تتسرب أخبار منذ حوالى سنتين عن قرب اعتزال جورج حبش للعمل السياسي باستقالته المتوقعة من قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد تجددت أخبار الاعتزال في الأيام الأخيرة، الأمر الذي يشير إلى أن الاعتزال سيتخذ هذه المرة شكلاً معلناً ونهائياً في ما يبدو، حيث سيعهد حبش بالقيادة إلى السيد أبو علي مصطفى والذي يشغل موقع الأمين العام المساعد منذ سنوات عديدة ومديدة. ويبدو أن تأخير الاعلان الرسمي للاعتزال يعود إلى أسباب داخلية تعود إلى رغبة "الحكيم" في الاطمئنان على الوضع الداخلي للجبهة قبل الانسحاب، وربما تكون هناك أسباب أخرى ذات طبيعة سيكولوجية تتعلق بتردد الرجل وتهيبه من لحطة الاعتزال الصعبة، وهو المناضل والسياسي المحترف منذ مطلع شبابه... كما أنه ليس خطأ الافتراض بأن الرجل لا يزال يراهن على تغيرات معينة في مسار الأحداث الفلسطينية تُعيد وضعه في قلب الأحداث، وربما كان التعثر الواضح لعملية التسوية هو الخلفية المحتملة لرهانات من هذا النوع. وعلى كل حال، فإنه يبقى للدكتور حبش وفي كل الأحوال مكانته المميزة لدى الشعب الفلسطيني وللحركة العربية التقدمية بشكل عام... نظراً لنزاهة الرجل ونظافته حيث لم يرتبط اسمه بأي نوع من الفساد طيلة السنوات الطويلة المديدة التي عاشها قائداً ومناضلاً... كما أن هناك اجماعاً وطنياً فلسطينياً ان "الحكيم" ضمير الشعب الفلسطيني الأول، وأنه في الترتيب القيادي يحتل المكان الثاني بعد الرئيس عرفات وإن على المستوى المعنوي. ورغم ذلك فإنه يمكن القول بأن الرجل ينتهي نهاية مأسوية مشبعة بالخيبة والرهانات الخاسرة، ومأساته في الحقيقة هي مأساة اليسار الفلسطيني كله بشكل عام والذي انكشف نهائياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، على حين استطاع اليمين البراغماتي التجريبي في "فتح" أن يستمر بشكل أو بآخر. والحقيقة ان حبش كان على الدوام أسير ايديولوجية ما، فهو ابتدأ قومياً عربياً ثم التحق بصفوف الناصرية حتى هزيمة حزيران يونيو 1967، لينتهي ماركسياً لينينياً على الطريقة الفلسطينية على رأس قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبهذا يكون أحد عوامل خيبته هو سقوط الايديولوجيات السياسية والحزبية جميعها منذ انهيار السوفيات وحتى الآن، بحيث بات وكأنه لم يعد هناك مكان لأية ايديولوجيات باستثناء الايديولوجيات الدينية. ونحن إذ نشير إلى خيبة حبش وسقوط رهاناته، فإننا نشير في ذات الوقت إلى خيبتنا جميعاً... فهل كانت الأحداث منذ أن كانت أكبر من القيادات الفلسطينية كلها... هذا سؤال جدير بالتأمل قبل أن نصدر حكماً يتعلق بالدكتور حبش أو بغيره من القيادات.