هل يدخل محمود درويش عالم الموت من بابه الأوسع وأقصد الشعر، أم يدخل الشعر من بابه الأوسع وأقصد الموت، أم أن كليهما، الموت والشعر، وجهان لحقيقة واحدة، حقيقة التجربة التي كابدها الشاعر واختبر من خلالها الموت كفعل شعريّ والشعر كفعل غياب أو حضور في اللغة؟ لعلّ الشاعر الذي خامر لحظات الموت مفتوح العينين أصرّ على الرجوع الى "لغته" فقط وليس إلى أحد أو بلد بعد "هذا الغياب الطويل" كما يعبّر. وليست "العودة" هنا مجرّد استعادة للغة العادية بل للغة القائمة في "أقاصي الهديل". فالشاعر يدرك تمام الادراك أنه واحد من أولئك الذين يسمّيهم "المرضى الغنائيين" ويصفهم ب"أحفاد الشياطين" و"المساكين".... كتب محمود درويش قصيدته "جدارية" دار رياض الريس 2000 عقب الخروج من غيبوبة الوعكة التي ألمّت به وخضع خلالها لما يشبه حال "الغياب" الموقت نافذاً الى داخل "الممرّ اللولبيّ" الذي غالباً ما يتحدّث عنه أشباه الميّتين أو المحتضرين الذين يعودون من "هناك" من "اللاشيء الأبيض" كما يقول درويش أو من "سماء المطلق البيضاء". ولكن لم يكتب درويش عن مخامرة الموت إلا ليعبّر عن قهره الموت لا بالحياة وإنما بالشعر أو ربّما بالحياة التي هي الشعر نفسه. وعلى عكس ما قال المفكر الفرنسي لاروشفوكو عن استحالة النظر المباشر في الموت مشبّهاً إياه بالشمس، نظر محمود درويش في الموت بل حدّق فيه وتفرّسه غير آبه إن زاغت عيناه أم لم تزوغا. الشاعر يتملّى الموت بغية أن يميته وأن يجعله حالة شعرية بامتياز. وإن جرت العادة أن يواجه الشعراء الموت عبر الشعر أو أن يكتبوا "ضدّه" فإن درويش على ما بدا، لم يهب الموت ولا ما وراءه ولم يسع عبر الكتابة الى مواجهته بل كتب عنه أو كتبه جاعلاً لحظته العميقة لحظة شعرية وهاويته رابية مضيئة وظلماته أشبه بالحدائق اللامعة. لم تكن مخامرة الموت تلك حال عزاء وسط الحياة التي يحسن للبعض أن يصفها ب"الجحيم". فالشاعر لم يبحث عن الموت على غرار الشعراء الرومانطيقيين أو الصوفيين ولم يسع الى طرق بابه هرباً من هاوية الحياة، بل إن الموت هو الذي طرق باب الشاعر وجاءه ك"السارق". فهو يدرك أنه جاء "قبيل ميعاده" أو جيء به قبل الميعاد، إذ سرعان ما يخاطب الموت مخاطبة الصديق قائلاً له: "انتظرني خارج الأرض". يدرك الشاعر انه لم ينه "حديثاً عابراً مع ما تبقى من حياته" وأنه لم ينه "قراءة طرفة بن العبد". وفي أعماقه يعلم الشاعر أنّ "الفنون" كما يقول هزمت الموت وكذلك "الأغاني في بلاد الرافدين" هزمته بدورها، و"مسلّة المصري" و"مقبرة الفراعنة" أيضاً. وتبلغ الألفة بين الشاعر والموت شأوها حين يخاطبه قائلاً: "يا موت! يا ظلّي الذي سيقودني، يا ثالث الاثنين". وكمن يأمر عبداً يأمر الشاعر الموت: "كن صديقاً طيّباً يا موت" أو "يا موت انتظر..." أو "إجلس على الكرسيّ...". ويُغرب الشاعر في مصادقة الموت حتى ليبدوَا صديقين قديمين ولن يتمالك عن رثاء حال الموت بعد أن "يؤنسنه" أو "يجسدنه" قائلاً له: "أيها الموت... كأنك المنفيّ بين الكائنات. ووحدك المنفيّ. لا تحيا حياتك. ما حياتك غير موتي...". وهكذا ينتصر الشاعر على الموت عبر رثائه أو عبر التغنّي به وجعله نشيداً. فإذا الموت هو تلك "الثمرة" التي تحدّث عنها ريلكه عندما قال: "الموت هنا. الموت العظيم الذي يحمله كلّ واحد في ذاته. الموت هو الثمرة التي من حولها يتمّ كلّ شيء". بل لعلّه الموت كما خبره نوفاليس مستعيداً معناه الديني إذ قال: "الموت حلم أخير ويقظة". ترى ألم يستعر درويش بدوره أحد المعاني الدينية للموت حين قال: "وقلت إن متّ انتبهت"؟ إلا أن انتصار الشاعر على الموت هو مثل الموت الذي خامره، ذاتي بامتياز، كيلا أقول فردياً بامتياز. وذاتية الانتصار كما ذاتية الموت جعلت صوته الشعريّ غنائياً، عالياً وخافتاً في آن، مفتوناً ومحشرجاً، مجروحاً ومضيئاً. فالموت ليس موت البطل أو الشهيد والانتصار ليس انتصار الجماعة: بل هما موت فرد وانتصار فرد. فالآخرون ذابوا في "الأنا" أو الذات و"الأنا" أو الذات باتت الشكل المفرد للآخرين: "وكلّما فتشت عن نفسي وجدت الآخرين. وكلما فتشت عنهم لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة". ويصرّ الشاعر على صفة "الغريب" كما لو أن غربته هي النار التي تصهر غيابه في الآخرين وحضوره فيهم. والفكرة هذه أفلاطونية المنشأ إذ أن الوجود في نظر أفلاطون قائم على جدلية مشاركة الواحد في الكثرة والعكس بالعكس. قصيدة فريدة لا شك في أن قصيدة "جدارية" قصيدة فريدة جداً سواء في خوضها تجربة الموت خوضاً جديداً وغير مألوف أم في بنيتها "الدرامية" ونسيجها الشعري ولغتها والحالات التي تحفل بها أو المواقف. قصيدة ذاتية جداً في استحضارها الموت ومكابدتها إياه وموت هو أولاً وآخراً موت شخص وحيد "يموت من عدم الموت" كما تقول العبارة الصوفية الشهيرة التي كتبتها الشاعرة المتصوّفة تريزا الأفيلية وأخذها عنها البعض وفي طليعتهم الشاعر الفرنسي بول إيلوار. لكن "عدم الموت" كما يحياه درويش ليس مدعاة للألم لأنه يحول دون الاتحاد بما وراء الموت أو مَن وراء الموت بل هو مدعاة للمواجهة السافرة، الشعرية والوجودية للموت نفسه هذا هذا الذي يحدث ولا يحدث أو الذي يحدث وكأنّه لا يحدث. إلا أن الشاعر الوحيد أو المستوحد في وسط هذه المكابدة لن يكون غريباً عن التجربة الصوفية أو تجربة الموت الصوفية حتى وإن بدا ساخراً حيناً سخرية سوداء العبارة الأثيرة الى أندريه بروتون أو عدمياً حيناً آخر: "ولم أسمع هتاف الطيّبين ولا أنين الخاطئين" يقول الشاعر مضيفاً: "أنا وحيد في البياض، أنا وحيد". ولعلّ دخوله عالم الموت "مفتوح العينين" أتاح له أن يختبر بعض الأحوال والمقامات التي لا يدركها الكائن لا في أوقات النوم ولا في لحظات الغيبوبة أو الحذر. فالغياب هنا هو مرتبة بين مرتبتين: الموت واليقظة: "ورأيت ما يتذكر الموتى وما ينسون". وداخل الوقت الذي يصفه الشاعر ب"الصفر" والمكان الذي يسمّيه "سديماً" يلتمس موته وحياته في لحظة واحدة بل لا حياته ولا موته كأن يقول: "لم أكن حياً ولا ميتاً، ولا عدم هناك ولا وجود". و"هناك" أو "هنا" أو في اللاهناك واللاهنا تنحلّ الضمائر كلّها كما يعبّر: يصبح ضمير "الأنا" غائباً أو "هو" والضمير الغائب يصبح المخاطب أو "أنت" ويمسي الكلّ والجزء واحداً أو عدماً إذ لا كلّ ولا جزء. وتنحلّ كذلك "العناصر والمشاعر" وتنتفي الثنائيات انتفاء شبه صوفي وربما شبه عدميّ. وعلى طريقة رامبو الذي قال "أنا هو آخر" أو ربّما على طريقة نوفالس الذي قال "أنا هو أنت" يخاطب الشاعر نفسه في مرآة الموت أو مرآة الوحدة سائلاً نفسه أو الشخص الآخر الذي هو: "فأيّنا منّا أنا لأكون آخرها". ويمضي في غربته مدركاً أنّه الغريب وأنّ الآخر هو الغريب أيضاً وأن "الغريب أخو الغريب". وإذ يسأل الشاعر عن "أينه" حين لم يجد "هناك" أحداً يخاطبه فأنّما يسأل على غرار الحلاج الذي استخدم عبارة "أيني" المؤلّفة من "أين" الاستفهامية وضمير "الياء". ومثلما بدا الشاعر عدمياً أو شبه عدمي بدا أيضاً صوفياً أو شبه صوفي أو صوفياً - عدمياً في الحين عينه مثل بعض الشعراء الذين عرفوا ب"الصوفيين المتوحّشين" أي الصوفيين الذين لا دين لهم. "أعرف هذه الرؤيا" يقول الشاعر معترفاً أنه ربما "مات قبل الآن" ومدركاً أيضاً أنه ربما ما زال "حياً في مكانٍ ما" وأنّه سيصير يوماً "طائراً" و"يسلّ من عدمه وجوده". ويعلم الشاعر أنه "غريب" و"بعيد" وأنّه إنما "يسافر داخله" محاصراً ب"الثنائيات" الآخذة في التلاشي: "مَن أنت يا أنا؟ في الطريق إثنان نحن وفي القيامة واحد". ولا تنتفي الثنائيات إلاّ تحت وطأة الانطفاء والغيبوبة وفي احتدام الموت الذي لا يتم: "خذني الى ضوء التلاشي كي أرى صيرورتي في صورتي الأخرى. فمن سأكون بعدك يا أنا؟ جسدي ورائي أم أمامك؟". لعلها صوفية الموت أو صوفية اختبار الموت هذه التي يحياها الشاعر ويقاسيها. صوفية سلبية لأنها تؤدي الى الانفصال مقدار ما تنتهي الى الوحدة بين الأنا والآخر أي بين الأنا في وصفه آخر والآخر في وصفه أنا. الصوفية هي سفر في الداخل، في الذات والحلم، في "الواقعي" الذي هو "الخياليّ الأكيد". إنها في معنى ما صوفية شعرية صرف وليست دينية بل هي لا تحقق بُعدها الديني إلا عبر شعريتها. لكنه البعد الديني في المعنى المطلق وربما البدائي أو الأسطوري. فالصوفية هنا هي الاغراق في الذاتية، ذاتية الكائن التائق الى الحرية الفردية، الى الحرية المحتدمة في داخله احتداماً غريزياً كالنار: "ضاق بي جسدي، ضاق بي أبدي" يقول. وهكذا يستحضر الشاعر بعض الرموز من الأساطير والميثولوجيات القديمة ومن بعض الأديان: جلجامش وأنكيدو وأوزيريس وأيكار والفينيق وكذلك المسيح ونشيد الأناشيد وسفر الجامعة... وإذ يخاطب أنكيدو مخاطبة جلجامش إياه كما لو كان "شبح الموت" يتذكر يائساً "هاجس الخلود" أو "رحلة البحث عن عشبة الخلود" فيقول الشاعر: "عش ليومك لا لحلمك. كلّ شيء