سذّج هم المحللون الذين ينقبون في الكتب القديمة ووثائق الامبراطورية الروسية بحثاً عن جذور المشكلة الشيشانية التي بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، مع ثورة الإمام شامل. وأكثر منهم سذاجة من يبحث عن أسباب المعضلة في السياسة التي اتبعها الاتحاد السوفياتي، ونادت بحق الأمم في تقرير المصير لكنها "فرضت الاختيار" قسراً والزمت كل القوميات ان تدين بعقيدة واحدة وتتخلى عن هويتها القومية والدينية. ويرتكب هفوة لا تغتفر من يلقي الذنب على القيادة الروسية التي هدمت الاتحاد السوفياتي ودعت الجمهوريات القومية الى "ان تأخذ من السيادة ما استطاعت ان تهضم" ثم شنت حرباً على من أخذ كلامها مأخذ الجد. ويجانب الحقيقة كل من يلوم متطرفين وغلاة شيشانيين اساؤوا الى قضيتهم بخطف الرهائن والاستيلاء على دور الولادة والمستشفيات أو قطع رقاب موظفي الهيئات الدولية. وسائل اعلام روسية اكتشفت ان المشكلة الشيشانية يمكن حلها في "رمشة" عين لولا... العرب! وقادت هذه الحملة صحف تدعي الرصانة مثل "ازفيستيا" التي اعتبرت ان العرب وحدهم "عائق يمنع التسوية السلمية" في الشيشان. ونزلت الى الميدان مساء الأحد المدفعية الثقيلة متمثلة بتلفزيون "ان. تي. في"، وهو عرض فيلماً مطولاً عن "العرب الذين يقتلون الروس" في القوقاز. وعلى رغم شح الأدلة فإن مشاركة عدد من رعايا دول عربية في الحرب الشيشانية ربما كانت حصلت فعلاً، لكن الحديث عن "آلاف مؤلفة" والاشارة الى "وحشية" هؤلاء في "ذبح" الروس واهانة روسيا، انما يرمي الى اثارة اجواء عداء للعرب في بلد تربطهم به تقليدياً علاقات ود. ولئن كان هناك خلاف في وجهات النظر حيال المشكلة الشيشانية فإن ذلك لا يعني قطيعة كاملة أو احتراباً، ومثال أوروبا دليل على أن موسكو تستطيع ان تقيم علاقات طبيعية مع أطراف لا تؤيد الحرب القوقازية والأساليب المعتمدة في معالجة النزاع الشيشاني. ولكن يبدو أن ثمة جهات هدفها الأساسي زعزعة العلاقات الروسية - العربية، وعلى نطاق أوسع دفع الارثوذكس الى مجابهة مع المسلمين. وتلفزيون "ان. تي. في" الذي يملكه فلاديمير غوسينسكي رئيس المؤتمر القومي اليهودي في روسيا نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي دأب على "طحن" العرب طوال السنين الماضية من دون ان يتصدى له أحد. والسفارات العربية التي اغضبها مقال "ازفيستيا" اكتفت ببيان يعلن "براءة الذمة" من الغلو والتطرف، وصيغ بعبارات بدت دفاعاً خجولاً إزاء هجوم وقح. وربما آن الأوان لوقفة مع الحكومة الروسية ومكاشفة مع الرأي العام وملاحقة قضائية لحالات إثارة العداء القومي ضد العرب، بوصفها عنصرية يحرمها القانون الروسي. وان لم يتمكن العرب من أن يغلوا أيدي خصومهم، فلعله ما زال بوسعهم ان يصرخوا، ام انهم ما عادوا قادرين حتى على الأنين؟!