حسمت لجنة شؤون الأحزاب في مصر، النزاع داخل حزب العمل على رئاسته، واصدرت قراراً مفاجئاً أمس، سيترتب عليه "تجميد" الحزب عملياً، ومنعه من ممارسة نشاطه إلى حين اتفاق أطراف الصراع، أو صدور حكم قضائي لمصلحة أحدهم. وعقدت اللجنة اجتماعاً مفاجئاً أمس برئاسة الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى، وعضوية وزراء العدل وشؤون البرلمان والداخلية السادة فاروق سيف النصر وكمال الشاذلي وحبيب العادلي والمستشارين رفعت عبدالمنعم رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق والدكتور محمد كمال حمدي رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق والمستشار يوسف شلبي نائب رئيس مجلس الدولة السابق. واصدرت اللجنة قراراً نص على "عدم الاعتداد بأي من المتنازعين على رئاسة الحزب، المهندس ابراهيم شكري والسيد حمدي أحمد والسيد أحمد أدريس، حتى يتم حسم النزاع بينهم رضاءً أو قضاءً، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومنها وقف إصدار صحيفة "الشعب"، وغيرها من صحف الحزب، خلال فترة النزاع". كما قررت اللجنة "إحالة الأوراق على المدعي العام الاشتراكي لإجراء التحقيق اللازم، فيما نسب إلى الحزب، وقياداته، وذلك فى ضوء أحكام المادة 17 من قانون نظام الأحزاب السياسية، وإفادة اللجنة بتقرير بما يثبت لديه في هذا الشأن". ويشار الى أن نص المادة 17 يجيز للجنة شؤون الأحزاب، لمقتضيات المصلحة القومية العليا "وقف إصدار صحف الحزب أو نشاطه، بسبب اتخاذه قراراً أو تصرفه تصرفاً من شأنه تفريق المواطنين، وعدم تمثيلهم سياسياً، وتهديد أركان الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي". واللافت أن القرار لم ينص صراحة على "تجميد" نشاط الحزب، غير أن مصادر اللجنة، أشارت إلى أن "عدم الاعتداد بشرعية أي من المتنازعين عن الرئاسة، تعني وقف نشاط الحزب، لعدم وجود مسؤول قانوني عنه معترف به أمام الجهات الرسمية". وكان الحزب تعرض الى انشقاقات قوية داخله، خلال الأيام الماضية، حيث شهدت القاهرة مؤتمرين عقدهما عضو اللجنة التنفيذية العليا السيد حمدي أحمد، وآخر عقده عضو الحزب السيد أحمد أدريس، وابلغ كل منهما لجنة شؤون الأحزاب اختياره من أعضاء الحزب رئيساً له، ووقف إصدار الصحيفة "الشعب" وتجميد ارصدته في المصارف، غير أن رئيس الحزب المهندس ابراهيم شكري أكد عدم شرعية هذه الإجراءات، وطالب اللجنة عدم الاعتداد بها. وقال الأمين العام الحزب السيد عادل حسين ل"الحياة" إن "صدور هذا القرار كارثة ونكسة خطيرة للديموقراطية، والتعددية الحزبية في مصر، وقد تصورنا أن القيادات السياسية المسؤولة، لن تتورط في مثل هذا القرار، الذي لا يستند الى أساس قانون صحيح، وأهم من ذلك أن مغزاه السياسي مدمر، وخصوصاً في الظروف الحالية". ولفت حسين الى أن "المواطنين سيربطون بين هذا الموقف الباطش المنفلت من أصحاب القرار السياسي، وبين موقفنا ضد وزيري الزراعة الدكتور يوسف والي والثقافة فاروق حسني، لا سيما أن موقفنا من الأخير يتمتع بتفهم وتأييد من جموع الأمة كلها، والتقرير الذي صدر عن مشيخة الأزهر في هذا الشأن، يؤكد هذه الحقيقة". ويشار الى أن صحيفة "الشعب" الصادرة من الحزب، تبنت حملة عنيفة الاسابيع الثلاثة الماضية ضد رواية "وليمة لأعشاب البحر" التي اعادت وزارة الثقافة طباعتها، واتهمتها ب"سب المقدسات" و"إهانة الدين الإسلامي"، وطالب محاكمة المسؤولين عن ذلك، وتداعى عن الحملة مواجهات عنيفة، بعد توجيه صحيفة الاتهام بالكفر للمسؤولين عن القرار، وتواكب مع هذه الحملة الانشقاقات التي قادها اعضاء في الحزب، حملوا قادته مسؤولية تدهور أوضاعه وإثارة الفتنة الطائفية في البلاد. واستغرب حسين صدور القرار في هذا التوقيت، وقال إنه "يشير الى حرص الدولة على إظهار مواقفها، كما لو كان تأييداً لكتابات ومواقف إلحادية في مواجهة كل المؤمنين والمتدينين مسلمين كانوا أم مسيحيين". ورفض حسين تحديد التدابير التي سيتخذها الحزب رداً على القرار، وقال إن "كل الخيارات القانونية والسياسية مطروحة