عيد "المقاومة والتحرير" اللبناني لا يقابله حزن الاندحار والهزيمة في اسرائيل. انها مفارقة. انه واقع. ولذا تبدو فجيعة "جيش لبنان الجنوبي" مطحونة بين فرحتين. لقد تحولت "مسّادا" انطوان لحد الى انهيار سريع فتوزع جنوده بين مستسلم وهارب. يلقي المستسلم على الدولة اللبنانية سؤال التعاطي مع مرحلة ما بعد الانسحاب. ويرغم اللاجئ اسرائيل على كتم بهجة الخروج من "المستنقع"، وقد يتيح لها ممارسة ادعاءاتها الأخلاقية بتقديم تعويض الحد الأدنى لمن خدمها بتفان طوال عقدين ونيف. لقد تحرر لبنان من اسرائيل ولكن اسرائيل، أيضاً، تحررت من لبنان. هذه هي المفارقة. وكل من يرفض الاعتراف بطرفي هذه المعادلة يخدع نفسه ولذا ثمة خطر في ان تكون هذه الخديعة لبنانية اكثر منها اسرائيلية. لقد تحرر لبنان من اسرائيل. ويعود الفضل الأول في ذلك الى المقاومة المسلحة والى "حزب الله" تحديداً. ومع ان ثمة قضايا عالقة فإن يوم 24 أيار مايو تاريخي بالمقاييس كلها. انه يوم اختتام مرحلة تعود، عملياً، الى نهاية الستينات. ويفترض فيه ان يكون يوم افتتاح عهد جديد يطوّر ويرسي الصيغة المحلية والاقليمية لبلد عاش حقبتين متواليتين في مزاج يعاكس، كل مرة، ما هو سائد في المنطقة. ان الاحتفال بالتحرير حق لبناني. ومن الواضح ان عرباً كثيرين يشاركون في ذلك. لكن الخوف هو ان يطوّر هذا الاحتفال "خرافة" جديدة تضاف الى تلك التي ميزّت الوطنية اللبنانية في شكلها السابق هل من وطنية بلا اساطير تأسيسية؟ لا بل تسعى الى الحلول محلها بالكامل. ويمكن لهذه الخرافة ان تغش اللبنانيين والذين يشاركونهم فرحتهم. ولهذه "الخرافة" اسم محدد يستعيد المبالغات اللبنانية المعروفة: ان 24 ايار هو اليوم الأول لبداية نهاية اسرائيل. صحيح ان زعماً من هذا النوع يملك صدقية اكبر مما اعتاد اللبنانيون تصديره ولكن مشكلته انه قد يكون أكثر ضرراً مما سبق خصوصاً ان سنوات الحروب الأهلية حوّلت ما سبق الى فولكلور سمج. يجب على الطرف الثاني من المعادلة ان يرسم حدود هذه الخرافة أي ان يعيد الجميع الى أرض الواقع. نعم لقد تحررت اسرائيل من لبنان. واذا كانت مظاهر الارتباك تبدو على العدو، واذا كان شكل الانسحاب يثير السجالات، واذا كانت صدقية الجيش اهتزت، واذا كانت العمالة لاسرائيلة غير مجزية، فإن اسرائيل المتحررة من لبنان أقوى، اليوم، مما كانت بالأمس. لقد هزم اللبنانيون الاحتلال فهل يعني ذلك تماماً انهم هزموا اسرائيل؟ لقد سحبت اسرائيل يدها من الموقد الذي يحرقها والذي لم تعد تفتش فيه عما هو ثمين فهل يمكن الاستنتاج ان جسمها يتداعى؟ ان عناصر التفوق في اسرائيل لم تمس. فالقوة الرهيبة لجيشها هي على ما هي عليه. واقتصادها شديد التعافي ويطوّر قطاعاته المتقدمة بسرعة كبيرة. وقدرتها الردعية قائمة. ومؤسساتها تعمل بالزخم المطلوب. وطاقتها على استيعاب المهاجرين موجودة. وأساطيرها المعززة بالديموقراطية نافذة. ووضعها الدولي، اليوم، أفضل مما كان عليه قبل 48 ساعة راجع "مباراة" آل غور - جورج بوش امام "ايباك"، وكذلك المباريات الفرنسية - البريطانية - الروسية - الصينية الخ.... لقد ارغم المقاومون اسرائيل، وهنا المفارقة، على انهاء ملف كان يبدو لاسرائيليين متزايدين، ومنذ سنوات، خالياً من ذرة عقلانية. ومتى اضيف الى ذلك الوضع الراهن على مساري التفاوض الفلسطيني والسوري أمكن الاستنتاج أننا امام مفارقة صارخة: نحن امام منتصر مؤكد ولكننا لسنا امام خاسر! واذا جاز اختصار كل ما تقدم فهو دعوة الى الا يغلب الانتشاء التعقل، أي دعوة الى احتفال متواضع بالانجاز الكبير. ليطرح اللبنانيون والعرب على انفسهم السؤال الآتي: هل نحن، في المدى المنظور، امام أول انتصار ذي بعد عسكري على اسرائيل ام أمام اخر انتصار؟ هل هو بكر ام هو يتيم؟ ولا بأس من قدر من التمهل في الاجابة.