يعتبر برجا "بتروناس" التوأمان أبرز المعالم قاطبة في ماليزيا، وهما أيضاً صرح هندسي عملاق يشرف من بعيد على السهل الذي تقوم فوقه العاصمة كوالالمبور والتي تضم في أحيائها ومناطقها السكنية قرابة مليوني نسمة تدفقوا اليها منذ انشاء المدينة قبل 130 عاماً. ويتدافع الزوار كل يوم للتسوق في المحلات والمجمعات التجارية الضخمة التي تقوم أسفل البرجين، في قلب منطقة "المثلث الذهبي" داخل العاصمة حيث تنشط مشاريع بناء على قدم وساق، لاقامة مزيد من الصروح العمرانية الباذخة التي تطوق البرجين والساحة الشاسعة أمامهما حيث نوافير المياه والمقاهي والمدرجات التي يفترشها الزوار والراغبون في الاسترخاء. ويمتد مشروع بناء البرجين فوق مساحة 341.7 ألف متر مربع. ويرتفع كل مبنى منهما 451.9 متر فوق سطح الطريق. وهما أبرز معلم سياحي في ماليزيا. ويحوي البرج الواحد 88 طابقاً ويصل بينهما جسر معلّق يبلغ وزنه 760 طناً واستغرق ثلاثة أيام لدفعه الى موقعه الحالي عند الوسط. ويتميز الجسر بمرونة عالية وقدرة على الحركة في كل الاتجاهات وهو منفصل عن جسمي البرجين وان كان يفضي بينهما. ويعود السبب في ذلك، الى أن المهندسين الماليزيين وفي شركة "سيدر بيلي وشركاه" الأميركية لجأوا الى هذا الحل بسبب المشكلة التقنية التي يسببها انحناء الأجزاء العليا من المباني الشاهقة نتيجة سرعة الريح وهبوبها الأمر الذي يولد ضغطاً من الأجزاء العلوية للبناء على الأجزاء السفلى. ولمواجهة حركة التأرجح تقرر فصل الجسر عن البرجين وربطه بأسلاك عليا وتثبيته من أسفل بأعمدة معدنية تكفل له حرية الحركة. كما جرى وضع مصاطب متحركة تبلغ مئات الأطنان في أعلى كل برج لموازنة حركة التأرجح هذه ومنع الريخ من تحريك الجزء العلوي في شكل كبير. وتختلف الأبراج عن ناطحات السحاب في أن الأولى تبنى من أنابيب معدنية تشكل لحمة بنيانها. وتبلغ كلفة البرجين اللذين تملكهما شركة "بتروناس" النفطية الوطنية الماليزية بليوني دولار. ويتسع كل منهما لعشرة آلاف عامل وموظف في المكاتب التي تعادل مساحتها مجتمعة مساحة 85 ملعب كرة قدم. وأثار البرجان منذ افتتاحهما عام 1998 كثيراً من اللغط نظراً الى أن الماليزيين الذين اعتبروا انجازهما دليلاً على قدرة بلادهم على الانجاز والتفوق سارعوا الى اعلان البرجين أعلى مبنيين في العالم. إلا أن الصاريتين اللتين ترتفعان فوق المبنيين واللتين يبلغ طول الواحدة منهما 63 متراً وتشبهان المنارة في المساجد الاسلامية دفعتا بعض المنتقدين الى الاحتجاج على ادماجهما في الارتفاع الكلي للبناء. وأدى الأمر الى تدخل "مجلس المباني العالية والمساكن المدينية" الأميركي لحسم النزاع. وأعلن المجلس ان هناك أربع وسائل لتحديد ارتفاع برج أو ناطحة سحاب: الأولى علو قمة المبنى، الثانية علو رأس الصاري، الثالثة ارتفاع الطابق الأخير المأهول والرابعة علو سقف البناء. وبموجب المعيار الأول أقر برجا "بتروناس" على أنهما أعلى برجين في العالم في حين أن مركز التجارة العالمي في نيويورك اعتبر الأعلى حسب المعيار الثاني وبرج سيرز في شيكاغو الأعلى حسب المعيارين الثالث والرابع. ولا يزال البرجان اللذان يحملان شكلاً هندسياً يقوم على اضلاع مثمنة تستوحي الهندسة المعمارية الاسلامية وخط الزخرفة العربي أعلى صرح بناه الانسان الى يومنا هذا. ويعتبر المنافس الوحيد المحتمل لهما برج شانغهاي المالي الذي يمكن أن يصبح أعلى مبنى في العالم والذي تتناول الدراسات الحالية الخاصة ببنائه احتمال وصوله الى 630 متراً، علماً أن هذا الارتفاع قد يتقلص مع ميل مسؤولي القطاع العقاري في شانغهاي، حيث تقوم غابة كثيفة من ناطحات السحاب والأبراج، الى خفض نفقات برج من هذا القبيل، وفي هذه الحالة فإن النية قد تكون لتصميم برج أقصر. ولكن السؤال هنا هو: هل سيكون التصميم الجديد في شانغهاي قصيراً الى حد ترك الريادة لبرجي "بتروناس"؟ هذا ما سيجيب عنه المستقبل.