زائل... عش لجسمك لا لوهمك". ومثلما يستيعد مقولة "سفر الجامعة" الشهيرة: "باطل الأباطيل، كل شيء باطل..." يعلن على طريقة أفلاطون أن "الحياة على الأرض ظلّ لما لا نرى" كما لو أن الحياة الحقيقية غائبة حقاً بحسب عبارة رامبو: لم نعد في العالم، الحياة الحقيقية غائبة. لكن الشاعر طبعاً لن يتوقف كثيراً عند جدلية المُثل والظلال التي عرف بها الفيلسوف الإغريقي تماماً مثلما لن يتوقف عند الفداء المسيحي حتى وإن استعار صورة الناصري أكثر من مرّة. فالشعر هو انتماؤه الأول والأخير واللغة هي حاضره ومستقبله. على أنه لا ينفي صفة الرائي عن نفسه في معنييها الحسيّ والروحي، الواقعي والحلمي، العابر والأزليّ: "كأنني أحيا هنا أبداً" يقول أو: "أرى السماء هنا في متناول الأيدي" أو "أنا حلمي... من حلم الى حلم أطير وليس لي هدف". وفي حمأة الرؤيا أو الحلم يسرد الشاعر بعض ما رأى أو حلم ولكن على طريقة الرائين لا النائمين. فما رآه يدلّ خير دلالة على حقيقة ما يكابد ويقاسي وعلى جوهر التجربة التي يحياها. رأى الشاعر ما ينتمي الى ماضيه وحاضره، الى حياته الخاصة وحياته الشعرية، رأى أباه "عائداً من الحج مغمى عليه..." كما رأى بلاداً تعانقه "بأيد صباحية" قائلة له: "كن جديراً برائحة الخبز". في هذه الرؤى يحضر ماضي الشاعر الخاص والشعري على السواء. هنا يتذكّر "تنوّر" أمه والرفاق القدامى والعالم المندثر الذي طالما غنّاه في قصائده الأولى واللاحقة. أما رؤاه الغريبة فتلك التي يطلّ فيها أبو العلاء المعرّي مثلاً أو الشاعر الفرنسي ريني شار جالساً مع الفيلسوف الألماني هيدغر: "على بعد مترين مني، رأيتهما يشربان النبيذ، ولا يبحثان عن الشعر، كان الحوار شعاعاً، وكان غد عاد ينتظر". واللقاء هذا بين الشاعر الفرنسي والفيلسوف الألماني كان تمّ حقاً ذات صيف وتحت سنديانة وربما عام 1955 وهو أول لقاء بينهما وطّد الصداقة التي جمعتهما طويلاً وكانت حافز هيدغر على كتابة بضع قصائد أهداها الى صديقه. أما ثالثهما في الحاضر - الغائب في ذلك اللقاء فكان هلدرلن في قصيدته الشهيرة "خبز وخمر". يواجه محمود درويش الموت شعرياً جاعلاً منه الوجه الآخر للشعر واللغة. يصبح الموت هنا جذوة القصيدة الطويلة ونارها الخبيئة التي تشعل أسرار التجربة. لا يكتب الشاعر عن الموت مقدار ما يكتب الموت ولكن برقة وألفة وليس بعنف واضطراب. فالموت صديق أليف لا يدفع الشاعر الى الصمت خوفاً أو تقززاً بل يحمله على الغناء في معنى الإنشاد لا في معنى التغنّي. والإنشاد هنا يردّ الى الشاعر صفته الاغريقية القديمة لكنه لن يكون منشد الجماعة بل منشد ذاته. قد يكون الشاعر هو "أورفيوس" الجديد الذي سحر الآلهة القديمة بإنشاده وروّض الحيوانات المفترسة. لكنه "أورفيوس" في مملكة الموت ولن ينشد إلا ليفتن الموت نفسه ويروّضه. ولن يتوانى الشاعر عن تكرار جملته الغنائية: "خضراء أرض قصيدتي، خضراء عالية" مرسّخاً حضور الشعر داخل الموت كحياة داخل