الدكتور جورج حبش الذي استقال من الأمانة العامة للجبهة الشعبية، منشغل بالاجابة عن سؤال: لماذا هُزمنا؟ وحبش حين يسأل، لا يشك احد بنزاهته الشخصية واستعداده للتضحية من اجل ما يؤمن به. كما لا يشك ايٌ كان بغنى تجربته ما بين "العروة الوثقى" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مروراً بحركة القوميين العرب والماركسية - اللينينية. وهو حين يسأل، يبث فينا بعض التفاؤل ولو متأخراً جداً، لأن من عادات "الحكيم" ان يجيب فحسب. والجواب هو نفسه الذي كان يتردد في سمائنا بعد كل هزيمة مدوية: مزيد من الاصرار، مزيد من الجذرية، مزيد من الصمود. وهذا مع العلم ان السؤال، من منظور حبش على الأقل، كان يمكن طرحه في 1941 حين انهار انقلاب رشيد عالي الكيلاني وضباط "المربع المذهبي"، او في 1948 حين حلّت "نكبة" فلسطين، او في 1961 حين نزلت "هزيمة" الانفصال بالوحدويين، او في 1967 مع "النكسة" الشهيرة، او في 1970 مع انفجار الحرب الاهلية في الاردن، او في 1975 مع بداية احتراق لبنان، وصولاً الى 1982 تاريخ الاجتياح الاسرائيلي، او في 1977-1978 حين انعطف الرئيس السادات بمصر انعطافاً نوعياً. والتواريخ لا تغني عن العناوين الكثيرة للهزيمة: من التراجع عن الوحدة العربية الى العمل للحفاظ على الوحدات الوطنية في كل واحد من البلدان، ومن الانكفاء عن تحرير فلسطين الى الحصول على دولة ما في بعض الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن الرهان على تشييد الاشتراكية الى طي الموضوع الاجتماعي جملة وتفصيلا، ومن الاحتفال ب"مفخرة العرب" في ثورة الجزائر الى الانشغال باطفاء الحرائق الاهلية في الجزائر، ومن تعليق الآمال، عند البعض على الاقل، على قيام نظامين للبعث في سورية والعراق، الى بذل الجهود لمنع تدهور علاقة البعثين الى حرب مفتوحة، ومن الاحتفال بنظام "الطبقة العاملة" في جنوب اليمن، وثورة الطبقة المزعومة نفسها في ظفار، الى ما انتهت اليه الحال في البلدين. وهذا مجتمعاً ينضاف الى ما آل اليه السودان والعراق ولبنان وليبيا التي وعدت، هي الاخرى، بفتح صفحة جديدة للمستقبل. والعناوين السياسية لا تغني بدورها عن عناوين اخرى تطول الأمية، ومعدلات الدخل، ووضع المرأة، وحرية التعبير، ونسب الابداع الفني والعلمي والتقني، ومدى التنوّر. لماذا هُزمنا؟ سؤال وجيه، لا سيما وقد بتنا نحفظ عن ظهر قلب ان "العدو شرس" و"لئيم" فيما "هجمته" علينا "ضارية" و"جشعه بلا حدود". وحبش، بحسن النيات الذي فيه، كان مسؤولاً عن التسبب في بعض هذه الهزائم. الا ان تقديم الاجابات المفيدة سيتطلب من الشجاعة اكثر مما تطلّبت المقاومة المسلحة ذات يوم، لأنه يعني جردة حساب لحياةٍ بكاملها، جردة لا تقل عن اعلان تفليسة المشروع الذي غدا عبئاً على اجيال الحاضر والمستقبل.