟ - السهرة التلفزيونية قد تحمل فكرة يطرحها مسلسل من عشرات الحلقات. فهي تطرح هذه الأفكار في شكل مكثف ومشحون ومختصر. لكن هذه الأعمال غالباً ما تعرض بعد الحادية عشرة، وعدد المتابعين في هذا الوقت أقل من متابعي الفترات السابقة. وهذا يضر بالعمل التلفزيوني القصير. هناك ظاهرة الأجزاء في الأعمال التلفزيونية، ما رأيك فيها؟ - ما يزيد في أسفي أننا نتلقى الثقافة من الخارج، وخصوصاً الفنون المرتبطة بالصناعة. والتلفزيون جزء من هذا الموضوع. وعلى سبيل المثال في المكسيك ينتجون عملاً من 300 حلقة أو 400، فنقلدهم نحن في هذا النمط من الانتاج. وهذه الموجة من الأعمال الطويلة بدأت تغزو أعمالنا الفنية، وهذا يعود الى ضرورة ملء الفراغ الذي تعيشه شاشاتنا العربية. في عملك الجديد "الخيزران" الى أي حد اشتغلت على الدلالات كي لا تظهر أعمالك سطحية؟ - الحديث عن ذاتي وتقديم أعمالي، من الأمور الأكثر صعوبة بالنسبة إلي. فأنا لست من المخرجين الذين يقولون عن أنفسهم: إننا من أفضلهم وأعمالي متميزة، وشاهدوني في ما أعمل. أنا أحب أن تشاهد الناس أعمالي من دون تدخل مني. فالعمل الفني يصنع للمشاهدين بصرف النظر عن مستواهم الثقافي المتباين، وبينهم أولئك الذين لا يعجبهم العجب. ومن حق هؤلاء ألا يشاهدوا أي عمل فني. أيضاً هناك فئة شعبية تبحث عن أعمال ميلودرامية مغرقة في البكاء والحزن، أيضاً هؤلاء من حقهم أن يشاهدوا هذه الأعمال، فطبيعة المستوى الثقافي للمشاهد مختلفة، وهذا ينعكس على انفعالاته وتفاعله وتجاوبه مع الأعمال الدرامية. في أعمالي الدرامية أحاول أن أحرر العقل من العاطفة، بأن يستجيب عقل المشاهد للعمل لا عاطفته. العاطفة جزء أساسي ولكن إذا اشرك المشاهد دماغه أثناء المشاهدة، تتشكل حال راقية للتلقي والمشاهدة. هناك مجموعة أعمال سورية قدمت أخيراً رأى كثيرون فيها استخفافاً بعقل المشاهد؟ - عندما تقدم أعمال على مستوى من الجودة يصل الى الحد الأدنى، لا تعود المسألة مرتبطة بعقل المشاهد أو تكوينه الثقافي. هذه الأعمال تكون مشغولة لأهداف مادية فقط، وأستغرب أحياناً عندما أشاهد بعض الفنانين الكبار يشاركون في هذه الأعمال. هذه ليست هفوات يقعون فيها، بل هي استخفاف بعقل المشاهد، ما يدل أنهم بعيدون من نبض الشارع الحقيقي، وإذا كانوا يعتقدون أن الشارع في هذا المستوى، فهناك كارثة حقيقية. ثمة من يقول إن المشكلة هي أزمة نص في وسطنا الفني، كيف ترى الحل للخروج من هذه المشكلة؟ - مشكلة النص ذات شقين: واحد حقيقي والآخر مفتعل، فأحياناً لا تجد نصاً جيداً، لكن ثمة نصوص مهمة تُحيًَّد بطريقة ما رقابياً، كأن يقال إن هذا السيناريو لا يناسب هذه المرحلة. فالمشكلة في تسييس العمل مباشرة. من هنا أرى أن أزمة النصوص مفتعلة بطريقة ما، وموجودة في الوقت نفسه، وأحب التنويه أن ليس لدينا كتاب ومبدعون في هذا المضمار، مع أن الموجود من نتاجات الإبداع الأدبي في مكتباتنا هو أكثر وأهم بكثير مما نقدمه على الشاشة.