الموت. ويصف في أحد المقاطع هو "المريض الغنائي" حاجته الى الإنشاد كما لو أنها "حاجة دمه". فالدم هو الذي ينشد أيضاً وليس الشاعر فقط ولا اللغة أو الكلام. وكم أصاب الكاتب الفرنسي جورج بيرّو حين قال: "تكون الغنائية عندما يحدث السيلان: ليس ما هو أشد غنائية من الدم". تصبح اللغة "وخز الدم" كما يعبّر درويش. لكنه الوخز الذي يدفع الى الغناء المجروح والشفيف، العالي والخافت، غناء القلب والروح، غناء الذاكرة والمخيّلة. ليست قصيدة "جدارية" قصيدة غنائية فقط، بل هي أكثر من قصيدة غنائية. إن فيها بعضاً من الملحمية الأليفة أو الذاتية. فهي لا تحاور العالم إلا عبر الذات ولا تستحضر أشياء الحياة إلا عبر الموت. لا جماعة هنا ولا وطن ولا منفى جغرافياً ولا خارطة بل ذات غريبة في عالم غريب و"أنا" مفردة تقاسي العزلة والألم وذاكرة تستعيد الماضي في صور تلتمع كالسراب. السفر هو في الداخل والمنفى في الداخل أيضاً. أما العودة التي يطمح اليها الشاعر فهي عودة الى اللغة "في أقاصي الهديل" وليست عودة الى "البلد" أو الأهل أو الحبيبة. الاقامة تصبح اقامة في اللغة ويصبح السكن "سكناً شعرياً" كما يقول هايدغر. أما الشاعر الذي يعانق الموت فإنما يقترب من نفسه "في غياب كلّي لهويته" كما يعبّر موريس بلانشو. حينذاك يخاطب درويش نفسه: "أنا وحيد في البياض..." أو ىسأل نفسه: "مَن أنا؟". غير انه لن يلبث أن يصغي الى ما تقول له "الحروف الغامضات": "أكتبْ تكن". فيدرك أن "باطنه الشفيف هو القصيد". أما اللغة فهي التي تنقذ "حاضره" وهو ليس بحاضر ولا بماضٍ بل هو اللازمن. قصيدة محمود درويش "جدارية" هي أيضاً أكثر من قصيدة مأسوية أو درامية على رغم اعتمادها الحوار والحوار الداخلي المونولوغ والبعد الدرامي ولعبة الضمائر وكذلك البنية المركّبة القائمة على التكرار المقصود والاستعادة والجناس اللفظي أو الايقاعي والتدوير في أحيان. إنها قصيدة القصائد، قصيدة "الجداريات" المتداخلة والمشاهد المنبثقة من عالم الموت الذي هو اليقظة ومن عمق المخيّلة التي هي الذاكرة أيضاً، قصيدة الغربة والألفة، قصيدة البحث عن الذات والأنا، عن الماضي البعيد والاسم، عن الشعر كبديل عن الموت وعن الموت كبديل عن الشعر. "هذا هو اسمك" يستهلّ الشاعر قصيدته ليدرك في الختام أن اسمه وإن أخطأ لفظه هو في خمسة أحرف "أفقية التكوين". وعبر أحرف اسمه يجمع بين العشق واليتم والمغامرة والمنفى والوعد والوداع والدرب والدمعة والوردة والحديقة... انها باختصار المفردات التي تصنع عالم الشاعر مثلما تصنع حياته وموته معاً. وإن بدا محمود درويش ذاتياً جداً وفردياً جداً في قصيدته الطويلة فلأنّ التجربة التي يخوضها أو خاضها هي تجربة فرد وذات، تجربة شاعر وحيد، يقيم في العالم مثلما يقيم في الموت، بل يسكن الحياة مثلما يسكن اللغة. ترى ألم يقل الشاعر ختاماً: "أمّا أنا وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل، فلست لي. أنا لست لي...