يوفر مؤتمر "ايباك"، أو اللوبي اليهودي المؤيد لاسرائيل في الولاياتالمتحدة، غداً والاثنين والثلثاء، فرصة لمعرفة بعض جوانب السياسة الخارجية للمرشحين للرئاسة جورج بوش وآل غور، فهما سيخطبان في المؤتمر، الأول الاثنين، والثاني الثلثاء. ثمة جانب معروف هو تأييد اسرائيل، وسيستغل المرشحان الجمهوري والديموقراطي فرصة وجودهما على منصة المؤتمر السنوي للوبي الذي سيستمع كذلك الى خطاب من رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك، للمزايدة على أحدهما الآخر في تأييد اسرائيل، والتغني بديموقراطيتها المزعومة التي تسرق بيوت الناس أو تدمرها، وتشردهم أو تقتلهم. سأعود الى المرشحين غداً أما اليوم فأكتفي بالسياسة الخارجية الأميركية، فالولاياتالمتحدة بلد عجيب لأنه يقود العالم من دون سياسة خارجية. وهذا ما اكتشفه الاميركيون وهم يحتفلون أخيراً بمرور 25 سنة على سقوط هانوي و11 سنة على سقوط جدار برلين، فقد اثبت كل استطلاع للرأي العام، أو تحليل أو دراسة، أن الاميركيين في غالبيتهم شعب انعزالي يعارض التدخل الخارجي، حتى لأسباب انسانية، مثل البوسنة ورواندا وتيمور الشرقية وكوسوفو والصومال. واذا كان للاميركيين شيء من مظاهر السياسة الخارجية فهو ضاع وسط الخلاف المستحكم المستمر بين الرئيس والكونغرس. وأصبح مجلسا الكونغرس يستخدمان حق مراقبة الانفاق الحكومي وسيلة لتعطيل الانفاق انتقاماً من ادارة كلينتون، ولتصفية الحسابات معها. الادارة قدمت أخيراً مشروع قانون مستعجلاً لانفاق طارئ بمبلغ 13 بليون دولار، بينها دفع حصة أميركا من عملية السلام في كوسوفو ومكافحة المخدرات في كولومبيا. وأوقف الكونغرس مشروع القانون فوراً، وقال السناتور ترنت لوت، رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ان مشروع القانون منتفخ وغير مبرر. وقال السناتور تد ستيفنس، وهو جمهوري من آلاسكا يرأس لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ، ان الموافقة على انفاق 6،1 بليون دولار على مكافحة انتاج المخدرات في كولومبيا، تحتاج الى أصوات 60 عضواً، وهي أصوات غير موجودة. ولم يكتف الأعضاء برفض الانفاق على عملية السلام في كوسوفو، بل انهم طالبوا الادارة بتحديد موعد لانسحاب هذه القوات. ولم تنج ادارة كلينتون الا عندما عارض المرشح جورج بوش فرض موعد، فقرر بعض الشيوخ الجمهوريين التصويت مع الديموقراطيين. ولا غضاضة في أن يرفض بلد ارسال قواته الى الخارج أو الانفاق على عمليات خارجية، إلا أن البلد المعني في هذه الحال بالذات هو الولاياتالمتحدة التي تقود حملة العولمة في العالم كله، والتي يرتبط اقتصادها بالدول الأخرى. والولاياتالمتحدة تنفق من أصل كل دولار "رسمي" نصفه على الدفاع ومشتقاته، وسبعة سنتات فقط على التعليم، ومع ذلك عندما تحدث جورج بوش الأب عن السياسة الخارجية، هزمه بيل كلينتون بالتركيز على الشؤون الداخلية. وسيكمل كلينتون ثماني سنوات في الحكم من دون أن يحقق شيئاً في السياسة الخارجية، فقضايا الشرق الأوسط وكوبا وإيرلندا الشمالية لم تحل. وهناك خلاف بين الادارة والكونغرس، ومع روسيا، على شبكة الصواريخ الدفاعية وتعديل الاتفاقات المعقودة. والناس خارج الولاياتالمتحدة لا يفهمون كيف يوقع رئيس دولة معاهدة، من نوع منع التجارب النووية كافة، فيعطل برلمان البلاد الموافقة ويلغي قرار الرئاسة. ولعل الصين أفضل مثل على عدم وجود سياسة خارجية اميركية، أو على ضياع الموجود منها بين الادارة والكونغرس. والرئيس كلينتون يريد تطبيع العلاقات التجارية مع الصين بشكل دائم. وقد أيده جورج بوش الابن بقوة ووضوح في خطاب له. كما ان الرؤساء السابقين جيرالد فورد وجيمي كارتر وجورج بوش، وقعوا "رسالة الى الشعب الأميركي" تدعو الى تطبيع هذه العلاقات. غير أن الكونغرس سيبدأ اعتباراً من يوم الاثنين مناقشة العلاقات التجارية مع الصين، وهو يفضل تجديد العلاقة سنوياً، مع أن من الواضح ان المصالح التجارية تصبح رهينة في أيدي السياسيين لأنه لا يوجد مشروع صناعي أو تجاري يمكن حصر مدته بسنة واحدة. المعارضون في الكونغرس شنوا حملة مضادة لموقف الرئيس والرؤساء السابقين. واستعان زعيم المعارضة النائب ديفيد بونيور بالممثلة غولدي هون كأنها استاذة في التجارة الدولية. وهكذا فالسياسة الخارجية الاميركية محدودة، وهي حيث وجدت ضائعة بين الادارة والكونغرس، فأكمل غداً بالمرشحين غور وبوش محاولاً تلمس بعض خيوط سياستهما الخارجية، مع مثولهما لأداء الطاعة أمام اللوبي اليهودي في مؤتمره السنوي.