انتهت "عاصفة الانتخابات التشريعية" في طهران لمصلحة التيار الاصلاحي القريب الى الرئيس محمد خاتمي اثر تدخل مباشر من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بعدما توصل مجلس صيانة الدستور "غالبية محافظة" الى قناعة مفادها عدم تأييد صحة الانتخابات وبالتالي الغاؤها بسبب ما وصفه ب "مخالفات وتلاعب". والبارز فيما حصل ان الالغاء كان محتما لدى المحافظين وكان بمقدورهم تمرير هذه الخطوة نظراً لحساسية الظروف المحيطة بالحركة السياسية الداخلية خصوصا بعد الاجراءات القضائية الخاصة بالوقف الموقت لست عشر صحيفة واسبوعية اصلاحية، وزج عدد من المشاركين في مؤتمر برلين في السجن وتصعيد الحملة ضد الاصلاحات الموصوفة بالاميركية. وقد يكون الاصلاحيون قادرين على رد "الضربة" عبر الاحتكام مجدداً الى صناديق الاقتراع والفوز مجدداً بمقاعد العاصمة، لكن الالغاء كان سيحرمهم ترشيح أبرز شخصياتهم لرئاسة البرلمان، اذ ان دائرة طهران تضم معظم مرشحي الرئاسة ان لم نقل جميعهم. كما ان موعد اعادة الانتخابات لن يكون قريباً، في ظل تسريبات تقول ان اعادة الانتخابات في تسع دوائر تم الغاؤها في المحافظات ستجرى بعد حوالى تسعة شهور. هنا أدرك الاصلاحيون أهمية تدخل المرشد آية الله خامنئي ليحسم الأمر لمصلحتهم بعدما أدركوا قبلها انه هو من حال دون تدخل العسكر ضدهم. وهذا ما اشار اليه وزير الثقافة والإرشاد عطاءالله مهاجراني خلال زيارته للكويت أخيراً إذ استبعد كلياً حصول انقلاب عسكري ضد الاصلاحيين، مستشهداً بوصف المرشد للاصلاحيين والمحافظين بأنهما كجناحي الطير الواحد. من هنا يبرز السؤال عما إذا كانت علاقة الاصلاحيين بالمرشد الأعلى ستدخل شهر عسل قد يطول على مدى المرحلة القادمة وبالتحديد الى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل. ما يدركه الاصلاحيون تماماً انهم يواجهون "استحقاق الوفاء بوعودهم امام قاعدتهم الشعبية الواسعة، ويدركون ايضاً ان المحافظين سيتربصون بهم الدوائر عند كل منعطف وفي كل مناسبة. ومهما قيل عن انحسار شعبية المحافظين فإنهم يبقون أقوياء جداً في المؤسسات الرئيسية كالقضاء والعسكر، ومجلس صيانة الدستور، كما انهم يمسكون بالكثير من المؤسسات الحساسة اقتصادياً واعلامياً". والاهم من ذلك انهم يعتبرون انفسهم حماة الثورة وولاية الفقيه، ويرون من واجبهم الشرعي الحفاظ على مكتسباتها، ومنع تسلل "الليبراليين" و"العلمانيين" الى اجهزة الدولة، والقضاء على أي محاولات لفصل الدين عن الدولة، وعودة الولاياتالمتحدة الاميركية الى ايران. وما أدركه الاصلاحيون بعد الأزمة الأخيرة ان رياح التغيير لا بد لها من تنظيم في الأولويات، وعدم حرق المراحل واستباق الزمن، والابتعاد عن الاثارة المقرونة بالتحدي لخصومهم المحافظين بعد تلقيهم الهزائم المتلاحقة بدءاً من الانتخابات الرئاسية العام 1997، وصولاً الى البرلمانية في العام ألفين. ووُضع أنصار خاتمي أمام استحقاق اثبات ثوريتهم وحرصهم على الثورة الاسلامية، وأنهم أبناء المدرسة الخمينية. هذا الامتحان صنعه المحافظون عبر تشكيكهم في نهج الاصلاح من جهة، وساعدت في رواجه شمول التيار الاصلاحي خليطا من القوى والأحزاب والتيارات السياسية الاسلامية والعلمانية على قاعدة ان "ايران هي لجميع الايرانيين"، وتحت شعار "تحويل المعاند الى معارض وتحويل المعارضة الى موالاة". عند هذه النقطة يفترق المحافظون والاصلاحيون الى درجة التصادم فالأوساط المحافظة تتحدث باستمرار عن طابور خامس "وتقصد الليبراليين" يريد الانقضاض على أصل النظام الاسلامي مستغلاً الحركة الاصلاحية. وهنا يلتقي موقف المرشد خامنئي مع التيار المحافظ ليفترق تماماً مع التيار الاصلاحي، وهو حذّر بشكل علني من نفوذ الليبراليين "وتوعد بعدم السماح لهم ولمن يدعمهم في الخارج ومن وصفهم بأنهم جواسيس" باللعب بمصالح الثورة وقضاياها. لكن ما قدمه خامنئي من دعم مطلق للرئيس محمد خاتمي وللاصلاحات الثورية في القضاء والادارة وحتى في الحوزة الدينية شكل مكسباً مهما للتيار الاصلاحي في مواجهة المحافظين، وجعل من المرشد الضامن الأكبر لاستمرار عملية الاصلاح لكن دون المساس بالخطوط الحمر وهي أصل النظام والمبادئ التي قام عليها. وهذا ما يضع التيار الاصلاحي أمام استحقاق ضبط خطواته وبرامجه على وقع عدم المساس بتلك الخطوط الحمر. من هنا كانت مسارعة أبرز الشخصيات الاصلاحية ومنها الشيخ مهدي كروبي رئيس رابطة العلماء المناضلين الى الاعلان بأن البرلمان الجديد سيواصل السير في خط الإمام الخميني وسيكون حامياً لولاية الفقيه. يضاف الى ذلك ان الشخصيات التغييرية والمتحمسة في حزب جبهة المشاركة ستكون مضطرة لأخذ العبرة من تجربة مرحلة الانتظار الطويلة لاعلان نتائج انتخابات طهران إثر تأجيلها من قبل مجلس صيانة الدستور. كل هذه المعطيات يدركها التيار الاصلاحي الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي بعد انتزاع البرلمان من أيدي المحافظين. ومع ادراك الاصلاحيين ان المرشد خامنئي هو الوحيد القادر على ضبط المحافظين في بقية اجهزة الحكم، ومع ادراك المرشد ان التيار الاصلاحي هو الأقدر على الامساك بالشارع الايراني في هذه المرحلة بالتحديد، واحداث تغيير واصلاح من الداخل، يمكن القول "ان شهر العسل صار أمراً حتمياً"، وقد يكون طويلاً.