افتتحت صباح أمس وسط اجراءات أمنية مشددة، في قاعدة كامب زايست، وسط هولندا، أولى جلسات المحاكمة الخاصة بقضية تفجير طائرة "بان أميركان" فوق قرية لوكربي في اسكتلندا عام 1988. وأطلق محامو الدفاع في اليوم الأول مفاجأة، إذ إتهموا جماعتين فلسطينيتين بالوقوف وراء تفجير الطائرة. واستمعت المحكمة الى مرافعتي الإدعاء والدفاع وافادات تسعة من الشهود التقنيين الذين قدموا الى هيئة المحكمة ثلاثة قضاة صورة تفصيلية عن مسار الطائرة الاميركية والإتصالات التي أُجريت معها في اللحظات التي سبقت تفجيرها وسقوطها فوق القرية الإسكتلندية. كذلك إستمعت المحكمة الى وصف لحادث الإنفجار الذي اودى بحياة 259 شخصاً. وعززت مرافعات اليوم الأول الإنطباع بأن المحاكمة ستكون ماراتونية. إذ أعطى رئيس المحكمة رانالد ساذرلاند وقتاً كافياً لكل من محامي الإدعاء العام والدفاع لطرح الأسئلة ومراجعة الإفادات المطروحة. وجلس أعضاء هيئة المحكمة تحت قوس الرئاسة في القاعة مرتدين باروكات الشعر الكلاسيكية والجلباب الابيض الواسع، وفي مواجهتهم الى اليسار هيئة الإدعاء العام الإسكتلندي برئاسة اللورد كولين بويد، في حين جلس الى يمين القضاة أعضاء هيئة الدفاع المكونة من ويليام تايلور وكيل الدفاع عن عبدالباسط المقرحي، والمحامي ريتشارد تايلور وكيل الأمين خليفة فحيمة. وجلس المتهمان الليبيان في اقصى جهة اليمين محاطين بحراس ويرتديان "الحولي"، الزي التقليدي الليبي الأبيض بغطاء رأس أحمر. وفصل جدار زجاجي لا يخترقه الرصاص بين هيئة المحكمة والقسم الثاني من القاعة التي غصت بحوالي 500 صحافي، إحتاج حضورهم في قاعة المحاكمة ترتيباً خاصاً تمثّل في عملية تبديل بين دفعات صباحية ومسائية. ووضعت في نهاية القاعة خمس قمرات مستقلة للمراقبين الدوليين الذين رشحهم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وبينهم نبيل العربي الخبير القانوني في جامعة الدول العربية. كما خصصت قمرة خاصة للسفير حامد الحضيري مندوب ليبيا الى المحكمة سفيرها لدى مقر الإتحاد الاوروبي. وأُجلست عائلتا الليبيين المتهمين الى جهة اليسار لا يفصلهما عن المقرحي وفحيمة سوى بضعة امتار. ومن بين هؤلاء حضر والد المتهم الليبي فحيمة، وجلست أمامه حفيدته نوال بثوبها الاسود، وهي طالبة في الصف الرابع الثانوي. وغالبت نوال التي وصلت الى هولندا أول من أمس دموعها وهي تتحدث من داخل القاعة الى "الحياة"، قائلة: "أتمنى ان يخرج والدي بريئاً من المحكمة". وغصت بكلماتها التالية محاولة القول: "لم نعد نرى والدي منذ زمن طويل". المرافعات وبدأ الإدعاء الاسكتلندي مرافعته بتوجيه الإتهام الى المواطنين الليبيين بالتآمر لتفجير الطائرة الاميركية تنفيذاً لأوامر مباشرة من ادارة الإستخبارات الليبية. وشدد على انهما عملا مسؤولين أمنيين عن الخطوط الجوية الليبية. وأكد المسؤولية الرسمية لليبيا، قبل تحميل المسؤولية للمتهمين بصفة فردية. ووصف تنقلاتهما في عدد من العواصم الدولية بما في ذلك عملهما في سويسرا ومالطا في شركات أُنشئت كغطاء للعمل الإستخباراتي الليبي. كما تطرق الإدعاء في مرافعته الى شبكة علاقاتهما، وابلغ المحكمة انه سيقدم مزيداً من التفاصيل عن طبيعة عمل الإستخبارات الليبية ونشاطها، بما في ذلك "تخزينها بعض المواد المتفجرة والصواعق واجهزة الكترونية" في مقار الشركات وفروع الخطوط الجوية الليبية. رد الدفاع في المقابل، فجر محاميا المتهمين اللذين اكدا براءتهما من كل الاتهامات، مفاجأة مثيرة. إذ أبلغنا المحكمة أنهما يملكان أدلة سيقدمانها عن تورط فصيلين فلسطينيين بتفجير الطائرة. وسميا "جبهة النضال الشعبي الفلسطيني" التي يرأسها الدكتور سمير غوشة، وهو وزير سابق في السلطة الوطنية الفلسطينية، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل. وقدم محاميا المتهمين قائمة بأسماء الفلسطينيين من أعضاء "جبهة النضال" المتورطين في تدبير التفجير وهم: محمد ابوطالب سجين يقضي حكماً بالمؤبد في السويد، طلال شبانة، محمد غلوم خليل حسن، هاشم محمد ابو فاجه، عبدالسلام عارف ابوندى، مجدي موسى، جمال حيدر، عماد الحزوري. كما اشير الى اسم آخر هو برويز طاهري الذي يُرجح ان يكون باكستانياً او ايرانياً. ولم يسم محاميا المتهمين الليبيين، أي عضو من أعضاء "القيادة العامة". كامب زايست امتلأت مدينة زايست سكانها 60 الفاً بمئات الصحافيين والمراقبين وذوي الضحايا، وعادت الحركة الى اسواقها بعد سنوات من الكساد الذي اعقب اغلاق قاعدة "سوستيربيرغ" الجوية التي يقع فيها كامب زايست قبل ست سنوات. وكانت القاعدة التي تمركز فيها اساساً سرب من القاذفات الإستراتيجية الاميركية، جزءاً من القوة الضاربة للأطلسي. وشهدت المدينة آنذاك اضرابات وتظاهرات شعبية مناهضة لوجودها.