لمواجهة هذا القرار الاستبدادي، وسنعلن عن خطوات محددة، خلال ساعات، وننتظر تلقي القرار رسمياً، للتعاطي معه". ويشار الى أن زعيم الحزب المهندس ابراهيم شكري هدد في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي ب"الإضراب عن الطعام حتى الموت"، إزاء ما يتعرض له الحزب من إجراءات "تعسفية"، مؤكداً تمسكه بالشرعية القانونية، فيما شدد حسين في المؤتمر ذاته على أن "كل قياديي وأعضاء الحزب يؤيدون النهج الاستشهادي الجهادي الذي أعلنه ابراهيم شكري". ومن المنتظر أن تبدأ السلطات الرسمية تنفيذ قرار اللجنة، بمنع نشاط الحزب أو عقد اجتماعاته، أو اصدار صحفه، حيث ينص القانون على أن "قرار الوقف يتم تنفيذه من تاريخ صدوره"، مما يشير الى عدم قدرة أي أطراف النزاع على عقد اجتماعات رسمية خلال المرحلة المقبلة. وفي أول رد فعل على صدور القرار اتهم السيد حمدي أحمد عادل حسين بالمسؤولية الكاملة عن هذه التطورات وتجميد الحزب، وقال إن "سياسات وتصرفات عادل حسين غير المسؤولة، والتي اتخذها طوال فترة قيادته للحزب هي التي أدت إلى هذه الأوضاع". وشدد أحمد على أن "قرار التجميد ليس في مصلحة الديموقراطية، فالتنازع ليس على رئاسة الحزب، وإنما على مبادئه، وكان يجب على لجنة الأحزاب عقد جلسة للتوفيق بين أطرافه، لبلوغ حلول وسطية، بدلاً من اللجوء الى التجميد"، لافتاً الى أن "حسم هذه الأوضاع ربما سيستغرق سنوات، يظل خلالها الحزب مجمداً، بسبب تصرفات المتطرفين". وقال أحمد "سننتظر بدء تحقيقات المدعي الاشتراكي، وسنتقدم له بكل مستنداتنا وأوراقنا، التي تثبت شرعيتنا، وصحة مواقفنا، كما سنقدم له كل ما يدين هؤلاء قيادة الحزب من تصرفات قاموا بها سواء كانت سياسية أو مخالفات قانونية ومالية إدارية وخلافه". وتسبب القرار في ردود فعل متفاوتة بين الأحزاب وجماعات حقوق الإنسان، وإن اتفقوا جميعهم على أن "حزب العمل مسؤول عن تردي الأوضاع الى هذا المستوى"، إلا أنهم شددوا على "تحفظهم عن أي إجراء إداري لا يستند على القانون". وشدد الأمين العام لحزب التجمع اليساري الدكتور رفعت السعيد على أنه يعارض "أي إجراءات إدارية تتخذ ضد الأحزاب، وقانون الأحزاب هو الذي يدفع الى مثل هذه المنازعات الداخلية، اذ أن مسألة تأسيس حزب جديد، تواجه معوقات عدة". غير أن السعيد لفت إلى "أن حزب العمل تجاوز حدوده لمدة طويلة، وحذرنا مراراً من هذه السياسات، ومحاولة تسييس الدين، والتي يتستر البعض خلفها لأهداف ومكاسب محددة، وصحيفة "الشعب" حاولت استخدام الدين في معاركها السياسية، وقامت بتكفير الآخرين واظهرت نفسها الممثل الشرعي الوحيد للسماء والإرادة الإلهية، وهي التي طالبت الآخرين بالدفاع عن حقها في إبداء الرأي، وحاربت في الوقت ذاته حق الآخرين في المبدأ ذاته". وشدد الأمين العام المساعدللحزب الناصري السيد حامد محمود على أنه "كان يجب اللجوء الى القضاء لمحاسبة أي تجاوز أو مخالفة للقانون، بدلاًَ من اللجوء الى إجراءات إدارية"، ولفت الى أن "موقفنا واضح فنحن ضد أي تصرفات غير قانونية، ونتمسك في ضرورة التزام كل الأطراف في تدابيرهم بالقانون ونصوصه". ووصفت منظمات حقوقية قرار التجميد بأنه "صدمة"، وقال الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان إنه "يمثل تراجعاً كبيراً ويهدد الديموقراطية"، وشدد على أنه "رغم رفضنا اساليب التهييج والإثارة التى تبنتها صحيفة "الشعب" أخيراً، إلا أن تطوير الديموقراطية وتعميق النهج الديموقراطي كان يتطلب سعة صدر، لا سيما أن قانون العقوبات كان كفيلاً بحسم هذا الملف، إذا ما ثبت وجود أية مخالفات". ولفت مدير مركز هشام مبارك للقانون أن "الحقوقيين يرفضون الإجراءات الإدارية ضد أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني"، ولفت الى أن "قرار لجنة الأحزاب، استند الى قانون الأحزاب وهو قانون غير عادل، ويتضمن نصوصاً لا ترتبط بالقانون الطبيعي، ومن ثم فأي ما يصدر عنه يعد استثناءً"، وقال إنه "كان على الحكومة اللجوء الى القضاء الطبيعي والقانون العادل إذا رغبت في اتخاذ أي إجراء".