"محمد أمين" ألمع نجوم الغناء في الاربعينات والخمسينات، والنجم السينمائي الذي حققت أفلامه أعلى الايرادات. مشواره الفني لم يكن طويلاً 1941-1955 لكن أغنياته وأفلامه علامات مميزة في الفن الغنائي. ولفترة طويلة ظل منزله مفتوحاً لزملائه من كبار الفنانين الذين كانوا يجدون لديه السهرة الحلوة والمائدة السخية، وكانت تشاركه في الترحيب بضيوفه في الاربعينات زوجته الفنانة مديحة يسري وفي الخمسينات الفنانة هدى شمس الدين التي كانت من ألمع نجوم الرقص الشرقي، وما بينهما كانت فاتنة عصرها الفنانة كاميليا، وكغيره من أصلاء دنيا النغم والفن، هاله الوضع الذي رسا عليه الغناء في السنوات الاخيرة. والحوار مع محمد بك أمين مشوق، فيه ماضٍ جميل، وذكريات عبرت مملوءة بالسحر عن نجوم خالدين. وهو اختار الابتعاد عن الفن والغناء، بعد تربعه على عرش الفيلم الغنائي تاركاً خلفه علامات استفهام عدة. "الحياة" اقتحمت عزلته وانفردت بالحوار التالي الذي دمعت فيه عيناه ثلاث مرات، الأولى عندما تحدث عن طلاقه من مديحة يسري والثانية عندما تذكر رحيل استاذه محمد عبدالوهاب، والثالثة من تجاهل وسائل الإعلام المختلفة أفلامه وأغانيه. ما سبب حبك للفن والغناء ولا سيما أن الفن كان ينظر اليه بعين خالية من الاحترام في الثلاثينات؟ - محمد عبدالوهاب بصوته العذب كان سبب حبي وعشقي للفن، حتى إنه عندما طُرحت أسطوانته "يا ترى يا نسمه" في الاسواق اشتريتها على رغم اننا لم نكن نملك فونوغرافاً. وكنت استمع إليها يومياً أكثر من مرة عند "بائع السوداني" الى أن كسرت الاسطوانة فحزنت جداً. متى بدأ مشوارك الفني؟ - في عام 1939 كنت أعمل مهندساً كهربائياً في استديو مصر، وكان جميع زملائي يعلمون أن صوتي جميل وانني محب للغناء، وكان هناك مخرج اسمه عبدالفتاح حسن أخرج فيلماً قصيراً عن "اقراص الاسبرين" فطلبت منه أن أغني في هذا الفيلم، وعندما استمع الى صوتي رحب بالفكرة وانتشر الخبر بين العاملين في الاستديو، ووصل الى الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان يمثل في الاستديو أحد أفلامه، وطلب أن يشاهدني فذهبت إليه سعيداً وعندما استمع الى صوتي طلب مني أن أترك مجال الكهرباء وأعمل لديه سكرتيراً مقابل 15 جنيهاً في الشهر، بعد أن يقابل والدي، وحدث هذا وقال إن صوتي جميل. وجاء والدي الى البيت غاضباً، وقال لي "هل أنت مهندس أم مطرب؟". فقلت له: مطرب، فصفعني صفعة قوية وقال لي إنه لم يتعب في تربيتي لأكون مغنياً، لكن والدتي أقنعته بالموافقة على احترافي الغناء. هل درست الموسيقى؟ - في مدرسة عابدين الابتدائية كنت أعزف على الكمان وعندما عملت مع استاذي محمد عبدالوهاب بين عامي 1939 و1941 علمني أصول الموسيقى. ما الاغنية الاولى في مشوارك الفني؟ - الاغنية التي ما زالت عالقة في أذهان الجمهور هي "نور العيون يا شاغلني" كلمات حسين السيد، ولهذه الاغنية قصة، فبعد عملي مع "عبدالوهاب" ذاعت شهرتي في الوسط الفني، فطلب مني المخرج نيازي مصطفى ان ألحن لزوجته الفنانة كوكا اغنية فيلمها الجديد "مصنع الزوجات". وفي تلك الحقبة "الاربعينات" كنا نسجل الأغاني في باريس أو لندن، ولكن لظروف الحرب سافرنا الى أثينا لتسجيل أغنيات عبدالوهاب الجديدة "يا ورد مين يشتريك" و"الصبا والجمال" وغيرهما. وطلبت من "عبدالوهاب" أن أسجل أغنية جديدة لي بعنوان "نور العيون" فاستمع اليها وأعجب بها جداً، وبالفعل سجلت أغنيتي على أسطوانة، وما ان طرحت في الاسواق حتى تفوقت على كل أغنيات الموسم، وفي هذا الوقت كانت اغنية "يا جارة الوادي" تحقق أعلى رقم في التوزيع فجاءت "نور العيون" وحققت ضعفها! ما سر حب الجمهور لاغنية "نور العيون"؟ - هذا يعود الى توفيق الله سبحانه وتعالى بالاضافة الى الحظ وملك الملوك اذا وهب لا تسأل عن السبب!! كنت المطرب الوحيد الذي سمح له الموسيقار محمد عبدالوهاب أن يغني في أحد أفلامه. فكيف حدث هذا؟ - أحب عبدالوهاب أن يُخلد علاقتنا فطلب من المخرج محمد كريم ان يضيف مشهداً أغني من خلاله أغنية للذكرى والتاريخ في فيلم "ممنوع الحب". واستطاع "كريم" ان يصنع موقفاً وغنيت أغنية "يا مراكبي" وسعدت جداً بهذا لأنني في عز مجد عبدالوهاب في الاربعينات كنت المطرب الوحيد الذي سمح له أن يغني معه!! لماذا اقتصرت اغنياتك على ألحانك فقط؟ - لأنني كنت أثق في نفسي جداً كما ان ألحاني كانت ناجحة ومنتشرة على مستوى العالم العربي كله! يلاحظ أن الشاعر حسين السيد كتب لك الكثير من أغنياتك. فكيف التقيته؟ - التقيته في مكتب عبدالوهاب اثناء اجرائه اختباراً ليصبح ممثلاً في فيلم "يوم سعيد". وفي هذا الوقت كان عبدالوهاب يبحث عن أغنية تصلح لتعبر عن موقف ما في الفيلم، فتقدم حسين السيد بوصفه شاعراً، وكتب اغنية "اجري.. اجري" وأعجب بها عبدالوهاب لأنها كانت تعبر تماماً عن الموقف. ومنذ هذا اليوم توطدت صداقتي به، وكتب لي 90 في المئة من أغنياتي، وذلك الى عام 1948، حين تعرفت الى الشاعر مأمون الشناوي، وما يميز أشعار حسين السيد أفكاره الجديدة نظراً لثقافته الفرنسية، فمثلاً مطلع اغنية "علشان الشوك" مقتبس من اغنية فرنسية. ما مدى صحة ما أشيع من أن الملحن رؤوف ذهني لحن الكثير من الأغنيات ونسب تلحينها الى عبدالوهاب؟ - هذا صحيح بنسبة 60 في المئة، بمعنى أن عبدالوهاب كان ذكياً جداً، فعندما كان يعجبه خاطر لحني لملحن ما، كان يأخذ منه أهم مميزاته، ويضيف من عنده الكثير، بشكل ينسب اللحن في النهاية له. وهذا ما فعله مع رؤوف ذهني، وهذه شهادة للتاريخ. قدمت للسينما الغنائية 14 فيلماً. ما أحب هذه الأفلام اليك؟ - غير فيلم، أولها "أحلام الحب" وهو من بطولتي مع مديحة يسري لأنه نجح نجاحاً باهراً واستمر عرضه ثلاثة أشهر. وثانيها فيلم "حب من السماء" من بطولتي والمطربة نجاة علي. وقدمت من خلاله ألحاناً جميلة بالاضافة الى غير دويتو مع نجاة علي. قدمت مع الفنانة تحية كاريوكا ثلاثة أفلام هي "نجف" و"يحيا الفن" و"أحب الرقص". ما هي ذكرياتك معها؟ - السيدة تحية كاريوكا كانت من أعظم الفنانات اللاتي عرفتهن، لأنها كانت تتمتع بشهامة أولاد البلد، وبشخصية قوية. وفي فيلم "أحب الرقص" غنيت لها أغنية "ظلموني العوازل في حبك يا وله" ورددها معي الشارع المصري كله!!. تعاملت مع عدد كبير من المخرجين السينمائيين، من المخرج الذي قدمك في أفضل صورة؟ - المخرج توغو مزراحي لأنه أفضل من قدم الأفلام الغنائية، وكان قوة جبارة. وعلى رغم أن أفلامه كانت فيها لمسة تجارية، إلا أنه كان يضع كل ممثل في مكانه المناسب. وقدم للمطربة ليلى مراد مجموعة من أفضل أعمالها. وقبل عامين قابلته في باريس وتذكرنا معاً الأيام الخوالي. وعلى رغم تقدمه في السن إلا أنه تمنى ان يشاهد مصر مرة اخرى قبل وفاته!! ماذا عن التنافس الفني بين جيل الاربعينات والخمسينات؟ - كان موجوداً ولكنه تنافس شريف، بحيث يجمعنا الحب والصداقة ودائماً كنا نسهر معاً. واذا مرض أحد تجد الكل الى جواره، وكان الوسط الفني محترماً جداً، والكل يعمل من أجل الفن فقط ولإمتاع الجمهور. كيف تعرفت الى زوجتك الاولى الفنانة مديحة يسري؟ - من خلال فيلم "ممنوع الحب" اذ ظهرت في لقطة في أغنية "بلاش تبوسني في عينيه" وغنى لها عبدالوهاب هذه الاغنية لأنها كانت جميلة جداً، حتى أن مجلة "تايم" الاميركية وضعتها في الاربعينات ضمن أجمل عشر نساء في العالم. وكانت نظرة من "مديحة" لأي رجل تجعله في حالة هيام. وفي هذه الفترة توطدت علاقتي بها، وكانت صديقة لكل من السيدة أم كلثوم والفنانة زينب صدقي وعلمتا بحبي لها وحبها لي. وفي 27 ايلول سبتمبر عام 1941 واثناء احتفالي بعيد ميلادي عند مصطفى القشاش رئيس تحرير مجلة "الصباح" حضرت أم كلثوم وسألتني. لماذا لا تتزوجان؟ وبالفعل تم زواجنا الذي استمر خمس سنوات الى عام 1946 وأسسنا خلال هذه الفترة شركة انتاج وانتجنا مجموعة من الافلام كان باكورة انتاجها فيلم "أحلام الحب" ثم تتالت الافلام مثل ""غرام بدوية" و"الجنس اللطيف" وغيرهما. ولماذا وقع الطلاق؟ - استمعت الى مكالمة هاتفية بينها وبين الفنان احمد سالم كان يشكو لها مني، ولم تدافع عني بالقدر الكافي بخلاف وجود معجبين لها ومعجبات لي سببوا سوء تفاهم بيننا فحدث الانفصال. قدمت مع الفنانة كاميليا عام 1949 فيلم "الستات كده". هي كانت زوجتك في تلك الفترة؟ - زواجي بكاميليا له قصة، فبعد طلاقي ومديحة يسري ساءت حالتي النفسية جداً، وفي هذا الوقت تعرفت الى الفنانة كاميليا وكانت فاتنة السينما وقدمنا معاً فيلم "الستات كده" واثناء تصويرنا هذا الفيلم تزوجنا، واستمر زواجنا سنة ونصف السنة. وحدث انفصال نظراً لاختلاف طباعنا الشخصية، فأنا جاد وهي دلوعة!! وزواجي بها كان عناداً لأحمد سالم لأنه خطف مني مديحة يسري وتزوجها. وبعد انفصالي عن كاميليا تزوجت الراقصة هدى شمس الدين التي سبق أن تعرفت إليها اثناء تقديمها تابلوهات راقصة في فيلمين: "عشرة بلدي" و"أحب الرقص" وبعد زواجي بها أنتجت لها فيلم "بيني وبينك" من بطولتها مع كمال الشناوي ولحنت لها مقطوعات موسيقية، وكانت من أفضل من عرفت بل كانت على خلق عظيم. على رغم نجوميتك وشهرتك اللتين حققتهما في السينما والغناء ابتعدت فجأة عن الفن. لماذا؟ - في عام 1951 اصبت بحساسية أو بمرض الربو، ولم يكن الطب تقدم فآثرت الانسحاب بهدوء من الفن، حتى أن آخر فيلمين قدمتهما وهما "الحب بهدلة"، "وعشرة بلدي" عام 1952 كانا ضعيفي المستوى. اذا كان المرض أتعب صوتك لماذا لم تستمر كملحن؟ - نظراً لحالة الاكتئاب التي مررت بها بعد توقفي عن الغناء وأنا في ريعان الشباب. وعندما ظهر عبدالحليم حافظ في منتصف الخمسينات أحدث دوياً هائلاً وبعدما شفيت من مرضي، وفكرت في العودة، وجدت أن عبدالحليم ملأ الساحة الفنية ومعه مجموعة من الملحنين الممتازين مثل كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي، ففضلت الانسحاب ولا سيما أن ظروفي المادية كانت جيدة، كما أن سنوات الابتعاد أفقدتني جمهوري. معروف عنك حبك للخيل كيف نشأت هذه الهواية؟ - هذا يعود للمطرب فريد الاطرش الذي كان دائماً يصطحبني لزيارة اسطبل الخيل الخاص به. لذا عشقت الخيول واشتريت مجموعة منها، وأول فرس اطلقت عليه اسم "نور العيون" ووجدت هواية الخيل مسلية جداً رغم أنها مكلفة. ما سر زيارتك السنوية لباريس؟ - هذه العادة أخذتها من استاذي عبدالوهاب، ولكن منذ وفاة عبدالوهاب اصبحت باريس لا طعم لها. وديع الصافي من المقربين اليك، كيف تعرفت إليه؟ - وديع الصافي وفيروز هدية من الله لشعب لبنان الشقيق وعلاقتي بوديع ترجع الى عام 1946 حين عرفني إليه الكاتب والصحافي الكبير صاحب دار الصياد الراحل سعيد فريحة. وكان الصافي حينها شاباً صغيراً، وكان صوته في عنفوان الشباب، وغنى وقتذاك اغاني ميجانا وعتابا، وسهرنا نسمعه الى الصباح وفتنت بامكانات صوته المذهلة، ومنذ ذلك الوقت توطدت علاقتي به وكلما أتى الى القاهرة يزورني. ولمن تستمع حالياً؟ - الى أم كلثوم، وعبدالوهاب وفيروز ووديع الصافي وجيلي من المطربين. واذا صادفني مطرب أو مطربة من غير هؤلاء أغلق المذياع أو التلفزيون فوراً لأنني بصراحة لا أحب الانزعاج. وما يحدث حالياً ليس فناً أو غناءً. واذكر أننا كنا في باريس يوماً وسألت عبدالوهاب عن رأيه في المغنين الموجودين على الساحة فقال لي "والله يا محمد لا أفرقهم عن بعض مثل اليابانيين". هل تشاهد الافلام السينمائية الحديثة؟ - احياناً أشاهد ما يبثه التلفزيون من أفلام وأحب أعمال محمود ياسين ونور الشريف، كما أحب أفلام المخرج يوسف شاهين الذي أعتبره هدية لمصر، وعلاقتي به تعود الى الاربعينات اذ كانت تربطني بعائلته صداقة. من المطرب الذي لم يأخذ حقه من النجومية والشهرة على رغم استحقاقه لهما؟ - المطرب محمد قنديل لأن صوته ساحر. اذا طلب منك صوت جديد ان تلحن له اغنية هل توافق؟ - نعم، لكن هذا سيستغرق وقتاً لأن يدي اصبحت ثقيلة على العود. - ولد في 27 ايلول سبتمبر 1918. - التحق باستديو مصر للعمل كمهندس كهرباء عام 1938. - تزوج بثلاث فنانات وزوجته الرابعة والأخيرة كانت ربة منزل، وانجب منها ابنته الوحيدة. - قدم للسينما المصرية 14 فيلماً غنائياً، انتج منها 10. - انتج لزوجته الراقصة هدى شمس الدين عام 1953 فيلم "بيني وبينك". - أفلامه: هي تحيا الستات، حب من السماء، الجنس اللطيف، احلام الحب، اليتيمة، غرام بدوية، نجف، يحيا الفن، أحب الرقص، الستات كده، مكتب الغرام، الحب بهدلة، عشرة بلدي. - أهم اغانيه: نور العيون يا شاغلني، بحب جديد، كوبري أسنا، اشرب على قدك، أحلام الحب، اللي بحبه، حبيبي، اللي جرالي.