اذا كان المخرج الياباني الكبير اكيرا كوروساوا، قد غطى بقامته الفنية المديدة على كل ما له علاقة بالسينما اليابانية طوال حياته وبفضل أعماله الكثيرة والشهيرة، فإن السينما اليابانية عرفت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، اسماء كبيرة أخرى، منها ناغيزا اوشيما وشوجي تيراياما، اللذان يمثلان جيل الرفض. وشوجي تيراياما شاعر وروائي ومؤلف مسرحي وسينمائي ولد في العام 1935. وكان طوال السنوات الأخيرة من حياته يلقب ب "الطفل الشقي في السينما اليابانية". وكان يعرف، في اليابان وفي الغرب أيضا، بأنه واحد من أكثر أبناء جيله موهبة ومشاكسة. وهو، على اية حال، كان ينصرف ويشتغل وكأنه يعرف أنه لن يعيش طويلاً وأن عليه أن "يقول كلمته ويمشي، وعليه، بالتحديد أن يقولها قوية قبل أن يمشي". تروي سيرة شوجي تيراياما أنه اكتشف الفن السابع في صالة سينما شعبية كان يديرها قريب له، حضنه منذ كان طفلاً. غير أن اكتشاف تيراياما للسينما لم يدفعه الى خوض غمارها على القدر، بل انه وهو بعد في صباه الباكر اتجه الى كتابة الشعر، وكان في التاسعة عشرة من عمره في العام 1954 حين نال جائزة قومية للشعر عن مجموعة نشرها ولقيت استقبالاً حافلاً لدى القراء الشبان، لما فيها من تمرد على الجيل الذي صنع الحرب العالمية الثانية، ولما فيها من مشاكسة على "تخلف المجتمع" و "معاداته للشبيبة". ولسوف يقال إن تيراياما، بتلك القصائد الأولى، كان واحداً من الذين مهدوا لثورة الشبيبة اليابانية أواسط سنوات الستين. وهي الثورة التي أوصل تيراياما تعبيره عنها وعن ضرورتها في واحد من أشهر افلامه على الصعيد العالمي وهو فيلم "فلنرمِ الكتب ولنخرج الى الشارع" 1971 الذي كان أشبه بصدمة في عالم السينما حين عرض. لكن هذا الفيلم لم يكن أول أفلام تيراياما بالطبع، فهو خاض الفن السابع منذ بداية سنوات الستين، وبعد أن واصل نشر قصائده كما اشتغل في المسرح التحريضي وكتب واحدة من المسرحيات الأكثر تحريض في ذلك الحين "الدم يموت واقفاً" التي ندد فيها بالمعاهدة الموقعة بين اليابان والولايات المتحدة، آخذاً على طوكيو تسامحها مع الأميركيين رغم تدميرهم مدينتين يابانيتين بواسطة القنابل النووية. وفي تلك الفترة بالذات، وامعانًا في التحريض ضد "الامبريالية الأميركية" أسس تيراياما مختبراً مسرحياً، ونشر روايته الشهيرة "أمام عينيّ الصحراء" التي ترجمت الى العديد من اللغات ومن بينها الفرنسية. وهو زار مع فرقته المسرحية دولا غربية عدة، وقدم خصوصاً مسرحية "تعليمات الى الخدم" المقتبسة عن جوناثان سويفت والتي كان لها صدى واسع جعل كثيرين يعتبرون تيراياما "جان جينيه اليابان". في ذلك الحين، إذاً، كان تيراياما قد بدأ يتجه الى السينما، أولاً ككاتب للسيناريو، حيث كتب أربع سيناريوهات للمخرج شينوا، كما كتب سيناريوهات لآخرين، كان أبرزها "الحب الأول، نسخة الجحيم" الذي اخرجه س. هاني في العام 1968. أما مسار تيراياما كمخرج فبدأ عبر العديد من الأفلام الوثائقية، قبل أن يقتبس روايته "لنرمِ الكتب ونخرج الى الشارع "في فيلم طاف العالم كله وعرض في المهرجانات واعتبر "منشوراً ثورياً حقيقياً" لا يمكن اليوم أن تذكر ثورات شبيبة العالم في الستينات وبداية السبعينات من دون أن يذكر. وبعده حقق فيلماً لم يقل شهرة عن الأول بعنوان "غميضة ريفية" 1974 اقتبسه عن مجموعة شعرية كان اصدرها قبل سنوات. في ذلك الوقت كان المرض قد بدأ يستفحل في جسده الواهن، لذلك راح يستغل بكثافة وسرعة فحقق فيلمين لم ينالا اطراءً كبيراً بل قال كثير من النقاد إنه انما حققهما على هامش عمله الأساسي وجاءا اشبه بأفلام، التوصية"، وهما "الملاكم" 1978 و"متاهة الأعشاب" وهو عبارة عن فيلم قصير كجزء من ثلاثية كان هو على اية حال افضلها 1979. بعد ذلك حقق تيراياما فيلمه الأخير، وكان انتاجاً مشتركاً مع فرنسا والمانيا وقام ببطولته الفنان الألماني الكبير كلاوس كينسكي وعنوانه "ثمار الهوى". وهو لم يكن من أفضل أعماله، ولم يعد من النقاد من شن عليه هجوماً كبيراً، حين عرض في العام 1981 طالباً من ثيراياما أن يعود الى اصالته اليابانية. وفي ذلك الوقت بالذات كان تيراياما يشتغل على اقتباس لرواية غابريال غارسيا ماركيز "مائة عام من العزلة"، غير أنه رحل عن عالمنا يوم الخامس من أيار مايو 1983، دون أن يتمّها، بعد أن كان المرض قد تمكن من شل حركته وفكره ومن ثم القضاء عليه وهو لا يزال بعد واعداً. الصورة: شوجي تيراياما.