بدون مبالغة صعدت حتى الآن فوق سبع من أعظم ناطحات العالم (مثل سيرز في شيكاغو وبرج الاتصالات في تورنتو والامباير ستيت في نيويورك ومبنى التجارة الدولي قبل سقوطه). وقبل بضع سنوات ذهبت مع أطفالي الى ماليزيا وكان ضمن برنامجنا الصعود فوق برج بتروناس في كوالالامبور. ورغم أنه كان حينها أعلى مبنى في العالم إلا أن السياح لايستطيعون الصعود الى قمته ويكتفون بالوصول الى الجسر الواصل بين البرجين فقط. ورغم أنني قبلت مكرها بهذا الأمر ؛ إلا ان الموظفة استطردت قائلة : ولكن المبنى للأسف مغلق هذه الأيام لأسباب أمنية بمناسبة اليوم الوطني لماليزيا.. حينها أصبت مع أطفالي بخيبة أمل كبيرة واكتفينا بالجلوس في الحديقة المحيطة بالبرجين. ورغم مرارة الجلوس في ظل أعلى مبنى في العالم بدون الصعود فوقه إلا أنني حاولت أن أكون مرحا وأخفف عن الأطفال وقع هذه الصدمة. وفجأة انتبهت إلى أنني أمسك بيدي ساق نبته طويلاً (يشبه ساق الملوخية) فقلت لهم : هل تصدقون أن هذه الساق أعلى من هذين البرجين "اللي يتعززون علينا فيهما" ... وبالطبع سخر مني الأطفال - بالاضافة الى أم حسام - ولم يسألوني كيف ؛ ومع هذا أكملت حديثي وقلت هذان البرجان لا يتجاوز عدد الطوابق فيهما ال 88طابقاً ولكن حسب مقاييس هذه الساق نستطيع بناء ناطحة سحاب مكونة من 667طابقاً بعرض 12متراً إذا استعملنا مواد لها نفس المواصفات !! وهذا (يا أطفال ياحلوين ) مجرد مثال على نماذج طبيعية كثيرة تتفوق رغم بساطتها على جميع الإنجازات الهندسية للبشر.. فمحاكاة إبداع الله في خلقه تتيح لنا إنشاء أعمال هندسية خارقة ورائعة متى ما حاكيناها وراعينا مواءمة المواد الانشائية المستخدمة فيها.. وبالنسبة لناطحات السحاب فكثيراً ما يكون ( عدم تقيدنا ) بالتصاميم الطبيعية وبالاً علينا.. فإصرارنا مثلاً على بناء الأبراج الزجاجية الشاهقة بشكلها الحالي لهو غباء مطلق. فإغلاق المباني بهذا الشكل يجعلها "لا تتنفس" وإحاطتها بالزجاج من كل اتجاه يحولها لافران تحبس الحرارة ولا تطلقها. وبدل أن نحل هذا الوضع بطريقة طبيعية نعمد إلى حل أكثر قبحاً وهو استهلاك كميات مهولة من الطاقة لأغراض التهوية والتكييف.. وفي المقابل (والحديث مايزال للوالد) نكتشف أن النمل الأبيض أذكى من البشر في هذه النقطة بالذات؛ فهذه المخلوقات الصغيرة تبني أبراجاً بصلابة الصخر يزيد ارتفاعها على أربعة أمتار. ورغم أن هذا الارتفاع يوازي "برجي بتروناس" إلا أنه مهوّى ومكيف بشكل طبيعي.. فبرج النمل يتنفس باستمرار بفضل أنابيب تهويه دقيقة تبدأ من أسفل البرج (ثم تمر في كل غرفة) قبل أن تجتمع في فتحة تصريف رئيسية في أعلى المبنى.. وفي نظام كهذا يتم يسحب الهواء البارد من الأسفل لتعويض خروج الهواء الحار الذي يخرج بشكل طبيعي من الأعلى (وهكذا أعزائي الصغار نضمن تحرك الهواء بدورة مستمرة) ! ... عند هذا الحد بدأت أم حسام بتطبيق "الفراش" في حين قال فيصل : "أقول بس خذنا لماكدونالدز" !!