قرر القضاء المغربي سجن مدير صحيفة "الأسبوع" مصطفى العلوي ثلاثة أشهر ومنعه من مزاولة الصحافة ثلاثة أعوام، فيما قررت محكمة في طنجة سجن مدير صحيفة "الشمال" خالد مشبال ستة أشهر مع وقف التنفيذ ومنعه من مزاولة المهنة عاماً كاملاً، مع إلزامهما دفع غرامات لصاحب الدعوى وزير الخارجية محمد بن عيسى. في السياق نفسه تم توقيف أربعة مسؤولين في القناة الثانية للتلفزيون المغربي عن العمل. وأتت هذه الاجراءات في أعقاب مثول الصحافي التونسي توفيق بن بريك أمام القضاء بتهمتي قذف النظام العام ونشر أخبار كاذبة قبل أن يعلن القاضي المكلف التحقيق معه براءته من التهمتين، لكن بعد أربعة أسابيع من الحملات الإعلامية العاصفة التي كشفت تقصير الإعلام التونسي ببنيته الراهنة عن الاستجابة لحاجات الرأي العام. في تونس كما في المغرب تعكس هذه الاجراءات محنة الإعلام الذي لا تزال تكبله في مطالع القرن الحادي والعشرين قيود قانونية تعود الى ربع قرن مضى أو أكثر، وتجعل بوابات السجن مفتوحة لاستقبال أي حامل قلم لمجرد أن مسؤولاً كبر شأنه أو صغر يشتكي عليه لدى المحاكم. فالعقوبات القاسية التي تلحظها قوانين الإعلام المغاربية هي السيف الذي يمنع توسيع دائرة الحرية ويشل نمو المؤسسة الإعلامية نحو تبوء موقع السلطة الرابعة بحق. وفي ظل التطورات التكنولوجية السريعة صار المواطن قادراً على التقاط أخبار بلده بسرعة فائقة عبر الانترنت والفضائيات، متحايلاً على حواجز الرقيب وقافزاً على بوابات الجمارك ما شكل تحدياً للإعلام المحلي الذي بات عليه أن يختار بين مواكبة العصر أو السقوط في الهامش. والظاهر أن الخطوط الحمراء التي تلتزمها وسائل الاعلام المحلية معطوفة على القيود القانونية هي التي حملت الرأي العام على وضع ثقته في وسائل الإعلام الخارجية صحفاً كانت أم قنوات فضائية أم اذاعات، والتي باتت مصدراً رئيسياً ان لم يكن وحيداً للمعلومات. أكثر من ذلك ساهمت الرتابة والخطاب الإعلامي المتخشب بانهيار صدقية الإعلام المحلي لدى المواطن في وقت ارتفع مستوى صدقية الإعلام الخارجي ما عمق الفجوة بين الجانبين وجعل ردمها صعباً في المستقبل. يحتاج المواطن في المغرب العربي كما في أي مكان آخر من العالم الى خبر صادق ورأي حر، إلا أن إعلامه لا يزال عاجزاً عن استجابة الطلبين بل ان قطاعات واسعة من الرأي العام خصوصاً من النخبة لم تعد تخفي ضجرها ومرارتها من الخبر الرسمي والرأي المعلب. ولا أدل على هذا الضجر من الانتشار الواسع لأجهزة الالتقاط على سطوح المنازل في كل المدن المغاربية. في تونس كما في المغرب أعلن عن خطوات لمراجعة قانون الصحافة، إلا أن المراجعة لن تكون دفعة لحرية التعبير ما لم تلغ نهائياً عقوبات السجن المسلطة على أي صحافي "مخالف" وما لم يستعد الإعلام صدقيته وحيويته. وهذا ليس مستحيلاً، ففي تونس، مثلاً، لا يعكس المشهد الحالي حقيقة الامكانات التي تختبئ في الجسم الإعلامي المحلي والتي أظهرت كفاءتها عندما أتيحت لها ظروف عمل طبيعية في الخارج. وعليه ليس مطلوباً استيراد كفاءات ولا استنساخ تجارب خارجية وانما استثمار الطاقات المهمشة واخراجها من الثلاجة في سياق تجديد شامل للبنية الإعلامية. ولكي تنجح عملية التجديد ينبغي أن لا تكون معزولة عن مناخ عام يطلق طاقات المواطن ويشجعه على المشاركة الفاعلة في المشهد الإعلامي انطلاقاً من تجارب الانفتاح السابقة في الثمانينات، التي شدت اهتمام الرأي العام الى صحافته ولم تخلق لديه حاجة للجوء الى مصادر إعلام خارجية. إلا أن جديد المرحلة الراهنة هو أن تحرير الصحافة المكتوبة لم يعد عنواناً كافياً لاطلاق الحريات الاعلامية وانما بات التغيير في الإعلام التلفزيوني شرطاً لكسب ثقة الرأي العام وامتلاك القدرة على منافسة الفضائيات "المزعجة".